
خدش "رونق" طارق حافظ !
عبدالوهاب شعبان
خدش "رونق" طارق حافظ !
كل شيء في غير موضعه يصير عبئًا، والأعباء مثيرة للضجر.
(1)
إلى المعجم الوسيط كانت الخطوة محملة بعبء الكشف عن معنى "رونق"، وهي كلمة ملحقة بصيغة اتهام على النحو الآتي: (خدش رونق القضاء).
لا يعرف المعجم العربي مصطلح (رونق القضاء) من أي اتجاه، وإنما يعرف الرونق بأنه (اسم علم مؤنث، يعني الجمال والحسن والبهاء والإشراق في الشيء).
وحسبما يفهم فإن الصفات الأربع جائزة لـ"الأشياء، الأماكن، الأشخاص)، وهي في واقعها صفات حسية لا تلمس باليدين، وتصبح في وضعية العدم، إذا لم تلحظها العين، لكونها دليل القلب إلى كل مبهج.
(2)
(رونق الشباب) - أوله -، هذا معنى غائب، نحفظه، ولا نلحظه.
لا - طارق حافظ - كاره لأبناء القضاة، ولا الصحفيون كارهون، لكننا بالطبع كارهين لازدواج المعايير في وظيفة كهذه.
(3)
والخدش لا يكون إلا لشيء مادي، ويتحقق بترك أثر قبيح على جسد، أو سطح ثقيل كـ "الزجاج مثلًا".
بينما يسوقه المجاز إلى الأشياء الحسية على نحو عبارة (خدش سمعة)، والتي تعني نسب ما يعيب إلى شخص ما.
التهمة (خدش رونق القضاء) موجعة، ودليلها المعتمد أكثر وجعًا، وتبعاتها الغريبة ليست كمثلها أوجاع.
(4)
بين الخدش، والقلش - (السخرية) -، نسير في ثنائية اللامعقول، واللا وصول.
(5)
وحده يواجه الزميل (طارق حافظ) تهمة لا يدرك خطورتها نفر من الساخرين، الماضين خلف تدوينات تضع كلمة (رونق) في أي جملة (مفهومة كانت، أو غير مفهومة) للتندر على صياغتها، بحسب رواج الساعة الراهنة مزاجية الطابع.
دون هذا القلش الماسخ الكاشف لـ"خرارة المسخ" اليومية، والتي تفرغ كل شيء من مضمونه، لصالح السير في قطيع أهوج، يتسرب شعور صحفي عام بالقلق، واللا أمان، والنكوص المبكر على أعقاب الاختبار الأول لمجلس النقابة.
وتظل عبارة ضمنها الزميل في روايته عن واقعة التحقيق - الذي جرى مع أمس الثلاثاء - موازية للتهمة في خطورتها، بدا من خلالها كيف يحتل الخوف شخصًا اتكأ فجأة على فراغ.
تقول العبارة: (السيد النقيب الموقر الأستاذ عبدالمحسن سلامة والذي أكن له كل التقدير والاحترام، إلا أن موقفه من الأزمة الخاصة بي هالني بالصدمة الشديدة، حيث اتصلت به على "الموبايل" الشخصي له، ليلة التحقيق، عديد من المرات لتذكرته والتأكيد وإخباره - إذا لم يكن لديه علم - بجلسة التحقيق، إلا أن النقيب لم يرد نهائيا على الاتصالات، فأرسلت له رساله نصية على الهاتف - مخزنة لدي ومحتفظ بها - عن ضرورة الرد لوجود جلسة تحقيق في نيابة أمن الدولة، إلا أنه تجاهل الرسالة).
(6)
الخدش في نفسه أوقع، والتندر بقضيته أقسى، وأفجع.
انشغل الصحفيون – أغلبهم - بمغازلة الزميل بعبارات ساخرة مصحوبة بالإشارة إليه، حتى اتخمت صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي - فيس بوك - بتدوينات لا قبل له بها، وهو ليس بدعًا – استثناءً - من زملاء يقبعون خلف أسوار السجون، لا يذكرهم أحد، إلا بعبارات التذكير الجمعي الخاضعة لأجواء المناسبات قصيرة الذاكرة.
يستكمل الزميل روايته: (وجب التنويه لسيادته بشكل خاص، ومجلس نقابة الصحفيين الموقر، والزملاء الصحفيين بشكل عام، لتدارك الأزمة وتبعياتها في الأيام القادمة لإزالة الصورة السلبية التي كونت لدي، ولدى عدد من الزملاء تجاه النقيب بشكل خاص، حول التعامل مع أزمات الصحفيين، وتصحيح الصورة بما يلزم من تحركات على كافة الأصعدة المختلفة).
(7)
من خدشوا (رونق) طارق حافظ بتجاهله، مطالبون بإزالة آثار الخدش.
(8)
الزميل المتهم تلقى التحية من المحقق، ونقلها في روايته على النحو الآتي: (خلال التحقيقات قال لي المحقق نصًا: "إحنا والمجلس بنحييك وبنقدر ده على رأسنا لكشفك موضوع ضابط التعذيب المعين في دفعة النيابة العامة الأخيرة وهو أمر حقيقي"، وقد أثبت ذلك بمحضر التحقيقات الرسمية التي تمت، بخلاف تقديمي لحافظة مستندات بالأمر).
منذ متى يتلقى متهم بالخدش تحية على فعله، وقد جرت العادة على أن الخدوش محض تشوهات بائنة على السطح ؟!
(9)
والصحافة على تاريخها تستعمل ألفاظًا مجازية، بلاغية، متعارف عليها، دون مزايدة على أحد.
المزايدون معروفون، وليس هناك ما يدفع إلى تفريع القضية على أهميتها، نحو تراشق لفظي مع القضاء، يضع غشاوة بصرية على حقائق مثبتة بالوثائق، وتداعياتها على ساحة العدالة، والتي بنظرة هادئة يفيدها ما نشره الزميل، دون أثر لضرر.
من خدشوا (رونق) طارق حافظ بتجاهله، مطالبون بإزالة آثار الخدش.
(10)
لا - طارق حافظ - كاره لأبناء القضاة، ولا الصحفيون كارهون، لكننا بالطبع كارهين لازدواج المعايير في وظيفة كهذه.
ولسنا في حاجة لاستدعاء ذاكرة انتقائية تضعنا على حافة قول القائل (من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون، والكارهون، ممن يرفض تعيينهم، وسيخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تكون قوة في مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها).
يحتفظ هذا الزحف بقداسته حين يضمن الجميع فرصًا متكافئة في محراب العدالة، كرونق نزيه لا يراد له الخدش إطلاقًا.
(11)
إلى حين تظل قناعتنا في أن أقوى متضامن مع الزميل هو مستنده، إذا خذله سنده.
وبين التحقيق (الصحفي)، ونظيره (القضائي) رتوش لا ترقى مطلقًا لتوصيفها بـ "الخدوش".
أما العدالة فهي قيمة لها بهاؤها، ليس لأحد أن يمس رونقها، أو يخرق زورقها.