رئيس التحرير: عادل صبري 12:40 صباحاً | الأحد 15 يونيو 2025 م | 18 ذو الحجة 1446 هـ | الـقـاهـره °

خاشقجي والدخيل.. وأحفاد جوبلز

خاشقجي والدخيل.. وأحفاد جوبلز
10 مارس 2015

خاشقجي والدخيل.. وأحفاد جوبلز

أحمد تايلور

خاشقجي والدخيل.. وأحفاد جوبلز

"صفعة سعودية على وجه السيسي"، "السعودية تتراجع عن دعمها للسيسي"، "السعودية ومصر.. وبداية الجفاف المتبادل"، "لماذا أدار سلمان ظهره للسيسي"، "نهاية شهر العسل بين مصر والسعودية"، "هل تبتسم الحياة للإخوان مجددًا"، "هل تعلن السعودية الحرب على السيسي".

 

كل ما سبق عناوين جذابة تستقطب القاريء المهتم بالشأن العام، وتغري صاحب أي قلم لتفضيلها على غيرها من العناوين التقليدية غير الجذابة، فلماذا لم أختر أي منها؟!

 

ببساطة، الأمور "الجادة" لا يصلح معها إلا التناول "الجاد"، فالجماعة الإعلامية في مصر أصابها هوس الأمن وفوضى التخوين وفيروس التضليل ومرض الأحادية المطلقة، والأمر لا يحتمل مزيدًا من العبث، أو بالأحرى، الناس أهم من أن يُتركوا لمخبرين وأمنجية.

 

ماذا حدث؟

"في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم.. هناك مصالح دائمة" - ونستون تشرشل

 

المعنيون بتشكيل الرأي العام في مصر لا يقيمون وزنًا لأي من هذه المقولات الجوهرية التي تعد مدخلًا أصيلًا لصياغة العلاقات بين الدول، لا إشكالية لديهم في تكرار وصف حاكم دولة أخرى بـ "حكيم العرب" لمجرد أن نصف جاهل قُدر له أن يحكم مصر، قال ذلك صراحة في إحدى لقاءاته الإعلامية كي "يحلل" المليارات التي تدفقت عليه بعد 3 يوليو، و"عليه" هنا وصف دقيق جدًا.. لأننا لا نعلم على وجه الدقة كيف استفادت مصر من هذه المليارات، وما هو العائد على دولة "س" من تغيير حاكم أو تثبيت آخر في دولة "ص"؟

 

المعنيون بتشكيل الرأي العام في مصر لا يأخذون في اعتبارهم أن الدول تجمعها مصالح وتفرقها مصالح، لذلك نحن لا نخطيء عندما نقول أنهم يتعاملون مع أفراد الشعب المصري على أنهم مجموعة من "الدواب" لا عقل لهم ولا ذاكرة، هم الذين أفرطوا في مدح دولة أخرى إلى درجة التقديس، ثم هجوها بعد عدة أشهر، إلى الحد الذي وصل إلى التهديد بالعبث بأمنها القومي، الذي قال عنه زعيمهم أنه "أمن مصر القومي" الذي يستدعي بالضرورة "مسافة السكة".

 

هؤلاء لم ولن يفهموا أنه لم يكن هناك من الأصل شهر عسل بين السعودية ومصر حتى ينتهي، فالسعودية التي حاربت مصر "عبدالناصر" في الستينيات هي نفسها السعودية التي دعمت مصر "السيسي" للانقلاب على أول رئيس جمهورية منتخب، وهي ذاتها السعودية التي عملت على إجهاض مصر "يناير".. ومن الممكن أن تخطط مستقبلا لإجهاض مصر "السيسي"، وفك شفرة كل ما سبق في كلمة واحدة "المصالح".

 

قد يزعج كثيرون أن ينهار حلم طالما عقدوا آمالهم عليه.. إلا أنهم سيتداركون الأمر عندما يكتشفون أنه لم يكن حلمًا من الأساس!.

 

خاشقجي :

جمال خاشقجي، كاتب سعودي، نعرفه في مصر بأنه "مقرب" من دوائر صنع القرار بالمملكة العربية السعودية، كتب مؤخرًا عدة مقالات أبرز فيها أهم ملامح التوجه السعودي الجديد المستجيب لعدد من التحديات في المنطقة.

 

يمكن إجمال أهم هذه الأفكار في عدة نقاط..

 

- الإصرار على إقصاء جماعات بعينها من المعادلات السياسية أدى لتفاقم الأزمات في المنطقة.

- التعاون السعودي - التركي ضروري للمواجهة المقبلة، وهو في مصلحة مصر الدولة والوطن.

- "الإخوان" مجرد طرف بين أطراف، يجب النظر إلى حجمهم الطبيعي من دون مبالغة ولا تقليل "يفوزون في انتخابات ويخسرون في أخرى، لا أكثر ولا أقل".

- الأوطان واستقرارها أهم من أي فصيل.

- الديمقراطية، وإن كانت عرجاء، فالبديل عنها هو حرب قبيحة.

- هوس اقصاء الإخوان استفاد منه "داعش".

- الإعلام تخلى عن كل قيم المهنية  وتحول إلى إعلام حملاتي يقسم المجتمع ويشكّك الأخ في أخيه.

- الإعلام في المرحلة السابقة لم يخدم القضايا الكلية للأمة، بل فرّق أكثر مما جمع.

- حان الوقت لوقف حفلة إعلام الحملات السياسية وأن نستبدله بإعلام "حقيقي".

- تتغير سياسات الدول بتغيّر قادتها أو تغيّر الظروف أو دخول سياستها في طريق مسدود.. كل هذا حصل للسياسة الخارجية السعودية.

- السياسات السابقة، سعودية كانت أم أميركية، فشلت في وقف الانهيار في المنطقة، بل إن هناك دولاً عربية توشك أن تنضم الى قائمة الدول الفاشلة، ما يستدعي البحث وتطوير سياسة جديدة.

- يجب أن تعود السعودية إلى "السياسة الاحتوائية"، التي تميزت بها خلال عقود مضت، ونجحت بها في غير أزمة، وخير ما يشرح هذه السياسة هو "اتفاق الطائف" عام 1989، والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، حين جمعت الديبلوماسية السعودية الهادئة جميع الأفرقاء اللبنانيين.

- نحتاج إلى سياسة احتوائية لا إقصائية، وإعلاء قيم حقوق الإنسان وتشجيع على المشاركة.

رابط مقالات خاشقجي في "الحياة"

 

"انتخابات – ديمقراطية – احتواء – وطن – مصالح – أمن قومي – إعلام حقيقي – دولة..".

 

تبدو المصطلحات والمفردات التي استخدمها "خاشقجي" في مقالاته الأخيرة، المنشورة بصحيفة الحياة اللندنية، تهم في نظر أحفاد جوبلز في الإعلام المصري، مفردات "خاشقجي" لن يفهمها مخبرون لا يعرفوا عن الوطن سوى مكالمة هاتفية موجهة تأتي من "الباشا"، هذا هو الوطن.. وما عدا ذلك "شكليات".

 

فلاتر آلة الدعاية "السيسية" - التي ابتدعها أحفاد جوبلز "صاحب آلة الدعايا النازية" – لا تحتمل مثل هذه الكلمات التي تحض على العيش المشترك وتقاوم أفكار الفاشية.

 

الأكثر من ذلك، معظم هذه النقاط يمكن أن يحاكم عليها خاشقجي بتهمة الترويج لتمكين جماعة إرهابية، ولو كان خاشقجي مصريًا لرفع عليه أحد محامي "أمن الدولة" قضية – ستحقق فيها الجهات المختصة في 24 ساعة – تطالب بمعاملته طبقًا لقانون الكيانات الإرهابية، الذي أصدره "هاتك بالقانون".

 

نعم.. رسائل خاشقجي تجعله إرهابيًا في نظر المخابيل والمهاوييس الذين يديرون مصر سياسيًا وإعلاميًا وفكريًا، والذي ذهب أحدهم إلى السخرية من الرجل متسائلاً باستنكار "كيف يمكن أن يصبح الفرد مفكرًا وسعوديًا في الوقت ذاته؟".

 

بالمناسبة، ثمة افتراض خاطيء وعبثي حاول كثيرون طرحه باعتباره مسلمة يفضي بأن خطاب الهوس الإعلامي منفصل عن الرؤية السياسية الرسمية لدولة الجنرالات، وهذا محض هراء لا يستحق المناقشة.

 

الدخيل :

تعريف خاشقجي، أعلاه، يندرج على تعريف خالد الدخيل الكاتب السعودي الشهير.

 

يمكن إجمال أفكار الدخيل، في مقالاته الأخيرة، المنشورة بصحيفة الحياة اللندنية، في عدة نقاط:

 

- انتقد "الدخيل" فكرة إنشاء قوات عربية مشتركة، الذي طرحها عبدالفتاح السيسي، مؤكدًا على أن أفكاره بشأن الوضع في سوريا وليبيا متناقضة.

- يقول الدخيل صراحة "مجاملة إيران لحسابات غير واضحة لن تساعد في تحقيق الحل الذي يتطلع إليه الرئيس المصري".

- يتساءل الدخيل: "هل يمكن أن السيسي لا يرى إمكان حل سياسي في سورية، وإنما يريد شراء الوقت بمثل هذا المقترح؟".

- يقول الدخيل: "تغيب عن فكرة الحل السياسي في سوريا التي طرحها الرئيس المصري مسألتان مهمتان: الأولى أن النظام السوري عائلي طائفي مغلق، يستند إلى مبدأ مغلق لتحالف الأقليات داخل سورية وعلى مستوى المنطقة، المسألة الثانية أن إيران باتت شريكة في أمر البت بقبول هذا الحل أو رفضه، ولأن النظام معزول عربيًا ودوليًا لم يعد البت في هذا الموضوع حقًا حصريًا له".

- يتسائل الدخيل: "هل يدرك الرئيس السيسي حجم الاستثمار السياسي والمالي والعسكري والبشري الذي وضعته إيران في سورية؟ هل هو متأكد من أن إيران ستقبل بحل سياسي ينتهي في الأخير، على رغم كل ذلك، إلى إخراجها من سورية؟ ثم هل يقبل النظام السوري بفكرة حل يكفل مصالح الجميع بعد أن رفضه منذ أكثر من أربع سنوات؟

- "أظن أن الإرهاب الشيعي لم يرد في ذهن الرئيس المصري، فكل أحاديثه تنصب على إرهاب سيناء و داعش، والوضع الليبي".

- "يريد البعض في مصر أن يكون الدعم السعودي على شكل هبة أو منحة ملكية مفتوحة، أو شيك على بياض، كما يقال. لا ينبغي للسعودية أن تتقارب مع تركيا، مثلاً، لأنها تتعاطف مع الإخوان. وفي هذا تجاهل لبديهة أن علاقات الدول لا تقوم على مثل هذه الرؤية، لأنها عاطفية وليست سياسية".

- "الرؤية السياسية الأكثر عقلانية أن علاقات السعودية ومصر لا يجب أن تكون مرتهنة لا للموقف من الإخوان، ولا للموقف من تركيا".

رابط مقالات الدخيل في الحياة

الدخيل يوجه أسئلة للسيسي وينقد أفكاره.. وهذا في حد ذاته وباء عظيم لأحفاد جوبلز، فالإعلام الذي هاجم المعارضين "الكيوت" لمطالبتهم السيسي تقديم برنامج، لن يسمح لأي شخص بنقد أفكار الهاتك بالقانون.

 

تصريحان بينهما 52 عامًا

"جزمة كل شهيد أشرف من تاج الملك سعود"

جمال عبدالناصر – 23 ديسمبر 1962

"أشكر رجل العرب وحكيم العرب على ما قدمه لمصر".

السيسي – 6 مايو 2014

لن أنقد هنا مزاعم مقارنة عبدالناصر بالسيسي في الإعلام المصري، لكن الشاهد من استدعاء التصريحين هو التأكيد على مدخل "المصالح" للإجابة على سؤال "ماذا حدث؟".

 

أراد عبدالناصر تصدير الفكر الجمهوري "ولا أقول الثوري"، فاصطدمت طموحاته بالسعودية التي دعمت الملكيين في مواجهة الجمهوريين بعد نشوب ثورة اليمن في 1962، على العكس من ذلك، تلاقت أهداف قائد الثورة المضادة في مصر والنظام الملكي في السعودية حول ضرورة تصفية ثورات الربيع العربي وفي القلب منها ثورة يناير 2011، لما تطرحه بقيمها من تهديدات مباشرة على مستقبل الأنظمة العربية الحاكمة.

 

لو كانت للسعودية رؤية غير محافظة تجاه الثورة المصرية، وهو ما لا يمكن حدوثه لأسباب هيكلية وبنيوية تتعلق بطبيعة الحكم في السعودية، لتحول الدعم اللوجستي والدبلوماسي والسياسي والمالي للثورة ضد قائد الثورة المضادة في مصر.

هذه هي السياسة في نهاية الأمر.

 

أحفاد جوبلز "نسخة التاتش المصري"

حفيد جوبلز التافه، "والتافه هنا تعود على الحفيد"، يهدد السعودية بالتقارب مع إيران إذا لم تكف عن إقامة علاقات مع تركيا، بلطجة "علني" تمارسها أجهزة المخابرات عبر "بغبغاناتها الناطقة" في وسائل الإعلام.

 

في الأزمة المصرية الأثيوبية "القديمة - الجديدة" بشأن حصة مصر من نهر النيل، قال أحد الضيوف الدائمين على برامج التوك شو "احنا هنروح نقطع هدومهم هناك"، هكذا على عينك يا تاجر.

 

المشكلة ليست في توجهات السعودية التي عرضها خاشجقي أو الدخيل، المشكلة في "الغجرية" الذين يديرون بلد بحجم مصر، والبغبغانات التي تملأ ساحات الإعلام.

 

حتى الآن لم تدير السعودية ظهرها لمصر "السيسي"، لكن ثمة تغير في أسلوب وطبيعة الدعم المتوقع، وما يجب أن يفهمه إعلام الشئون المعنوية أن السعودية لن تستطيع أن تتجاهل المخاطر والتحديات التي تهدد أمنها القومي من أجل حفنة "شحاتين" كل ما يعرفونه عن الوطن "حباية الترامادول".

 

أما "المعذبين في الأرض" لا يزال لديهم مخرج آخر غير الانتحار الجماعي، ما عليك إلا أن تعقد الأمر وتركبه وتربكه.. تنهك خصمك الذي يحارب ثورتك، تفتح عليه جبهات عديدة، تخنق التفضيلات والبدائل والخيارات من حوله، تهدده في أمنه القومي ثم اجلس وشاهد.

 

حساب الكاتب على "فيس بوك"

https://www.facebook.com/ahmd.taylor

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية