لماذا يريد المصريون الهجرة إلى ليبرلاند؟
أحمد تايلور
لماذا يريد المصريون الهجرة إلى ليبرلاند؟
(1)
"لأنهم يعيشون في مصر".
يمكن أن تنتهي المقالة عند هذا الحد، فالإجابة تبدو مختصرة وبسيطة ومباشرة لكن قليل من التفصيل لا يضر.
(2)
ما حكاية ليبرلاند؟
أثارت ليبرلاند اهتمام المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار خبر يفيد بأن فيت جيدليكا العضو بأحد الأحزاب التشيكية نصب نفسه رئيسًا على الدولة الجديدة التي تقع على نهر الدانوب وتبلغ مساحتها 7 كيلومترات.
وما نعلمه عن جمهورية ليبرلاند الحرة أو "ليبرلاند" أنها تشكلت بفعل الصراع الحدودي القائم بين كرواتيا وصربيا، والممتدة بطول الضفة الغربية للنهر.
"ليبرلاند" ترفع شعارًا عامًا أمام "مواطنيها" وهو "عش ودع الآخرين يعيشون"، حيث لا يخضع المواطنون فيها للتصنيف وفقا للجنس أو الدين أو العرق.
(3)
"ليبرلاند يا دولة.. لو لم أكن ليبرلانديا لوددت أن أكون ليبرلانديا.. متقولش إيه إديتنا ليبرلاند.. أنا ليبرلاندي وأبويا ليبرلاندي وكل ليبرلاند الله عليه".
فضحت تعليقات المصريين على أنباء الدولة الوليدة أساطير الزيف الممنهج عن الانتماء التي تعج بها ساحات الثقافة والإعلام والفضاء العام، يصرخ المصريون ولو حتى بالكوميديا من أجل وطن. وطن يا ناس.
(4)
1. احترام الآخرين وآرائهم على اختلاف أصولهم وأعراقهم ودياناتهم.
2. احترام الملكية الخاصة وعدم المساس بها.
3. ألا يكون له تاريخ نازي أو شيوعي أو تبنى في الماضي أي فكر متطرف.
4. لم يعاقب أو يصدر ضده أحكام بشأن جرائم ارتكبها في الماضي.
هذه شروط الحصول على المواطنة الليبرلاندية، طبقًا لموقع ليبرلاند الإلكتروني..
كما طلب موقع الدولة الجديدة ممن تتوافر لديه الشروط ويرغب في التقدم للحصول على حق المواطنة ملء استمارة الطلب المتاحة عليه.
لاحظ أن "مدام سميرة" في شئون الطلبة أو "مدام سهام" في الشهر العقاري أو "مدام حسنية" في شئون الخريجين لن تتكرمن بإضافة الختم على طلب المواطنة، وهذه نعمة يعلمها المصريون جيدًا.
(5)
لم نعرف عن الدولة الجديدة سوى شروط الانتماء إليها، لا تفاصيل، لا دستور، لا قوانين، الشروط السابقة يبدو أنها كافية في نظرهم لإبداء الرغبة في الهجرة.
فما الذي تتمتع به ليبرلاند ولا يجده المصريون في بلدهم؟
يبدو السؤال سطحي، وهو كذلك، فالبلد التي تنبعث منها رائحة التمييز على أسس عديدة وتشويه الآخرين في كل المجالات وعلى كل الأصعدة، طبيعي جدًا أن يشعر من يعيش فيها بالحنين التلقائي إلى أي مكان لا يجرم فحسب التمييز بين البشر بل يعتبر احترام الآخرين شرط رئيسي لاكتساب الجنسية.
مش بقولكم "ليبرلاند هي أمي"!
(6)
فضحت ليبرلاند أساطير "مشربتش من نيلها"، "متقولش إيه إديتنا مصر"، "بلد أبويا وجد جدي"، "أم الدنيا"... الخ.
موقع الدولة الوليدة وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على عطش المصريين لـ "الوطن"، فما عرفناه عنه صوت جهور لجنرال موتور، وشعارات زائفة لمثقف تافه أو تنويري زائف، ولقمة لا تشبع جوع الفقراء، وراقصة على جثته.. وهذه أشياء لا تبني أوطان.
(7)
تلقت ليبرلاند أكثر من 40 ألف طلب هجرة من مختلف بلدان العالم في يوم واحد.. فما الذي يجمع 40 ألف فرد مختلفين في اللغة والتاريخ والهوية؟
الإجابة: ليبرلاندا.
(8)
الدولة الوليدة لن تسمح بأن تتضخم كروش الجنرالات في مواجهة الملايين، ولن يسمح مواطنوها بالعبث بمستقبلهم وقتلهم حفاظًا على الأمن القومي الليبرلاندي، ولن يخرج عليهم الصحفي الكبير هيكل الليبرالند مستعرضًا أساطيره حول الزعيم الملهم والقائد المنتظر.
إذا تعثر المواطن الليبرلاندي يومًا ما واحتاج بلده لإنقاذه، لن يخبره أحدهم بأنهم لا يتحركون إلا لإنقاذ الأجانب فقط، ولن يصبح الجيش الهندي هو باب العبور الوحيد.
لن يحكم القاضي الليبرلاندي ببراءة هذا أو إعدام ذاك إلا بشواهد حقيقية تعكس حقائق المنطق قبل القانون،و لن يسجل على هاتفه رقمًا بعنوان "ثورة مضادة" أو "شفيق مهمة"!
لن يبيع المثقف الليبرلاندي الوهم للناس محدثهم عن الانتماء الزائف، ومروجًا لحكاوي الجنرال السخيفة.
لن تكذب السيدة لميس الليبرلاندية 25 مرة في الدقيقة.
في ليبرلاند لن تجد تنويري يزعم محاربة الجهل وهو يقف في أول صفوفه خلف جنرال موتور متعطش للدماء، يفند خطايا التراث في استسهال قتل الآخرين وهو أول المصفقين لإرداقة دمائهم على أنغام "تسلم الأيادي".
من الصعب أن يخطب رئيس ليبرلاند في الناس بكل صفاقة وتبجح ويطالبهم بالكف عن الأكل والشرب كي ينعم هو وثلة من المجرمين.
لن يحتاج إلى إخبار الناس بأن "ليبرلاند يعني حضن"، لأن الحُضن يشعر به ولا يُتحدث عنه.
لن يكون مسؤولًا عن أخلاق المواطنين ولا سلوكياتهم ولا دينهم، لأنه يعلم جيدًا ما الذي تقتضيه ضرورات المنصب، يبدو أن ليبرلاند لن يحكمها "نصاب"!
(9)
يبحث المصريون عن وطن لا عن طنطنة وشعارات فارغة، صرخاتهم الجادة منها والكوميدي يمكن تجميعها في عنوان واحد : "عقد اجتماعي".
نعم نريد عقدًا اجتماعيًا منزوع الجهات السيادية، قانون يطبق على الجميع، علاقات مجتمعية متفق عليها، حقوق وواجبات، الشرعية هي شرعية الناس، الأمن القومي للدولة هو أمن الإنسان.
إلى أن يحدث ذلك لن نمل من مطالبة جوقة المطبلاتية وحاملي الصاجات بإخراس ألسنتهم التي لا تكف عن اتهام الحالمين بوطن بأبشع أوصاف العمالة والخيانة، تذكروا فقط أن جلباب أبينا ضاق علينا، ولا نعرف على وجه الدقة في أي جلباب سنعيش.
