
صوت وموت، وشعر ونثر، وثورة وأنظمة..
عبدالله أمين الحلاق
صوت وموت، وشعر ونثر، وثورة وأنظمة..
قُتل قائد لواء أحرار الشام حسان عبود والملقب بأبو عبدالله الحموي، في تفجير طال مقراً كان يجتمع فيه مع عدد من قادة اللواء في إحدى قرى الشمال السوري، وأدى ذلك إلى مقتل الكثيرين من قادة اللواء معه. وتحدثت مصادر إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي أن العملية تمت بتفجير انتحاري استهدف مكان الاجتماع، بينما قالت مصادر أخرى أنهم قتلوا اختناقاً بالغازات السامة، في إشارة إلى احتمال أن يكون الهجوم قد تم بالسلاح الكيميائي.
وبغض النظر عن الطريقة التي قتل بها هؤلاء، فإن أكثر الجهات التي قد تبدو مسؤولة عن عملية اغتيال كبيرة كهذه هي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ويأتي اتهامها على قدم المساواة مع اتهام النظام السوري بالوقوف وراء التفجير.إن اتهام الدولة الإسلامية بالعملية يأتي استناداً إلى احتمال أن يكون عبود واللواء الذي يقوده، مرشحَين إلى جانب ألوية الجبهة الإسلامية الأخرى لأن يكونوا متن العمل العسكري المنتظر ضد "داعش"، لناحية وجودهم كمقاتلين على الأرض، وفقاً لإشارات أرسلها مسؤولون أمريكيون تحدثوا عن العمل العسكري والضربات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، من دون ان يكون للقوات الامريكية أي مقاتل على الأرض، إذ سيتم الاعتماد على "مقاتلين محليين من المعارضة المعتدلة".
هذا على سبيل نقل المواقف والرؤى الامريكية، وليس للقول أن لواء أحرار الشام او أي فصيل من الجبهة الإسلامية هو "معارضة معتدلة"، وإن يكن الامريكان قد رأوه كذلك، لا بل إن المواقف الامريكية غير الحاسمة والسلبية في الشأن السوري قد تدفع البعض إلى أن يبني مواقفه الصحيحة بناء ًعلى عكس ما تقوله الإدارة الامريكية، في حال كان توصيفها للجبهة الإسلامية كــ "معارضة معتدلة". فكيف والواقع، وليس الرأي والعاطفة، هو الذي يقول بعكس ما تقوله هذه الإدارة العتيدة! وهل وصلنا إلى مرحلة بات علينا فيها أن نعيد المقولة الشهيرة لجمال عبد الناصر : "نحن نعرف أننا على صواب عندما تنتقدنا امريكا!".
وخارج كل تلك السياقات الغارقة في الحسابات الاستراتيجية وتقاسم النفوذ في المنطقة وسوريا، للأمريكان والنظام السوري والغرب ودول الجوار، وبين فكي كماشة الموت التي تطبق على أعناق السوريين حيثما كانوا وتوزعوا ووجدوا، وإن يكونوا في بلدان اللجوء المجاورة، وكائنة ما كانت قناعاتهم ورؤيتهم وموقفهم مما يحدث في البلاد ومن كل طرف من الاطراف المتصارعة، وعلى رأسها نظام آل الأسد، يقف الفيسبوك السوري طوداً شامخاً و"سراجاً منيراً لتعليم السوريين"، وربما العالم بأسره، أصول "المواقف الأخلاقية" من كل موت يحدث، خاصة إن أخذ هذا الموت حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام. ينطبق ذلك على الحس الوجداني الذي هطل على فسابكة سوريا ومعظم ناشطيها لدى انتشار خبر مقتل حسان عبود، دون مفاجأة، ذاك أن المفاجأة كانت لدى مقتل العسكري يحيى عدنان الشغري في مطار الطبقة في عملية إعدام كبيرة نفذتها داعش ضد عسكر المطار.
والحال، أن الموت مسألة توحد البشر جميعاً على أن لا موقف أمامها سوى الصمت والتامل وكتمان المواقف السابقة إلا فيما ندر، كائناً من كان المقتول، ومهما كانت دوافعه أو درجة إنسانيته أو عدمها، وإن كان مجبراً على أن يكون في موقع المقاتل مع النظام أو كان ذلك بإرادته وقناعته في ضرورة قتل أبناء بلده، خاصة أن المواقف التي برزت بعد مقتل عسكر النظام ومنهم الشغري بدت، بحكم الأشخاص "المعارضين" الذين بكوا وتباكوا على العسكري المقتول وتموضعهم، أقرب إلى زجليات وحكايات الجدّات قبل النوم بعد اكثر من 250 ألف قتيل في سوريا، جلّهم قتلهم النظام السوري.
هذا ليس للقول أن المرء يجب أن يسعد لمقتل أحد عسكر النظام وخاصة من المجندين أو ذوي الرتب المتدنية، والكل يعرف أن بعض هؤلاء لا يملكون من قرارهم شيئاً، وإنما لأن "الإنسانية الكيدية" بدأت تنتشر تخويناً لكل من لا يبكي على الشغري. هكذا يمسي معارضون للنظام هم الذين قتلوا الشغري جنباً إلى جنب مع داعش التي قتلته. وبذات الدرجة من الحس الإنساني المرهف يكثر الشعراء والستاتوسات "العفيفة" على الفيسبوك، بكاء على حسان عبود الذي لم يفصل بينه وبين فكر القاعدة أو منهج الدولة الإسلامية سوى تفاصيل صغيرة ليس الوحيد من بينها عدم استعمل الجبهة الإسلامية وألويتها السكاكين والسواطير في تصفية الخصوم أو المحايدين... أمام الكاميرات.
لا شماتة في الموت، وهذا أمر متفق عليه. لكن، ربما كان يفضل أن نترك الضحايا يموتون بصمت من دون توظيف الموت وادعاء الطهرانية والترفع في يومياته. الفرق كبير بين الصمت احتراماً للميت وبين زجه زجاً في ثورة لا ناقة له ولا جمل فيها، كما فعل بعض الكتّاب والصحفيين والفسابكة مع حسان عبود الذي لم يعرف من الثورة إلا إقصاء علمها وأفكارها لصالح علمه وراية لا إله إلا الله.
وبناء عليه، ما كان علينا أن نغادر الصمت والتأمل اليائس في أرقام الموت السورية، كائناً من كان الميت، لولا أن كتابات شعراء الألفية الثالثة على فايسبوك قد حرضونا على الكلام في هذا المقام، بانتظار حفلة تخوين جديدة.