من قتل وائل طاحون؟
أحمد تايلور
من قتل وائل طاحون؟
"إن النصر الناتج عن العنف مساو للهزيمة، إذ أنه سريع الانقضاء".. المهاتما غاندي
لو أن ساكني قصر الاتحادية - الذين يفتخرون دومًا بأنهم دخلوه بإرادة شعبية وبعد مظاهرات تاريخية - اقتطعوا جزءًا من وقتهم في إعداد التشريعات المنتهكة لحقوق الناس وحرياتهم الأساسية لصالح قراءة إحدى أدبيات العنف، لما زيل مقتل أحد الضباط شريط الأخبار أسفل شاشة التلفاز، لكن هذا عهدنا بهم.
***
العقيد وائل طاحون هو مفتش الأمن العام بإدارة البحث الجنائي ورئيس مباحث قسم المطرية السابق، اغتيل بطلقات مجهولين أثناء خروجه من منزله بحى النعام بالمطرية، مساء أول أمس الثلاثاء.
وبحسب شهود عيان، فإنهم وجدوا جثتي "طاحون" وسائقه وهي غارقة في الدماء بعد ربع ساعة أطلق المجهولون فيها كثر من 30 طلقة نارية أدت إلى وفاة طاحون والمجند سائقه.
هذا ما عرفناه عن الواقعة من وسائل الإعلام، أو هذا ما أُريد لنا أن نعرفه.
****
أحقر ما في الحروب الأهلية أن لا أحد يسمعك حين تطلق صيحة (أوقفوا القتل).. مريد البرغوثي
منذ عدة أشهر والمهتمون بالشأن العام في مصر بح صوتهم إزاء عمليات العنف الممنهجة داخل السجون ومقرات الاحتجاز، مئات الوقائع وثقتها المراكز والمنظمات الحقوقية، عشرات التحقيقات الصحفية الموثقة بالصورة والفيديو، قتل.. قطع أعضاء من الجسد.. اغتصاب، حدث ذلك في أكثر من مقر احتجاز، ولكن لقسم المطرية لمسة خاصة يعلمها المصريون جيدًا.
مريد على صواب بمقاييس زمنه، ولو أن الأمر لم يتجاوز مجرد التجاهل لما توقفت صيحاتنا، إلا أن الهجمة المسعورة على المعارضين والمخالفين في الرأي تخطت أعراف المقبول وغير المقبول.
****
ما بين شيطنة طاحون وصبغه بالملائكيةذهب كثيرون، لكن يظل السؤال: من قتل وائل طاحون؟
هل قتله من صرح وسط مجموعة من الضباط بأنهم يستطيعواضرب المتظاهرين بالرصاص الحي وفقأ أعينهم دون أن يتعرضوا لمساءلة، ولمزيد من الإطمئنان أخبرهم بأن المتظاهرين أنفسهم يعلموا ذلك؟
هل قتلته الأصوات المسعورة التي سممت عقول الناس بحملات الأكاذيب والتشويه الممنهجةضد المخالفين في الرأي والمعارضين؟
هل قتلته دوائر العنف المضاد التي انتظرت عدالة المحاكم إزاء سلخانة قسم المطرية دون جدوى؟
هل قتلته إدارة حريصة كل الحرص على مهاجمة الصحفيين عقب أي نقد لأداء الداخلية، أكثر من حرصها على تطبيق القوانين التي يقبع آلاف خلف السجون بتهمة انتهاكها؟
هل قتلته مؤسسات قدرتها على الاستسلام لرغبات فرد أهوج أكبر من مقاومتها لمخالفة القانون؟
هل قتلته أحزاب سياسية هشة لا تمارس دورها في المعارضة بقدر ما تمارس دورها في التعريض خلفالصفوف الأولى للسلطة؟
هل قتلته مجموعة من الموتورين والمخبولين، مندوبي الأجهزة الأمنية في وسائل الإعلام، والذين يمارسون تحريضًا علنيًا منذ أكثر من عام ونصف ضد كل من تسول له نفسه ويقول "لا"؟
هل قتلته نخبة مزيفة أدارت ظهرها لقضايا المجتمع الرئيسية ووجدت ضالتها في قضايا هامشية الغرض الأول من طرحها الهروب من مسوؤليتها ومهادنة السلطة.
هل قتله حملة المباخر وماسكي الصاجات الذين يتراقصون على نغمات حرق أفكار المعارضين لهم في الرأي والمعارضين أنفسهم؟
هل قتله كثير من رجال وعلماء الدين الذين يطبقون مبدأ "غض البصر"فقط إذا تعلق الأمر بقولة حق في وجه سلطان جائر؟
هل قتله قانون باطش، وسلطة تشريعية يمتلكها فرد واحد، يقرر بها يوميًا مصير أمة ؟
هل قتلته المحاكم التي برأت القتلة والمجرمين، وأعطت ظهرها للعدالة، ومارست أبشع الرذائل في حق المخالفين للسلطة؟
****
ماذا كانت تتوقع كل هذه الدوائر إزاء خنق المجتمع وممارسة كافة أشكال استئصال بعض مكوناته، وإغلاق منافذ رد الحقوق في وجهه، ومحاصرة المجال العام بشكل فج؟
إلى أي مدى سيرتكن من في الحكم إلى إقناع الناس بأن قتلهم في سبيل الحفاظ على الأمن القومي خير للمجتمع من هلاكه، هذه الأكذوبة التي لا تنطلي على عاقل كانت لها وجاهتها عندما كان سكان القصر لا يولوا قبلتهم تجاه تل أبيب، أما وإن "زيتهم بقى في دقيقهم" فالأمر انتهى، والحديث عن المؤامرة وحروب الجيل الرابع محض هراء من سلطة لا تمتلك إلا روايات هشة ومضحكة لتفسير ما حدث وما يحدث.
****
متى يلجأ الإنسان إلى طرق غير قانونية لاسترداد حقه؟ بصياغة أخرى، متى يشعر الإنسان بجدية الرغبة في العودة إلى حالة الطبيعة الأولى؟
كلنا يعلم إجابة السؤال، وكل دوائر انتهاك الحقوق والحريات في مصر تعلم متى وكيف..
عندما تتحول ساحات المحاكم ومرافق العدالة إلى باحات أخرى تعتبر امتدادًا لانتهاكات أقسام الشرطة، يعذب فيها المتهم لا بالكهرباء، لكن بالحكم الجائر.
****
منذ أيام تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذا المشهد..
مواطن يشتكي للقاضي قيام أجهزة الأمن باغتصاب زوجته أمام عينيه بعد فشلهم في نزع اعترافات منه بطرق التعذيب التقليدية، فما كان من القاضي إلا أن تجاهل صيحات أحد المتهمين في قضية ستاد الدفاع الجوي "التي قتلت خلالها قوات الأمن المركزي ما لا يقل عن 22من مشجعي نادي الزمالك"، وكأنه يتجاهل الاستماع إلى أغنية لم تطرب آذانه!
نحن لسنا في حاجة إلى إعادة النظر في البديهيات، الظلم الممنهج الذي يتعرض له الإنسان المصري ( هي صعبة إنك تبقى انسان ومصري في نفس الوقت بس مشوها كدا ) يدفعه دفعًا إلى تبني العنف ضد الذات ( في حالة عدم مقدرته على إحداث ضرر بالذين انتهكوا كرامته ) وضد الآخرين .. وإذا ما تصورنا أن تنظيما كاملا أو فصيلا يعاني من اضطهاط فلن يصبح أبدًا العنف ضد الذات هو الخيار الأمثل.
هذه حقيقة لا تقبل بالجدال، وأخشى أن يعتمد البعض على إيمان المعذبين في الأرض، فالظلم لا يبقي على إيمان، هذه مسألة نفسية .. فالإنسان السوي لن يستطيع إعادة دمج نفسه في المجتمع إلا بعد الحصول على حقه.
أخشى وأشفق في نفس الوقت على هؤلاء الذين لن يكتفوا بترديد "حسبي الله ونعم الوكيل" بعد كل مظلمة، على هؤلاء الذين لن ينتظروا أن يروا قدرة الله فيمن تجاوزا في حقوقهم وكرامتهم، على هؤلاء الذين لا يروا الخلاص إلا في "درع وسيف".
روابط ذات صلة بانتهاكات قسم المطرية..
بالفيديو والصور.. جثث قسم المطرية.. لسان مقطوع وعين مفقوءة وظفر مخلوع
وفاة محام بعد احتجازه في قسم المطرية
نص تحقيقات «تعذيب محامى المطرية»: «آه..آه..خلاص هاعترف يا باشا»
