رئيس التحرير: عادل صبري 10:19 صباحاً | السبت 05 يوليو 2025 م | 09 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

"الصهينة".. صنعة !

23 أغسطس 2016

"الصهينة".. صنعة !

إكرام يوسف

أثارت مباراة الجودو التي هُزم فيها اللاعب المصري إسلام الشهابي أمام لاعب صهيوني ضمن أوليمبياد ريو دي جانيرو، عاصفة من الجدل كانت متوقعة! غير أن تداعيات هذا الجدل بدت أكثر خطورة، بالنسبة لي ولكثيرين من جيلي على الأقل، بما كانت تمثله لنا القضية الفلسطينية.

نحن، من كان أحدنا لا يستطيع نطق لفظ "إسرائيل" ولو بينه وبين نفسه.. فاعتدنا على تسمية "الكيان الصهيوني"، و"العدو الصهيوني"، ثم "الدولة المزعومة"، وبعدها اعتادت آذاننا وألسنتنا وصف "دولة إسرائيل المزعومة" وأخيرا ـ بعد كامب ديفيد ـ صارت التسمية معتادة ومألوفة في وسائل الإعلام الرسمية "دولة إسرائيل".. في تطبيق لما تحدثت عنه في مقال سابق عما كنا ندرسه في مادة "الرأي العام والإعلام" عن سبل تحويل توجهات الرأي العام من النقيض إلى النقيض!! وأحسست بالذعر ، أمام ما شهدته من ردود أفعال بعض الشباب، من أن يأتي يوم ـ لا قدر الله ـ تصل فيه البجاحة بالبعض إلى تسميتها "دولة إسرائيل الحليفة" أو "الشقيقة"!

فبقدر ما كان اطمئنان أمثالي إلى صلابة الرفض الشعبي للتطبيع مع عدو، مازال يرفع علما يصور حلم الدولة الصهيونية من الفرات إلى النيل، ومازال يتحكم في تحركات قواتنا في سيناء، فضلا عن كونه مازال ـ كما كان دائما ـ شوكة في قلب الوطن العربي؛ بقدر ما كانت التغيرات ـ في وعي عدد من الشباب الذين ناقشتهم، أو قرأت تعليقاتهم على صفحات التواصل الاجتماعي ـ صادمة!

وكانت أول التعليقات التي توقفت أمامها طويلا، تعليق لشاب يقول "أنا ـ كمصري ـ أخذت حقي في ٧٣، ولم يعد لي حقا عند إسرائيل"!!! وإذا بأكثر من شاب يفترض أنهم من أنصار إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، يدعون أن رافضي التطبيع مع العدو الصهيوني "ينطلقون من منطلقات طائفية، انطلاقا من كراهيتهم لليهودية"!!

وعندما ناقشت بعضهم، مستشهدة بالموقف من غزو العراق للكويت؛ وأن رفضنا لهذا الغزو لم يكن انطلاقا ـ بالطبع ـ من عداء للإسلام؛ وأنني أعادي الصهيونية ـ لا اليهودية التي يدين بها عدد من رموز الحركة الوطنية المصرية، نفخر بهم ونعتز بانتسابنا إليهم كمناضلين مصريين من أجل التحرر والعدل، أسسوا منذ الأربعينيات منظمات مناهضة للصهيونية، ومنهم المحامي المناضل العظيم شحاتة هارون الذي ظل حتى آخر أيامه معاديا للكيان الصهيوني، رافضا الاعتراف به! ويدين بها كثير من أنصار القضية الفلسطينية في العالم ـ لأن المشروع الصهيوني يهدف إلى إقامة الدولة الصهيونية الكبرى التي بدأت باحتلال فلسطين، وتعمل على التوسع من الفرات إلى النيل! فإذا بمن يحاججني بأن قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين لم يكن على أيدي عصابات جاءت من أوروبا، وإنما "كانت حركة انفصالية قام بها اليهود من أهل فلسطين الأصليين"!!

ويكذب ما ذكرته حول قيام وكالة الصهيونية العالمية، بالاتفاق مع عدد من حكام العالم على اضطهاد اليهود في بلادهم لدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين ـ وضربت مثلا بما ما ذكره ليخمان مستشار هتلر الذي كان وسيطا بين الوكالة والزعيم الألماني، فقام الصهاينة باختطافه وإعدامه ـ ويرد على ذلك بأن من هاجروا إلى الكيان الصهيوني، كانوا مهاجرين عاديين بعد قيام الدولة "مثلما تستقبل كندا مهاجرين"!! واتهمني محاوري بأن ما أقوله "دعاية خبيثة تهدف لاستمرار النزاع" مرددا: "إن الانجليز احتلوا أمريكا، والعلاقة بينهم وبين الهنود الحمر الآن صارت سمنا على عسل"!! ولما ذكرته بأن الهنود الحمر تمت إبادتهم، قال لي إن الممثل الأمريكي فلان الفلاني ترجع جزوره إلى الهنود الحمر، ويعيش هانئا منعما في أمريكا اليوم!

والمصيبة أن المناقشة شملت عدة أشخاص، لم يبد أحدهم تحفظا على هذا الكلام! وقال أحدهم أن العدو الرئيسي بالنسبة له هو الإسلام السياسي، فلما أجبته بأنني أيضا أرفض الإسلام السياسي، وأرفض أفكارهم عن دولة الخلافة وأستاذية العالم، التي أراها لا تختلف عن الدولة العالمية التي تخطط لها الصهيونية العالمية.. لكنني أعتبر كل من قُتل في صراعه ضد العدو الصهيوني شهيدا، سواء كان يحيى عياش، أو راشيل كوري، أو ناجي العلي، أو أبو علي مصطفى، وغيرهم من شهداء المقاومة.


ولعل الصدمة الأكبر عندما قرأت تعليقا على مباراة الجودو، يعتبر أن رفض التطبيع "كان أمرا مفهوما أثناء الخمسينيات، عندما كان احتلال الصهاينة القادمين من أوروبا لأرض فلسطين في بداية عهده"! لكن الآن ـ وفقا لرأي كاتب التعليق ـ "صار هذا الرفض حنجوريا، فليس كل من يعيش في إسرائيل يهوديا، وهناك جيل ولد هناك ولا يعرف له بلدا غيرها"!! ويبدو أن أمثال هؤلاء لم يسمعوا عن بلد اسمه "جنوب أفريقيا" هاجر إليه الأوروبيون منذ القرن الخامس عشر، ومنذ منتصف القرن السابع عشر، استوطن فيه الهولنديون (الذين عرفوا باسم البوير).

وبعد تاريخ حافل من الصراعات والاحتلال البريطاني، منحت جمهورية البوير في عام 1907 حكمًا ذاتيًا مع قصر حق الانتخاب علي البيض فقط. وبعد انتخاب الحزب الوطني البويري (حزب البيض) في عام  (1948 (لاحظوا التاريخ!) بدأ تطبيق سياسة التمييز العنصري المعروفة باسم الأبارتايد، للتفرقة بين الأقلية البيضاء (أربعة ملايين في ذلك الوقت) والأغلبية السوداء (٢٩ مليونا) ولم يسمح للسود إلا بالعمل في وظائف دنيا، مع عدم المساواة في الأجور بينهم وبين البيض، وحرمانهم من حق الانتخاب وحق الملكية إضافة إلى عزلهم في المساكن وأماكن العمل والمدارس.

وبداية من ١٩٦٢، ونتيجة للضغط الدولي، أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات لمقاطعة اتحاد جنوب أفريقيا، كما قاطعته دول العالم الثالث. وبعد نضال مرير، تم إطلاق سراح نيلسون مانديلا زعيم حزب المؤتمر الأفريقي، الذي فاز في الانتخابات ليحقق حكم الأغلبية، في مايو 1994، ولم يستقر الأمر إلا بعد تطبيق العدالة الانتقالية بمراحلها الثلاث (المساءلة، ثم المحاسبة، ثم المصالحة). ولم يتم التعامل بمنطق "ما فات قد مات"، كما يريد أن يقنعنا أصحاب نظرية أن أبناء الصهاينة المحتلين، الذين ولدوا في فلسطين ولم يعرفوا لهم وطنا غيرها، لا غبار على مصادقتهم والتطبيع معهم!! فأبناء البيض كان قد مضى على هجرة أجدادهم الأوروبيين واستيطانهم في جنوب أفريقيا ما يزيد على ثلاثمائة عام، ولاشك أن أجيالا عديدة منهم لم تعرف لها وطنا آخر، لكن مقاطعة العالم لهم لم تتوقف، إلا بعد رد الحقوق لأصحابها !


فهل تلاحظون مدى ما حدث من تغيير في عقول "بعض" شبابنا؟ وربما كان هذا "البعض" أقلية الآن، فمازال أغلبية شبابنا بخير، لم تنحرف بوصلة وعيهم. ومازال لدينا من يقرأون التاريخ، ويستطيعون الرد على هذا التزييف الفاجر لتاريخ مازال بعض شهوده أحياء. لكن هناك من يعبث بالفعل في عقول الأجيال القادمة، ويعمل بدأب على بث هذه السموم تدريجيا في عقولهم.

ولم تكن هذه التغيرات وليدة هذه الفترة التي نعيشها، وإنما بدأت قبل عقود؛ فقد سمعت قبل حوالي خمسة وعشرين عاما عن جمعيات دولية، مقرها أوروبا، ولها فروع في بلدان العالم، تهتم بالأطفال وتقدم لهم أنشطة فنية ورياضية واجتماعية، تناسب مراحلهم العمرية، وتتيح لهم قضاء فترات من العطلة الصيفية في مدن أوروبية، تقام فيها معسكرات، تجمع الأطفال من بلدان متحاربة، كي تعودهم على التعايش مع "الآخر" وقبوله!! ويبدو أن فروع هذه الجمعيات في بلداننا، نجحت في نشر هذه الأفكار داخل عقول بعض النشء، الذين لم يستطيعوا التفرقة بين "الآخر" المختلف فكريا أو عقائديا أو جنسا أو لونا، الذي يتعين الاعتراف به والتعايش معه إنسانيا في عالم من المودة والسلام؛ وبين "الآخر" الذي يحتل أرضك، ومازال يستهدف التوسع والاستيلاء على مساحات أخرى من هذه الأرض، مع طمس هويتك وحضارتك، وتذويب ثقافتك لتصبح ثقافته هي المهيمنة، ليكون مصيرك كما قال أحدهم ـ صراحة ـ كمصير الهنود الحمر الذي يرى أنهم يعيشون "زي السمن والعسل" مع المحتلين الإنجليز الذين استوطنوا أمريكا!

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية