
الأسئلة المزعجة في مجزرة "بئر العبد"
عبدالوهاب شعبان
الأسئلة المزعجة في مجزرة "بئر العبد"
لو أننا انتفضنا، ودعونا لمسيرة دولية في "بئر العبد" يشهدها العالم، كما فعلت فرنسا بعد حادثة "شارلي إبدو"، بدلًا من نواح الإعلاميين، وكيد المتخاصمين !..
لكنها أحاديث النخبة، وديمومة النكبة...!
(1)
أطلق المسلحون رصاصهم في بيت الله، الله الذي تدار المعارك، وتراق الدماء لأجله، هو ذاته الذي حرم سفكها بغير حق..فلا قرينة تصرف الفعل إلا لـ"تكفيري"، أو "ممول مرتزق" مسه جنون المصلحة، وكليهما راسخ في "الكفر".
أعلى الشاشات –يسارًا- عقب "مذبحة المصلين"-"شارة حداد" يمر من أسفلها "الهراء" الخام، مباريات، وأفلام، تتخللها فواصل قصيرة لـ"محاضرات تربوية في فنون الوطنية".
خرج أهل السياسة-عن تخصصهم، واشتبكوا في صراع بـ"اسم الله"، بسرد"الآيات"، والاستشهادات الدينية، بينما الخطاب السياسي الواضح، والأكاديمي الشارح، في حضرة الغياب، وعلى الأرض المكلومة حزن ممنوع من العرض.
(2)
تتعثر الأسئلة، حين تبرز أحذية الراحلين بجوار مسجد "الروضة"، وتستقر "أحذية"أخرى في عقول بعض"نجوم الفضائيات".
"تجديد الخطاب الديني"-مقولة الخبراء الثابتة خلف كل انتكاسة دموية-، دون وعي بأن الشهداء ارتقوا للسماء، أمام منبر يتحدى خطيبه "الناج من الموت" أشباح الشمال السيناوي الملثمين..
في سيل الهوس المكرر، يصرخ إعلامي "'طاووسي الذات" في مشاهديه، نافثًا سم اتهامات مبطنة لـ" شيخ الأزهر"، ومطالبًا بمساءلته، ثم يوبخه قائلًا: (زي ما رحت "الروهينجا"، روح بئر سبع، روح بئر سبع، كررها مرتين، ونبهوه في الثالثة أنها "بئر العبد".!
هل ينتظر "الدواعش" خطابًا أزهريًا للرجوع عن منهجهم التكفيري؟
من يدينون التكفير يطالبون بمنح مؤسسة دينية "صكوك التكفير"، ثم ينكفئون على اتهام مناهجها بالتطرف !
(3)
لماذا لم تعلن جماعة إرهابية مسؤوليتها عن مجزرة "بئر العبد" حتى الآن؟
هذا السؤال مطروحًا أرضًا، لأن المكلفين بصناعة "الدوار الإعلامي" مشغولون بأطروحات أخرى.
ولمّا صعد الإمام منبره (سبّح، وحوقل، وحمد الله)، ثم زاغ البصر، واستقر الصياح، والكفر البواح، وتبعثرت ذكريات القرية تحت وطأة الرصاص الغدر، سيتجدد ذلك عند"أذان الجمعة"-كل جمعة- على مدى السنوات.
(4)
فرّ الملثمون –القتلة-بعد انتهاك سافر لـ"حرمات الله"، ودوت "التكبيرات" في فضاء بئر العبد"انتصرنا"-قالت روايات الأهالي-.
تعددت الروايات، وغابت المعلومة الواضحة عن الجهة المنفذة، وسحبت "المجزرة" الاستثنائية إلى ساحة التصنيفات السياسية، الاختزال، والابتذال، على وقع شهوة لا تنقطع في جفاء اليقين، واستسهال التخمين.
لماذا لم يتأمل متصدرو المشهد حجم الألم الصارخ من أقصى الشمال المعذب بالفقد منذ سنوات؟
وكأنّها وخزة عابرة-رغم استشهاد المئات-، تبددها ثرثرة (خبراء استراتيجيين)، ووعاظ في ثوب إعلاميين.
(5)
كل شيء يصير عدميًا حين يقارن بـ"قرية" فقدت عوائلها، شبابها، وأطفالها.
والفقد –الذي لا نمل قسوة توصيفه-لا تكسر وحشته خطابات مكررة داخل "استوديوهات مكيفة"، يتقيأ فيها بعض المزايدين "أفكارهم"، ويغادرون إلى منازلهم، في نشوة "المنتصر".
لا عزاء في القرية، لأن ذوي الأفئدة الفارغة، والأعين الزائغة، مشغولون بشرود الأطفال، وانكسار ماتبقى من الرجال.
(6)
مرتضى منصور يرفض دعوة مجلس "الزمالك" للانعقاد بسبب "هاني العتال"-هذه قضية الساعة !.
استوديوهات القنوات الرياضية في حالة طواريء، لنقل معارك مرشحي الناديين الكبيرين.
(الحداد، هو المصطلح الأكثر مسخًا لدى السائرين على كارثة إنسانية اهتز لها العالم، بممحاة الوطنية البليدة).
(7)
كنّا نود الاستماع لشهادات المنكوبين على الشاشات، بدلا من وعظ الببغاوات.
والبيانات عند تتابع جريان دماء الأبرياء، تصير عبئًا على أصحابها، كتاريخ أعرج لا يبرح موقعه، ولا يسعف صانعه.
ثم لا يهدأ المنظرون- كبقرٍ تشابه علينا-خلف كل حادثة، تدوينات ذات أحرف جامدة تستهدف المتابعين، حزن بلاستيكي، واتهامات معلبة يتقاسمها طرفي الاستقطاب.
(8)
لا أحد يريد مواجهة حقيقية لواقع القرية التي نقل مصابوها على ظهر "سيارات ربع نقل"، ومقاعد"التكاتك"، الأولوية القصوى لـ"نزع" توصيف "الكارثية"عن المجزرة.
وما حيلة مواطنين لا يريدون البوح بأسمائهم للصحفيين خشية تجدد القتل؟
كالمراهنين على حدث آخر سوف يجيء، لطي صفحة "بئر العبد"، يغسل بعضنا يديه، وينام ملء جفنيه-(العبرة بدغدغة عواطف الجماهير).
المساءلة لمن أمام مجلس النواب؟..هذا سؤال اختزل بعض الإعلاميين إجابته في "شيخ الأزهر".
(9)
سنواجههم بالمقدمات النارية، والإدانات التليفزيونية-(وهناك واقع آخر لا يقرؤنا، ولا يشاهدنا).
لماذا لا يرى المهمشون تضامنًا وطنيًا إلا بعد نكبة إنسانية يتجرعون مرارتها وحدهم؟..
الحفاظ على قيم ومباديء النادي الأهلي صار رأس أولويات –رجال الأعمال-وفي الخلفية مقابر جماعية، وعشش في مهب القناصة التكفيريين في محيط "بئر العبد".
(10)
لا تحتاج البديهيات إلى شروح، "الوطن في معركة ضد الإرهاب".
كذلك تقرأ القاعدة (لا تقل حاجة الوطن للمفكرين الحقيقيين كقوة ناعمة، بجانب المرابطين، في معاركه الحاسمة ).
فليصمت الذين يغيمون الفضاء، ولو مرة واحدة لصالح العقلاء.