هل قرأ عبدالفتاح السيسي دستور لجنة الخمسين؟
أحمد تايلور
هل قرأ عبدالفتاح السيسي دستور لجنة الخمسين؟
(1)
وأما السؤال فهو استفهامي بحت، لا يقصد به صاحبه أي استنكار أو تعجب أو غمز أو لمز، وعلامة الاستفهام التي وجدتها آخر السؤال، وضعها صاحبها لنفس السبب.. بالفعل أريد أن أستفسر من عبدالفتاح السيسي، المعروف إعلاميًا برئيس مصر، عن مدى اطلاعه على دستور لجنة الخمسين.
بعبارة واضحة: هل قرأ الملقب إعلاميًا بالرئيس، دستور لجنة الخمسين؟
أعلم أن مشغولياتك كثيرة، ولكن قراءاتك المستمرة لمانشيتات الصحف التي تنتقدها الواحدة تلو الأخرى، جعلتني أطمح في عرض السؤال، باعتبارك قارئا يوميا للصحف؟ ومن لديه رفاهية قراءة صحف مصر المطبوعة ولا يصيبه أى تشنج في أعصابه، يجب أن تكون لديه رفاهية قراءة الدستور، أرجوك اقرأه.. اعتبره صحيفة يا أخي.
(2)
زاوية النظر أحيانًا تكون أهم من وجهة النظر، كيف نرى الأشياء، فرئيس الجمهورية وظيفته معروفة ومحددة برغم كل التفاصيل الاستبدادية الواردة في الدستور، المسألة هنا لا يجوز فيها أى تملص، وكونك أتيت على ظهر دبابة، فهذا لا يعني أن تصبح شخصًا عدميًا فاقد للزمن والمكان والمعنى، صدقني.. الدبابة ذاتها لها وصف وظيفي، دعك من أنك، ضمن مجموعة أخرى، غيرت من وصفها الوظيفي لتخوض معارك الإرهاب في الجامعات بدلا من خوض معارك الحدود والسيادة، معلش الفراغ وحش!
(3)
سأختاركم وفق دستور قلبي
فمن كان منكم بلا علة .. فهو حارس كلبى،
ومن كان منكم طبيبا ..أعينه
سائسا لحصاني الجديد.
ومن كان منكم أديبا .. أعينه حاملا لاتجاه
النشيد و من كان منكم حكيمًا ..أعينه مستشارا
لصك النقود .
ومن كان منكم وسيمًا ..أعينه حاجبا
للفضائح
ومن كان منكم قويًا ..أعينه نائبا للمدائح
ومن كان منكم بلا ذهب أو مواهب
ـ فلينصرف
ومن كان منكم بلا ضجرٍ ولآلىء
فلينصرف
فلا وقت عندى للقمح والكدح
محمود درويش – خطاب الجلوس
(4)
"يحظر التهجير القسرى التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم".
المادة 63 من دستور لجنة الخمسين.
دستور لجنة الخمسين يعتبر أن التهجير القسري التعسفي للمواطنين، بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم، إلا أن الرجل الذي دافع عن نظامه أمام الأمم المتحدة، مؤكدًا على احترامه للحقوق والحريات، لا يعتبر أن تهجير المواطنين قسرًا جريمة، الأدهى أنه يراه ضرورة وطنية، تمامًا كضرورة وجوده في السلطة.
وفي الوقت الذي يهاجم فيه مندوبي الشئون المعنوية في وسائل الإعلام، بعض المصريين لرفضهم قانون التظاهر، متهمين القلة المندسة بتعطيل القانون، وعدم احترامه، تجد صبيان السلطة في كل مكان تطالب بركل الدستور وتهجير قطاع عريض من المواطنين، والعجيب أن هؤلاء إذا طالبنا منهم احترام الدستور، اتهموك أيضًا في وطنيتك وشرفك.
درس مستفاد: أنت متهم لأنك لا تتماهى مع تفضيلات واختيارات السلطة، لا تهتم بتبرير موقفك، كونك على الجانب الآخر هذا شيء مقزز في حد ذاته، يجب أن تُسلب آدميتك وحقوقك بسببه.
"لحظة البدء في هدم البيوت وترحيل سكانها، بهدف تنظيف 5 كيلو متر بطول الحدود الشرقية (200 كيلو متر) كما يقضي الطلب الاسرائيلي، هي لحظة تفجر مشكلة سيناء، ودخولها على خط اللا حل".
تدوينة قصيرة لمسعد أبو فجر، ناشط سيناوي شهير على مواقع التواصل الإجتماعي.
"الضرورات الوطنية تبيح الحقوق والحريات.. تبيح الإنسان..تبيح كل شيء"، مادة (1) من دستور عبدالفتاح السيسي.
(5)
"لقد أصبح من الصعب عليّ أن استمر في حمل مسؤلية قرارات لا اتفق معها واخشي عواقبها ولا استطيع تحمل مسؤلية قطرة واحدة من الدماء امام الله ثم امام ضميرى ومواطني خاصة مع إيماني بانه كان يمكن تجنب اراقتها".
من نص استقالة الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق للعلاقات الدولية.
نستطيع الآن، أكثر من أى وقت مضى، أن نتفهم اختيار البرادعي لهذه الكلمات، دون غيرها، لتبرير استقالته في اليوم الأسود الذي ستدفع ثمنه مصر غاليًا لسنوات طويلة، البرادعي تماهى وتوحد تماًما، بهذه الكلمات، مع نسق حياته بشكل عام، الرجل صراحة يستنكر أن تصير السياسة هكذا بلا رابط أو حاكم، دون التزامات، دون عواقب، في حين أن نسق حياة الآخرين لا يستنكر إلا ما يطالب البرادعي باحترامه.
درس مستفاد: لا تبحث عن رئيس، ابحث عن النسق أو النمط.
(6)
"القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى. وأعضاء القضاء العسكرى مستقلون غير قابلين للعزل، وتكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية".
المادة 204 من دستور لجنة الخمسين
حتى المادة التي اضطر مندوبي المدنية في لجنة الخمسين إلى خلع ما تبقى من قطع الاستربتيز السياسي لتمريرها، لم يحترمها رئيسهم، وأصدر قرارًا جمهوريًا باعتبار الممتلكات العامة منشآت عسكرية، يستوجب الإعتداء عليها التحويل إلى القضاء العسكري.
"دعه يتعسكر دعه يمر"..ثمة خطأ سلطوي شائع، لا يريد العسكر فهمه، فالكاكي إذا انتشر انحسر !
(7)
يبذل السيسي قصارى جهده، لإقناعنا بعدة أشياء، ليس من بينها احترام الدستور، فالجريمة تفيد، والقانون غير مفيد، رفاهية، لا يقبل عليها مالكو السلاح.
تتعجبون من اتهام البعض لكم بتخطيط الإنفجار وتدبير أمره، ماذا تنتظرون منا ونحن نراكم أكثر توحشًا وقمعًا عقب كل كارثة جديدة، نجدكم أكثر بطشًا وتجبرًا، كأن التفجيرات تعطيكم ما فشلتم في أخذه بالاقناع والرضا والقانون، تعطيكم قبلة الحياة،وكأن مقابل كل رأس تتهشم في سيناء يجب أن تتهشم رؤوس طلاب الجامعات، وتزداد الشوارع بالدبابات، وتنتشر نشراتكم بالإعلام، إذا كانت التفجيرات تحييكم، فهي تقتلنا، وإذا كنتم غير مقتنعين بوظائف الدولة السياسية والدفاعية، فأرجوكم لا تصدروا للعلم الوظيفة التفجيرية للدولة.
(8)
"حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون".
المادة 62 من دستور لجنة الخمسين
المادة واضحة وأحكامها واضحة لنا جميعًا، ما عدا السادة أعضاء السلطات الثلاث، هل يعلم الملقب إعلاميًا بالرئيس، أن هناك مواطنين مصريين تم منعهم، مخالفة للدستور، من السفر، بلا أى تهمة واضحة، وهل يعلم أن واحد منهم محروم من حقه في السفر منذ أكثر من عشرة أشهر، دون توجيه تهمة محددة له، الأدهى من ذلك أنه طلب التحقيق معه ورفع قضية ضد هذا التعسف، والقضية يتم تأجيلها مرة تلو الأخرى، فهل قرأ أي من السادة الأفاضل، الذين يحرمون الناس من حقهم في التنقل المادة 62 من دستور لجنة الخمسين؟
درس مستفاد: البلطجة حلوة مفيش كلام.
(9)
الدستور الذي يتعامل معه الملقب إعلاميأ بالرئيس، باعتباره ورق تواليت، لن نتعامل نحن معه باعتباره وثيقة دستورية ملزمة لنا كمواطنين تجاه الدولة، لسبب بسيط فلا نحن مواطنون ولا هي دولة، أقصى ما يمكننا فعله ياسيادة الملقب إعلاميًا بالرئيس أننا سنستخدم الدستور نفس استخدام سيادتك له، فكما تعلم: المياة مقطوعة، والنظافة من الإيمان.
ياسيادة "قاطع المجال العام".. الدساتير تطبق في البلاد والأوطان .. أما عزبة مبارك التي حولتها أنت إلى مأتم عزاء كبير، فلا تحتاج إلى دستور لتيسير أمورها .. فالقنابل تفعل ما لا تفعله الدساتير .. وخوف الناس من الرصاص أكثر جدية من التزامهم بالقانون .. هناك تسير الأمور بطريقة أسهل وأوقح.
درس مستفاد: الدستور الذي يضعه السيسي تحت قدميه لن نضعه فوق رؤوسنا.
(10)
لقد أخبرنا الرجل صراحة بأنه لا يتنافس مع أحد، وأن لفظ "المعارضة" تائه في قاموسه، في إحدى لقاءاته الإعلامية قبل تنصيبه، رد على سؤال أحد المحاورين، مشيها محاورين، عن كيفية التعامل مع المعارضين إذا وصل للسلطة، هنا انتفض الرجل مؤكدًا على أنه لن يواجه معارضة، بل خصوم للوطن، فمن يعارضه يعارض المصريين والوطن.
سيادته لم يقرأ ديباجة دستور لجنة الخمسين التي تقول إحدى فقراتها: "نحن نؤمن بالديمقراطية طريقًا ومستقبلًا وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمى للسلطة".
وأدي ديباجة دستور ملناش دعوة بيها، خلينا في المهم.
المادة الخامسة من الدستور تنص على أن "يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور".
وأدي مادة دستور ملناش دعوة بيها، وبالدستور عمومًا.
(11)
لجنة الخمسين تعاملت معك باعتبارك رئيسًا لدولة، صحيح أنها تفهمت الظرف السائد وقتها وتفهمت التقاء رغبات متعددة في صناعة إله جديد، إلا أنها تعاملت معك باعتبارك إلهًا يحكم دولة، في حين أنك تتعامل مع ذاتك باعتبارك قاطع طريق، هنا المعضلة ياسيادة الملقب إعلاميًا بالرئيس، قطاع الطرق لا تصنع لهم دساتير، قطاع الطرق يعرفون طريقة واحدة، وها أنت تمضى فيها غير مأسوفًا عليك، في كل الأحوال عليك أن تتذكر دائماً نصيحة اللمبي "الجريمة لا تفيد".
(12)
ليس لديك رفاهية الإختيار، إما أن تحبس أعضاء لجنة الخمسين، بتهمة إزعاج السلطات الفاشية، أو تطبق الدستور، وقبل هذا أو ذاك عليك أن تفرج فورًا عن ثلاثي حزب مصر القوية التي قضت محكمة جنح حدائق القبة بحبسهم 3 سنوات لإتهامهم بالتحريض على مقاطعة الإستفتاء على الدستور.
ناهيك عن عبثية التهمة، لا أجد مبررًا لاستمرار حبس نشطاء رفضوا دستور لا تحترمه السلطة.
ملحوظة: بالطبع لن أحدث القاريء الكريم عن الديباجة والمواد التي تقدس ثورة يناير، بينما تنطلق أبواق القاذورات في الإعلام في تشويهها ليل نهار، فاحترام الدستور لثورة يناير نكتة سخيفة لا تستحق التداول أصلاً.
للتواصل مع الكاتب :
https://www.facebook.com/ahmd.taylor
