رئيس التحرير: عادل صبري 12:29 مساءً | الأحد 15 يونيو 2025 م | 18 ذو الحجة 1446 هـ | الـقـاهـره °

خلف "مصنع الكراسي" .. لا توجد ثورة

خلف
17 مارس 2015

خلف "مصنع الكراسي" .. لا توجد ثورة

أحمد تايلور

خلف "مصنع الكراسي" .. لا توجد ثورة

(1)


أما مصنع الكراسي، فهو مصطلح شعبي اعتاد المصريون على استخدامه، لوصف الأفعال المنافية للآداب العامة، تم تطويره فيما بعد ليقتصر على معنى جنسي يعادل مفهوم "الاغتصاب"، واسُتدعي المصطلح في مناسبات اجتماعية ورياضية وسياسية، فإذا ما تغلب مثلاً صديق على صديقه في لعبة رياضية، فخر أمام الجميع بأنه "أخذه ورا مصنع الكراسي"، ولو أن سياسيًا تغلب على آخر في مناظرة تلفازية، فخر مؤيدوه بالجملة ذاتها.

"خلف مصنع الكراسي".. ثلاث كلمات يستعرض بها المصريون إنجازاتهم أمام خصومهم.

(2)

ثوار "مصنع الكراسي" لا يملكون إلا عصا يمسكونها من المنتصف، فإذا قتلت السلطة فتاة تحمل وردة في مظاهرة سلمية، خرجوا من كهوفهم يهاجمون السلطة والدولة، ويحذرون من مخاطر التوسع في استخدام العنف غير المشروع، ويعلنون تبرؤهم من دولة تقتل السيدات والأطفال، وتنفذ جرائم ومذابح بحق المصريين.

نفس السلطة عندما تقدم على عمل مؤتمر اقتصادي، تستعرض من خلاله، مهارات التسول أمام العالم، يتفننون في إبراز الاختلافات بين الدولة والسلطة والنظام، وأن على الجميع "لاحظ الجميع" تأييد المؤتمر لما فيه من خير للمصريين "دون أن يوضحون لنا ماهية هذا الخير" ويتسابقون في اتهام رافض وناقد مؤتمر النخاسة بأحط الكلمات التي اعتاد مندوبو الشئون المعنوية، في وسائل الإعلام، على استخدامها لوصفهم هم أنفسهم من قبل.

(3)

العائدون من خلف مصنع الكراسي يؤيدون مؤتمر "شوباش يا قشاش" المعروف إعلاميًا بـ "مؤتمر مصر الاقتصادي"، وشعبيًا باسم مؤتمر "مصر قريبة"، الذي تستقطب من خلاله سلطة قمعية دموية مزيد من مليارات أمراء الخليج لتثبيت أركان حكمها الديكتاتوري.

تخيل معي هذا المشهد اللطيف..

ثائر مصنع الكراسي يؤيد مؤتمرًا يجلب من خلاله حاكم قمعي مليارات لتمويل عمليات دموية بحق مصريين، هي ذاتها العمليات التي يهاجمها نفس الثائر فيما بعد، ويكيل بسببها اتهامات بحق السلطة، ودواخينا يا لمونة.. يا لمونة دوخينا.

(4)

محمد بن راشد، حاكم دبي، أعلن، الجمعة 13 مارس 2015، عبر حسابه الرسمي على موقع التدوين المصغر "تويتر"، أن مساعدات الإمارات لمصر، في العامين الماضيين، بلغت 14 مليار دولار "100 مليار جنيه مصري"، عبر مشاريع وصفها بـ "الشفافة" في قطاعات التعليم والإسكان والنقل والصحة والامن الغذائي والطاقة.

رابط التصريح:

https://twitter.com/HHShkMohd/status/576403019899621376

السؤال الآن :

هل لدى ثائر مصنع الكراسي معلومة عن مصير المليارات التي حصلت عليها السلطة؟ طرق إنفاقها؟ كيف استفاد المصريون منها؟ هل أخبره مسؤول رسمي بكيفية إنفاق هذه الأموال لتصب في صالح المصريين؟

هل لديه أرقام موثقة عن المصريين الذين تركوا صفوف البطالة والتحقوا بهذه المشاريع؟، هل يستطيع أن يخبرنا عن مدى التقدم الاقتصادي الذي تحقق؟ ماذا عن مؤشرات النمو؟ وماذا عن مشروعات الشباب؟ وأين ومتى نُفذت هذه المشاريع؟

لاحظ أنني أوجه هذه الأسئلة بعد تسريبات استمع إليها القاصي والداني، وعرف من خلالها كيف أنفق السيسي وشركاه هذه المليارات؟

ثائر مصنع الكراسي يدعي أن المعارضين يقرأون الواقع بطريقة "رومانسية" يغلب عليها الحماس، وتفتقد للمنهج العلمي والموضوعية!

هل يعلم ثائر مصنع الكراسي شيئًا عن مصير المليارات السابقة حتى يتحمس، علميًا وموضوعيًا، للمليارات الجديدة، وبأي منطق يطالبنا بتأييد المؤتمر؟، وأي وجه مكشوف هذا الذي يطل به ليخدر الناس، مثله مثل المخبرين والأمنجية، ويصف – بحماقة – المعارضين للمؤتمر بالغلو والتطرف والانحراف، مدعيًا أنهم لا يفرقون بين معارضتهم للنظام وبين حبهم للوطن؟..

أجب على هذه الأسئلة أولًا ثم حدثنا عن حب الوطن، فثمة فارق يا عزيزي بين حب الأوطان والحب خلف مصنع الكراسي!

(5)

أحد ثوار مصنع الكراسي قال نصًا "فشل المؤتمر الاقتصادي ليس في صالح الثورة ولا الديمقراطية"، دون أن يخبرنا ما الذي ستسفيده الثورة والديمقراطية من مليارات تجلبها سلطة قمعية بطريقة غير مشروعة لتنفيذها في أغراض مشبوهة، تقتل بها الثوار وتسمم أي حلم ديمقراطي؟!

فهل "القعدة" خلف مصنع الكراسي لمدد طويلة تفقد الإنسان صوابه؟! يجوز!

يعطينا صاحبنا هذا درسًا في العلوم السياسية، قائلاً: "يجب فصل خلافنا السياسي مع النظام عن الدولة؟"، معللًا: "الأنظمة زائلة والشعوب باقية.. فمفهوم الدولة أكبر من نظامها الحاكم ومن معارضتها"، ولكي يشوه تمامًا مفاهيمنا يستطرد قائلاً: "الانفجار الاجتماعي المرتبط بالفقر أكبر من السياسي لذا علينا دعم المؤتمر لأن المستفيد الأكبر منه شعب مصر".

وبحماس أحمد موسى في التضليل وإخلاص مصطفى بكري في التطبيل يقول: "الاستثمارات التي قد تنتج من هذا المؤتمر سيقطف ثمارها أجيال قادمة".

يبدو أن صاحبنا هذا لم يستمع للسيسي وهو يقول صراحة "إما أنا أو الانهيار"، الرجل الذي رهن مؤسسات الدولة لتخدمه بشكل شخصي، يستحق منا أن نتوقع مستقبل أسود، لكن ثائر مصنع الكراسي يعول على أشياء لا تراها سوى عينيه، المرهقتين من التعب والإجهاد خلف المصنع الشهير.

ومن أجل أن يبقى هو، من أجل عصاه التي يحترف مسكها من المنتصف، يدلس على الناس بإعطاء مبررات واهية تساعده في التفرقة بين النظام والدولة.. أي نظام وأي دولة؟!

هل هناك دولة كي نفرق بينها وبين خصومة نظام سياسي؟! هل يمكن قياس سلوك المعارضة في الدول المحترمة والدول التي تحتلها نظم عسكرية، عرضت نفسها باعتبارها بديلة للاستعمار وما هي إلا طبعة محلية منه؟!

من أين جاء هذا المدلس بالثقة في "عصابة" يدعي أنها تعمل لصالح أجيال قادمة؟ وهل ستبقى أجيال حالية أصلا في ضوء التوسع في المجازر والمذابح التي ترتكبها العصابة يوميًا في حق المصريين؟

(6)

"قرنان فى الرأس يراهما الجاهل عارًا، وأراهما حلية نفيسة، قرنان فى الرأس لايؤذيان، أما الجوع.. سأكون أى شىء، ولكن لن أكون أحمق أبدًا، أحمق من يرفض وظيفة غضبًا لما يسمونه الكرامة، أحمق من يقتل نفسه فى سبيل ما يسمونه وطنًا، وليكن لى أسوة حسنة فى الإخشيدى، وذلك لاريب ظفر بوظيفته لأنه خائن، ورقى لأنه قواد، فإلى الأمام".

إمضاء : محجوب عبدالدايم – أحد أبطال رواية "القاهرة 30" لنجيب محفوظ.

فكم بيننا من محجوب عبدالدايم، يفضل أن يُنبت له قرنان ولا يكترث بالكرامة.. يظهر بيننا على أنه ثوري همام وهو لا يفارق مصنع الكراسي؟! متى أنجب وداينا المنكوب كل هؤلاء الـ "محجوب عبدالدايم"؟!


(7)

ثائر مصنع الكراسي يدعي أنه يريد نجاح المؤتمر من أجل المصريين، ولكنه لا يعرف عن المصريين شيء، مستقبله الشخصي في كفة، وكفة المصريين خسرانة في الكفة الأخرى.

ثائر مصنع الكراسي يتحمس لمشاريع العسكر، مثلما تحمس من قبل لمشروع "المليون وحدة سكنية" الذي لا نعرف عنه سوى أنه أحد "فناكيش" السلطة العسكرية التي تخدر بها الناس.

ذكرني صاحبنا بصديق الجامعة الذي دخل الحزب الوطني كي يمارس السياسة خلف مصنع الكراسي، مدعيًا أن حب الوطن ومصلحة المصريين كفيل بتفسير تلك الخطوة.

ذكرني صاحبنا هذا بقريبي المتحمس دائمًا للسيسي، والذي ركن عقله وعلمه وقبلهما المنطق، وأيد مشروع الكفتة لعلاج الإيدز، وعندما أخبرته بأن المقدمات تؤدي إلى النتائج، وأن الكفتة لا يمكن أن تعالج الأمراض، قال لي "دعنا ننتظر ونرى".. ولا يزال قريبي - حتى الآن - منتظر، مثل ثائر مصنع الكراسي الذي ينتظر أن تعم مليارات مؤتمر "بيع مصر" على المصريين.

وها هي السلطة سعيدة بثوار مصنع الكراسي، ومواطني مصنع الكراسي..

(8)

أخبرنا ثائر مصنع الكراسي، قبل عدة أشهر، أن أحد "الكبار" اتصل به بعد فض اعتصام رابعة واقترح عليه أن يسافر خارج مصر، فالبلد لا تحتمل الآن أي اختلاف في الرأي، والآن يعطينا دروسًا في الديمقراطية.

الثائر الذي صنع شهرته في أشهر قليلة، أثناء تواجده داخل أكبر حركة معارضة لنظام مبارك، وسعى لتحقيق مطالب التغيير السبع، يؤيد المؤتمر، علمًا بأنه ولا مطلب من مطالبه يتحقق الآن، بل تدهس السلطة بدباتها على أي مشروع سياسي جاد

.
ثائر مصنع الكراسي سجلت له أجهزة الأمن مكالمة هاتفية، وسربتها إلى أحد المخبرين الذي أذاعها بدوره، ثم تقدم شاكيًا أطراف الواقعة أمام القضاء، فلفظه الأخير رافضًا إدانة المخبر ومصدره!

سلطة – أجهزة أمن – إعلام – قضاء، كلها جهات متورطة في هذه الجريمة، وهي ذاتها أركان الدولة التي يريد ثائر مصنع الكراسي الحفاظ عليها من الانهيار!

ثائر آخر من ثوار مصنع الكراسي، شاهد عيان على تزوير العسكر لدستور مصر، على مائدة عشاء، يتمنى أيضًا النجاح للسلطة، وللمصريين حظًا أوفر في "الفنكوش" القادم.

تذكر .. لن يرضى عنك ثائر مصنع الكراسي حتى تتبع "زنقته" .. تذكر أيضًا أن "الكيف بيذل".

 (9)

كنت أتمنى ألا أكتب مثل هذا المقال "بجد على فكرة"، لأسباب شخصية لا محل لذكرها، لكن أن يعطيك ثائر مصنع الكراسي دروسًا في السياسة ونصائح عن الوطنية، أشبه بموقف وائل الإبراشي من المهنية، أو أحمد سعيد "لسان عبدالناصر الكاذب" من المصداقية.

يا ثائر مصنع الكراسي: لن يرضى عنك السيسي حتى تصبح أحمد موسى، وأنت حتى الآن، لا زلت تطل برأسك من خلف المصنع لتنتقد ممارسات السلطة بين الحين والآخر، دعك من هذا وتدرب جيدًا على المستوى المطلوب، وستصبح ما تريد يومًا ما.

يا ثائر مصنع الكراسي.. سنظل ضد العسكر لأن خلافنا معهم ليس خلافًا حول "تفصيلة" بسيطة، خلافنا معهم حول وطن تنتهك كرامته، وتغتصب حرمات شبابه ونسائه، وتدنس سمعته في كل لحظة يجثمون فيها على أنفاسنا، خلافنا حول سؤال كيف نُحكم؟، خلافنا حول شرعية نظام قاتل منتهك للحقوق والحريات، خلافنا حول نظام تابع ذليل.

فقط.. تذكر دائمًا أن خلف مصنع الكراسي لا توجد ثورة ولا ديموقراطية ولا عملية سياسية، خلف مصنع الكراسي لا يوجد إلا شيء واحد يعلمه المصريون جيدًا، فاستمتع به وحدك.. لأننا لن نشاركك ذلك أبدًا.

 

للتواصل مع الكاتب عبر فيس بوك : اضغط هنا

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية