
عن نيران "اللقاحات الصديقة" وارتداداتها..
عبدالله أمين الحلاق
عن نيران "اللقاحات الصديقة" وارتداداتها..
في فضيحة مجلجلة هي الأكبر من نوعها، من دون أن يعني ذلك أنها الفضيحة الأولى في وزارات الحكومة السورية المؤقتة، توفي عدد من الأطفال من بينهم رضّع جراء تلقيهم لقاحاً لمرض الحصبة تبين أنه لقاح فاسد، بينما رقد أطفال آخرون في فراش المرض وفي حالة الخطر جراء تلقيحهم باللقاح ذاته.
توجهت أصابع اتهامات الصحافة والناشطين المعارضين والمهتمين بالشأن العام في سوريا إلى وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، باعتبارها هي المسؤولة عن توزيع هذه اللقاحات، فيما توجهت أصابع الحكومة إلى النظام، باعتبار أن المسؤول عن توزيع اللقاحات في داخل سوريا هو "صنيعة النظام".
والحال، أن هذه الحادثة وإلى جانب كونها مأساة إنسانية تضاف إلى سجل المآسي الإنسانية في سوريا، فإن رد فعل الحكومة التابعة لــ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" قد زاد الكارثة وفاقمها، ليبين حجم الإدقاع اللاحق بالثورة السورية جراء تمثيل هكذا طاقم سياسي لها.
يا للهول عندما ترمي الحكومة المؤقتة بالمسؤولية عن عاتقها، وتلقي بها على النظام السوري!
هذا ليس للقول بترفع النظام السوري عن قتل أطفال، كما أنه ليس للقول أن ما يُفترض انه البديل للنظام قد نجح في اختبار كونه متمايزاً عما لا يأنف النظام فعله، ولا هو أدنى تلميح إلى براءة النظام من قتل أطفال بشكل أكثر صخباً وضجيجاً في غالبية المناطق السورية، وإنما للتدليل على أن المسؤولين عن موت الاطفال لم يحاولوا أن يغنوا سجل النظام الغني أصلاً بهذه الممارسات، بقدر ما حاولوا ان يثبتوا أنهم الأعلَون، وأن أي خدش لرسالتهم في عليائها لهم سيكون النظام هو المسؤول عنه، وأن يعززوا فرضية تقول بأن أي خطأ "مقصود او غير مقصود، لا نعرف" هو "خطأ بسيط"، على ما حاول إعلان تشكيل لجنة تحقيق بالموضوع أن يوحي لنا ولأهالي الضحايا.
لكن زمن الأخطاء البسيطة قد ولى، خاصة أن القائمين بالأعمال السياسية والإدارية في مناصب المعارضة التي تدعي تمثيلنا نحن السوريين "المعارضين على الأقل"، هم الذين كانوا يقفون في وجه أي نقد للثورة يوم كان لنقد الأخطاء الفردية معنى، ويوم كانت الأخطاء أخطاءً فردية وحسب. أما وقد حطّت المآلات رحلها على نهاية تعيسة لحلم كبير ابتدأه السوريون، فقد وصلت الحالة السورية إلى انسداد ومسار يومي لا تعكر صفوه حتى شهقات وزفرات الأطفال الذي ماتوا باللقاح إياه.
هذا داخلياً، إن جاز القول بأن الكلام هنا "داخلي" في صفوف المعارضة السورية وداخل أروقتها، بما يزعم تجانساً لهذه المعارضة، وهو تجانس غير موجود أصلاً. أما على الجبهة الثانية، والأكثر هدوءاً حتى من الموت الهادئ للأطفال ، فالأمر مدعاة سخرية كبيرة مشوبة بالألم، ذاك أن هؤلاء الأطفال السوريين الذين قتلوا بنيران "اللقاحات الصديقة"، قد ماتوا وانتهى الأمر، إلا أن المؤيدين وشبيحة بشار الأسد لم يشاؤوا أن يتركوهم يموتون وشأنهم. دموع هؤلاء، المؤيدين لطاغية دمشق، والتي ادعت الحزن على ضحايا اللقاح الفاسد و"إدانة مقتل الاطفال بهذا الشكل"، هي تنويع جديد على مشهد مميت لا يسع المرء إلا أن يسخر في يومياته، حفاظاً على نعمة العقل في النهاية.