
في وداع آخر لـ «السنين».. وردة حمراء للوحيدين
عبدالوهاب شعبان
في وداع آخر لـ «السنين».. وردة حمراء للوحيدين
من جاء يسأل عن حصاد العام؟ (لا شيء سوى ذاكرة مرهقة، وشغف).
(1)
فاصل بين ورقتين على "نتيجة ورقية"، يأخذنا من رحيل إلى قدوم رقمي، وحمل ثقيل من الخيبات، وما يتبعها من حنين، ويقين.
وما اليقين إلا اعتقاد راسخ في عدم جدوى الحنين، واستحالة أمنيات السنين !
(2)
تخبرنا الوجوه بانقضاء السنوات، لملامحها صورة أخرى تثير الشجن، وتشي بـ"مرور الزمن".
كهذه البدايات الخادعة، نستقبل رأس السنة، ولا نعير المحتفلين اهتمامًا، سيجدوننا في انتظارهم بالطبع حين يخلع "بابا نويل" أقنعته، ويعد الراحل أمتعته.
(3)
قلوبنا فارغة، وفي الخلفية نصغي لوجدان تشكل على نغمة "يرفرف العمر الجميل الحنون".
(4)
أود أن اسألها بعد سنوات، كما سألها "إبراهيم ناجي" من قبل (متى يجمع الدهر ما فرّقا).
ولي هناك على الصخرة ذاتها "ملهمة" صكت وجهها، وقالت: لن نشتري بـ"القصائد" غرفة نوم، وسيارة تقينا أذى وسائل المواصلات.
(5)
هل تخصم السنين فعلًا من أرصدة الحب؟
يخبرني صديقي الهائم خلف طيف عابر في طرقات متعرجة، بأن (الفراق يتناسب طرديًا مع الاشتياق)، كلما زادت مدة الأول، زاد وجع الآخر.
(لو كان لي قلبين عشت بواحدٍ، وتركت الآخر في عناية مركزة للتخلص من آثارها).
وبين الرجاء، والشفاء، ذاكرة منحوتة كأحرف على جدران المعابد القديمة، لا تصدأ، ولا تهدأ.
(6)
قرأنا عليك كتاب الحياة، وهي القراءة التي لا ينفض سامعها، والكتاب الذي لا ينجو قارئه، أما الحياة فهي دورة روتينية متجددة، لا تحمل سنيّها سوى أصداء ما قرأناه من قبل.
في ذكرى تعيد شبق الماضي البعيد نجدد السؤال: هل فض الهوى سرّها المغلقا؟
(7)
لا تأتينا الرسالة التي ننتظرها حين تعلن إشارات ضبط الوقت "الثانية عشر صباحًا"-ليلة رأس السنة-، يتجدد مجيء الأعوام، ويتبدد حلم وصول الرسائل..
ننتظر البدر في المُرتقى-كما انتظر ناجي-، وكلانا تستغرقه الأسئلة (هل الشمس قد خضبته؟)، وبعضنا يركن إلى قصاصاته الورقية، معاتبًا، ومقلبًا، كعادة سنوية لا يبرحها المحبون.
(8)
إننا مسجونون في حواضن البدايات، معذبون بالحكايات.
وكلما استلقى "علي البدري" على صدر "أنيسة" لاحت له الحبيبة "زهرة"، وسخطه الثائر عليها، نحمد الله على صلابة قد نستمدها حين تأفل زهورنا، فينحدر "المثقف" إلى هاوية الحنين، ونردد معه "ولفين ياخدنا الحنين..لواحة الحيرانين".
كل هذا الوخز في وجدان أبناء "الثمانينات" يدور في فلك تساؤلات سيد حجاب، لكنه يتعثر دائمًا عند شطره الراسخ في الصدور-(ليه يا زمان ماسبتناش أبرياء..وواخدنا ليه لطريق مامنوش رجوع؟).
(9)
في نهاية طريق اللارجوع هذا، حجر أسود يطوف حوله أهل الفقد، والوجد، لا مواسم ثابتة للحج إليه، ولا جدوى من الطواف.
وأنت يا هذه البكر من بنات الخيال، لم يحرك سكونك "مشيب الفؤاد الشهيد"، وكنت ولا زلت تنتظرين مواثيق الحساب البنكي، و عقود الشقة بالمنطقة الهادئة، كمحددات وضعتها الأم المسيطرة.
حيث لا ينساب عطر أنوثتك إلا في أماكن "هاي كلاس"، دون آثار جانبية لكلام الروايات (اللي مبيأكلش عيش).
(10)
يا صخرة العهد أبتُ إليك، وفي خاطري طلة الوجه البهي، والثغر الباسم الندي، ونحو ألفي جنيه لدفع الحساب، وشراء الدباديب المطلوبة، وبضعة عبارات مقولبة (هابي نيو يير، وأشياء أخرى)، فما حيلتك الآن في حضرة الغياب؟
ثم كلل الشيب المفرقا، فمتى تصل رسائلنا، أو تصلنا رسالة واحدة ؟
كل هؤلاء الوحيدين ينتظرون رسائلهم، وكلهم (حنّ إلى أسره مطلقا).
(11)
من جاء يسأل عن حصاد العام، ولم يسعفه المجيء !
نشاطركم الفقد، والركض، وإليكم جميعًا قبلة على جبين، ووردة حمراء لـ"الحنين".