رئيس التحرير: عادل صبري 01:18 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

ماذا أراد الملثمون من أوراق «وديع فلسطين»؟

ماذا أراد الملثمون من أوراق «وديع فلسطين»؟
16 ديسمبر 2017

ماذا أراد الملثمون من أوراق «وديع فلسطين»؟

عبدالوهاب شعبان

ماذا أراد الملثمون من أوراق «وديع فلسطين»؟

 

يتجدد الخذلان، كلما تبدد رهان الضمير، مع سلامة المصير، وكلاهما محكوم بعلاقة طردية، كلما زاد الأول (يقظة)، وإنصافًا، يزيد الأخير(قسوة)، وإجحافًا.

 

كتبت كل ما أريده، وليس لدي مذكرات. (وديع فلسطين - نوفمبر 2017)

 

(1)

لم يكن الرجل الذي بلغ أرذل العمر منشغلًا بالشأن العام، حين مسه جنون التنكر من موظف حكومي بهيئة المعاشات، أكتوبر 2017، طالبه بإثبات بقائه على قيد الحياة وهو في سن الخامسة والتسعين، وعاد إلى منزله عابسًا متكئًا على انكساره، وذكريات مؤلمة، هي ما تبقى له من رحلة الحياة.

 

في العقار رقم 6 بشارع علي بن أبي طالب - مصر الجديدة - يعتزل "وديع فلسطين" العالم داخل شقة تراكم على محتوياتها "تراب العزلة"، فارغة مكتبته إلا من بضعة كتب متناثرة، وغرفة نومه بها سرير يشبه يومه في الشتات، وأفكاره في التداخل، يجاوره حامل تعلق عليه المحاليل اللازمة لعلاجه.

 

لا يقرأ الرجل، ولا يكتب - منذ عامين على الأرجح -، ويومه مقسوم على صفر الحصاد - فلماذا اقتحموا عزلته، وانتهكوا حرمة شيخوخته؟

 

(2)

ليس لديه مذكرات عن (حسن البنا)، ويناصب جماعته العداء.. (لو أن لأقلامكم بعض الحياء) !

 

وكان شيخ الصحفيين – الذي يحمل كارنيه النقابة رقم 205- منكفئًا على وخز الضمير الذي لازمه من شبابه إلى شيخوخته، معتزلًا أحاديث النخب المصنوعة، وخداع الصحف المطبوعة، دون سعي لشهرة، ولا مقامرة لمكسب عابر، راضيًا تمامًا بموقع الهامش، ومقعد المتفرج.

 

الصحافة تعاني من "المرتزقة" - أسرها في نفسه لسنوات، وأبداها في حوار لـ"الوفد" -15 نوفمبر 2017.

 

(3)

ربطوه في سريره، وأخذوا أوراقه غصبًا-(لم تخبرنا وردة محمد-مديرة منزله عن مضمون الأوراق)..

 

يقتصر دور صاحبته على إعداد الطعام، ومتابعة مواقيت الدواء-حتى الخامسة عصرًا-، حيث لا يشير مظهر المنزل إلى ترتيب يذكر، ربما لأنه لا يستقبل زوارًا إلا في أضيق الحدود، حتى "جهاز التلفاز" مغلق منذ أعوام –حسب روايته-، لا يريد مزيدًا من الضوضاء، ومشاهدة الغوغاء.

 

وردة بالطبع تعلم تفاصيل الأوراق، فعندما سألته عن خطاب اعتذار "وزيرة التضامن"-مطلع نوفمبر الماضي-عن إهانة موظف المعاشات، أخبرني بأنها وحدها"تعلم مكانه".

 

(4)

هل يقرأ الملثمون؟

 

هل تؤذيهم خطابات شخصية يحتفظ بها الشيخ التسعيني منذ خمسينيات القرن الماضي؟

 

هل تأذى مجلس النقابة من اقتحام ذاكرة المسن، وسرقة ما لم يرد نشره؟

 

(5)

(نعيش في مجتمع عاق للمفكرين، والأدباء)- هذه عبارته التي أثبتتها التجربة.

 

لم يخف شيخ الصحفيين علاقته بـ "سيد قطب"، عندما سئل عن أبرز محطات حياته الفكرية، والمهنية، قال: إن صداقة وثيقة جمعتهما حين عملا معًا بمجلة "الرسالة"، واستمرت حتى قبض على صاحبه، واختفت أخباره، حتى أعلن عن إعدامه.

 

يستقر "سيد قطب" في ذاكرة "وديع فلسطين" كـ"أديب موهوب"، وناقد أدبي كان محل اهتمام شباب الأدباء، والشعراء-حينذاك، بالتوازي مع إقراره بتحولات فكرية أصابته بعد عودته من بعثة "سان فرانسيسكو"-إحدى الولايات الأمريكية، وخلّفت أثرًا سلبيًا على مستقبله الأدبي.

 

أخبرني في حواري معه: أنه يحتفظ بخطاباته، لكنه لا يعلم مكانها، ولا يريد نشرها.

 

(6)

لم تكن سرقة "وديع فلسطين" هي الأولى من نوعها، إن يسرق الملثمون، فقد سرق الأفاقون من قبل.

 

ذات يوم استضاف الرجل "صحفي" لم يخطئه زيف الشهرة، دار بينهما حديث ودي، دون أية إشارات لمقابلة صحفية، فأفرط الشيخ المسن في سرد حكاياته التي لا ينضب معينها بفعل السنوات، وبعد أيام فوجيء بنشر ما جرى لدى إحدى الصحف العربية مقابل "حفنة دولارات"، ضمن متوالية الدناءة التي عايشها المفكر المنكوب.

 

(7)

أتذكر وداعة عينيه حين طلبت نصيحته، وقتها استجمع نضج تجربته، واستمرأ آلامها، وقال: (لا تمارس صحافة، أو سياسة، إلا إذا كانت عندك ثروة، أو تكيف مع كل الأوضاع).

كنموذج استثنائي، منحته الحياة نصيبًا وافرًا من اسمه، وأمهلته الأقدار عمرًا يسجل خلاله تقلبات السنوات في مراحل مختلفة من تاريخ البلاد، ويلخص قناعاته في أن العزلة اختيار واضح، ثم يختزل ما يراه مثيرًا للمتاعب، والمصاعب، مكتفيًا خلف كل تساؤل بعبارات مقتضبة، يريد الرجل الذي خالطه يقين الحياة أن يرحل في هدوء، لكن سارقيه أرادوا شيئًا آخر.

 

كيف احتمل قلب نابض بالوفاء، وظهرٌ يعاند الانحناء، كل هذا الرعب !..

 

(8)

كمساءات تحمل آلام الغربة، واغتراب الحلم في قلوب الحالمين (كذلك كانت رحلته).

 

يرقد "وديع فلسطين" في غرفة العناية المركزة بـ "مستشفى هيلوبوليس"، وفي خاطره يمر مشهد الاقتحام، ودناءة أهل اللثام، وأسئلة راسخة في خاطر لا يتوقف عن التأمل، تتبلور في ( ما الذي يبدو مزعجًا في أوراقي لهذا الحد؟). بينما تواصل الصحافة سعيها لحبك التداعيات، في غياب شهادة المصدر.

 

(9)

حط الرعب رحاله في صدري، حين طالعت تفاصيل الاستقواء الهمجي على مسن "وحيد"، وراجعت عبارته (لم أعد راغبًا في شيء)، كأنه يستجد الموت. وتذكرت أن المسافة بين ربطه في سريره، وقلقه الدائم على "مصيره"، هي ذاتها المسافة بين (عزلته)، ويقظة ضميره.

 

(10)

وأنت بعد مسيرة 95 عامًا، كيف رأيت الوطن في تجربتك؟

قال "وديع" العناية المركزة: مكان للإقامة.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية