رئيس التحرير: عادل صبري 05:46 صباحاً | الجمعة 04 يوليو 2025 م | 08 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

ثلاثة غيلان، وشاهدة على مقبرة جماعية موحّدة

ثلاثة غيلان، وشاهدة على مقبرة جماعية موحّدة
15 أغسطس 2014

ثلاثة غيلان، وشاهدة على مقبرة جماعية موحّدة

عبدالله أمين الحلاق

ثلاثة غيلان، وشاهدة على مقبرة جماعية موحّدة

على صفحته في فايسبوك كتب أحد الأصدقاء ساخراً من واقعنا:

"الأسبوع الذي مضى كان الأسبوع الأكثر دموية في سوريا...فجأة اليوم يعلن الجيش الإسرائيلي انسحابه الكامل من قطاع غزّة بعد نجاح مهمته!!! ".

هذا الكلام هو من ذلك المزاح القريب موضوعياًمن الواقع، بحكم النتيجة على الأقل، وليس لأن اسرائيل قررت أن تهاجم غزة وتصرف عن سوريا أنظار العالم المصروفة أصلاً عنها. ذاك أن اسرائيل، العدو التاريخي للشعوب العربية والصديق التاريخي للأنظمة العربية بما فيها النظام السوري، لم تبتكر الهجوم لتصرف أنظار العالم عما يفعله النظام السوري بحق شعبه، والعالم لم يكن بحاجة إلى هذه المعركة كي لا يتلفت إلى مأساة السوريين، وهي المعركة التي أسقطت فلسطينيين كُثر في رحاها وإن تكن مسبباتها الأولى والسبب المباشر وليس البعيد لاندلاعها هو سبب فلسطينيّ. مع ذلك، وجد السوريون الذين لا يكادون يرتاحون للحظة بين سقوط برميل متفجر وصاروخ السكود الذي يليه.. وجدوا لحظة للتأمل والتفرج على مظاهرات في عواصم ومدن غربية تتضامن مع غزة وفلسطين في يوميات الحرب الإسرائيلية ضدها، من دون أن يفكروا بالتضامن مع الفلسطينيين، هم السوريون الذين طالموا تضامنوا مع فلسطين وقضيتها من القلب وليس بالكلام والخطابات الفارغة التي أدمنها النظام الأسدي وسَحل شعبه باسمها لمدة 40 عاماً.

السوريون إذاً كانوا ولا يزالون وحيدين في مقتلّتهم، وعندما نقول وحيدين، فإنما نعني أنهم يذبحون بلا تضامن دولي يفترض أنه أضعف الإيمان، من دون أن نتكلم عن حماية دولية واجبة، ومن دون أن يعني ذلك أنهم الوحيدون في منطقة صار الموت علامة من علاماتها.

ووسط ذلك، وبعد أن كان الفلسطينيون لستين عاماً أو اكثر، هم رواد الموت الوحيدين في هذه المنطقة، وبدرجة أقل اللبنانيين والعراقيين، دخل السوريون عالم الغياب والدمار والأشلاء من أوسع أبوابه، ونزل بهم حكم الإعدام الذي قرره من بيده ملكوت كل شيء في سوريا. إنه بشار الأسد. لا لشيء، فقط لأنهم قرروا أن يقرعوا جدار الخزان عالياً كما قرعه الفلسطينيون من قبلهم وكما كتب غسان كنفاني ذات مرة. هكذا، وبدل أن تكون الحرية والتوق لها متلازمةً مع الحياة والدعوة لها، صارت وعلى يد الغولين: الأسدي والصهويني، تهمة تصل عقوبتها إلى الموت، مع اختلاف كيفية توزيع الموت بين فلسطين وسوريا من ناحية الدرجة والحجم وعدد الضحايا الذين ضربت سوريا بهم الرقم القياسي، ولتثبت فعلاً أنها "قلب العروبة النابض"، وبأن فلسطين ستبقى دوماً بوصلة النظام السوري على طريق تحريره لسوريا من شعبها الثائر، من البحر إلى النهر...

اللوحة سوداء اليوم بما لا يدع مجالاً لرؤية أي لون آخر غير الأسود فيها، ومع ذلك، ثمة من يريد لفلسطين أن تحتكر هذا السواد وأن يحرم سوريا من حقها في لون الموت الطبيعي لهذه المنطقة. إنهم الممانعون السوريون واللبنانيون، والذين يتفوقون على النظام السوري في أن لديهم بوصلتان: إحداهما دمشق والأخرى القدس، بينما يكتفي النظام السوري ببوصلة واحدة، وإن زوراً ورياءً، هي القدس، ولتكون دمشق بالنسبة له هامشاً أمام القضية المركزية، وهذا ربما يكون السبب الأساسي في تدمير الكثير من احيائها واعتقال أبنائها وزجهم في سجونه الكثيرة وأفرع مخابراته وموته التي يحمل أحدها اسم "فرع فلسطين".

أما هؤلاء الممانعون، فقد أكملوا مسيرة "التضامن" مع فلسطين ومسيرة تبرير المجازر التي يرتكبها النظام السوري ضد "شعبه" بوصفها دفاعاً عن النفس وعن القضية وعن البوصلة وعن إبرة البوصلة، متهمين المعارضة بامتلاك الطيران والصواريخ والسلاح الكيماوي الذي يدمر سوريا على رأس شعبها، مبرزين المأساة الفلسطينية إلى الواجهة ومغيبين مأساة السوريين على أرضية انبطاح هؤلاء الممانعين امام سيدهم الأسد..

لكن، ومن دون ان يكون لهؤلاء الممانعين فعلٌ يذكر سوى بالصراخ والعويل والتباكي، حوّل العالم أنظاره عمداً عن سوريا بشكل مباشر ومقصود، وحولت اسرائيل، الغول الثاني، الأنظار عما يحدث في سوريا أيضاً وبشكل غير مباشر وغير مقصود. فإذا أضفنا غولاً ثالثاً هو "داعش"، والتي صار النظام السوري بسببها وبالنسبة للبعض نظاماً شرعياً وبديلاً دائماً وأبدياً للتكفيريين كداعش وأخواته، استكمل الشعب السوري نحت الصخر والهواء بقبضاته وأسلحته التي لا تسمن ولا تغني عن موت، واستكمل العالم تفرجه على مسرحية الموت في هذ المشرق، سواء قُتل سكانه بمنتجات الحداثة من صواريخ وقذائف، او بمستجلبات القرن الاول الهجري من بلطات وسكاكين وسواطير، على طريق وضع شاهدة موت واحدة للجميع في نهاية الأمر...

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية