
ألقٌ من رابعة والنهضة
إسلام ثابت
ألقٌ من رابعة والنهضة
يتهمون أهل رابعة والنهضة ب(تكدير) الأمن القومي، ببقائهم مع زوجاتهم والصغار في الميدان في نهار رمضان وليله؛ صائمين قائمي راجين رحمة الله بهم من المذابح التي ستطاولهم لما سيعود نظام القهر أفظع مما كان، وهنا أتوقف لدى مواقف من حياة مصاصي الدماء، بحسب رأي صحف البهتان، القومية سابقاً، لعل هؤلاء يقرؤون فيفهمون ويستوعبون بعد أن عزت البصيرة فيما البصر مرتجف..
أخذت أجري من عشرين عاماً:
أحد المعتصمين بميدان رابعة تعطلت سيارته فأسقط في يده إذ أين يمكنه الذهاب بها؟ أو من سوف يأتي ليصلها له في الميدان؟ ولذا ففرح قلبه لما قيل له إن ميكانيكياً موجود بالفعل في الميدان، وذهب للرجل وأراه السيارة، فقام الأخير بالواجب كاملاً، ويبدو أن الميكانيكي المعتصم تعب في الاصلاح كثيراً؛ إذ إن صاحب السيارة اقتنع انه يجب أن ينال مقابلاً مادياً على ما صنع، فمد يده في جيبه وأخرج مبلغاً مالياً هو حق واجب.. فما كان من الحرفي إلا أن قال له:
ـ أدخل مالك أنا أخذتُ أجري منذ عشرين عاماً..
فتعجب صاحب السيارة وقال:
ـ ولكني أعرفك منذ وقت قليل..
ـ أنا أخذتُ حقي من رب العباد منذ عشرين عاماً، إذ صار لدي بيت وأبناء، ونلتُ ما اشتهيتُ فبقيتْ الشهادة .. سل الله أن يهبها لي.
انبهر المعتصم السلمي من كلمات الميكانيكي، وفي الناس فاسدو الضمائر لا يعدون ولا يشبعون كذباً أو فرحاً بالمال الحرام، أو على الأقل يريد أن (يأكل عيش) ويستمر على قيد الحياة، واتفق الأول مع الميانيكي على الاتصال به كل يوم، وفي الاتصال الأخير لم يرد فأرسل إليه رسالة على المحمول تقول:
ـ يبدو أنك طلبت الشهادة بصدق فنلتها .. هنيئاً لك..
فجاءه الرد باتصال من نفس الرقم:
ـ عم محمد بالفعل شهيد هل تعرف (طريق) أحد من أهله.. إذ لا نستطيع الاستدلال عليهم..
هنا كان يرقد شهيد:
اللافتات في رابعة تثير الانتباه بخاصة لمن أفنى عمره في القراءة والكتابة، ويجد جديداً في كلمات بسيطة مؤثرة خطها بسطاء لكن بإخلاص، في الطريق إلى دورات المياه بمسجد رابعة علقت هذه اللافتة:
(هنا كان يرقد الشهيد فلان من كفر رجب بكفر شكر)
هنا كان ينام االنومة الصغرى فنال شرف الحياة الأبدية بلا نوم..
ولكن من يقرأ ويكتب فيفهم..
شهيد الواجب:
شابٌ ورجل أعمال لا ينقصه من متاع الدنيا شىء، أراد أن يفرح أكثر بما لديه من مال فاشترى سيارة جديدة، وأراد تجريبها فأتى من إحدى محافظات الوجه البحري إلى القاهرة فرحاً بها، وسار حتى لم يتعب، ووجد نفسه في مدينة نصر، وفي الدورانات تبدو قدرات السيارة أكثر، وهنا وجد نفسه أمام المنصة العسكرية والنصب التذكارى لدى رابعة يوم مذبحة الجمعة الدامية، ففاضت الرحمة في قلبه، أنا فرح بالسيارة فيما هؤلاء يقتلون..
وسأل عن الدور المميز المناسب الذ يستطيع القيام به فقيل له:
ـ فقط عزت سيارات الاسعاف فانقل الجرحى والشهداء للمستشفى الميداني..
فرح الرجل بالدور، وراح ينقل واحداً بعد الآخر، ولم يعجب ذلك القناص معدوم الضمير فقنصه برصاصة، اخترقت زجاج السيارة الخلفي ورأس الرجل لتنفذ من الزجاج الأمامي مودية بالسيارة والرجل، وهنيئاً بمفتاح شقة القاهرة الجديدة وسيارة محمود الكردوسي اللتين وهبهما له الفريق السيسي إذ سيرى دماء رجل الأعمال الشاب فيهما والمئات من مثله لو كان يبصر..
شهيد الدخان:
أمام مديرية أمن الجيزة أصر أحد الشباب على اخذ زجاجة مياه من معتصم مثله، وكان المعتصمين ضمن الآلاف الهادرة لدى المديرية منذ أيام احتجاجاً على القتل الممنهج وغير الممنهج بالتعاون بين الداخلية والجيش، أخذ الرجل المياه فتمضمض ثم أعاد الزجاجة لصاحبها الذي سأله في تعجب:
ـ لم لم تشرب؟
إذ كانا بالليل لا كما يدعي المرجفون أنهم غير صائمين، وإذا لم يصم هؤلاء فمن سيصوم؟
قال الرجل:
ـ لا أريد الشرب ولكني أريد المضمضة كيلا لا ألقى الله شهيداً برائحة الدخان..
كم من واحد من المرجفين لا يتقي أن يلقى الله ودماء الشهداء على أسنانه..
جئتُ من أجلها:
فيما كانت إحدى المسيرات تأخذ طريقها هالتني رضيعة على كف أب وإلى جواره زوجته،من الواضح أنها الابنة الأولى فقلتُ له في عفوية:
ـ خلي بالك منها من فضلك..
فقال بسرعة ولطف:
ـ جئتُ من أجلها ومن اجل مستقبلها..
رددتُ في قلبي:
ـ كم من واحد يروحون من أجل تدميرها ومستقبلها لتبقى مصر لهم ولأبنائهم، وقاتل الله الأنانية التي تضيق واسعاً..
مات لأنه يحب مصر:
زوجة أحد شهداء الإسكندرية،اسمه إسلام، والله تعالى أدرى باسمه ووصفه ورسمه، ولا عليه إن لم يعرفه مثلي، فالأمر عليه، على مثلي، لا على الشهيد، ترك زوجة لديها اثنتان وعشرين ربيعاً فقط، وصغيرة لم تفطم أبكت قلب الملايين على منصة رابع في الجمعة الأولى من رمضان لما قالت:
ـ أنا عشت مع إسلام سنوات قليلة، كم من السنوات ستعيشين يا ابنتي بعيداً عنه فيما البلهاء من أمثالنا نحرص على الحياة ما نزال، وكان بالغ اللطف، والله ما هو إرهابي، هم الإهاربيون من قتلوه وهو يمضي مبتسماً في مظاهرة سلمية، والله مات لأنه يحبكم وقال لي نبقي في البيت (إزاي) في رمضان و(همه) في الشوارع، ومات ووصيته وهو يلفظ أنفاسه ألا تعودوا لبيوتكم فهل ستفعلون؟
ماذا عن ملتزمي البيوت ومئات الآلاف مهددة بالفناء من المصريين الآن فيما نزولك (أنت) في حد ذاته تكثير لهم، لا تكسير، وتفضل السوداني والعصير البارد والمسلسلات على (بشر) مثلك، لكن انتظر دورك فهو قادم إن لم تتحرك..
قنص 26 شهيداً:
نشرت إحدى الصحف الحزبية صورة لواء قتل 26 متظاهراً بمفرده في أحداث الجمعة الدامية، يا هذا لو صح الخبر عنك .. انتظر مع حمزة البسيوني نفس المصير، ولا تتوقع الخير من أي باب، أزهقت ارواحاً لو كانت قططاً وتعمدت قتلها لقتلك الله بها، ويا مصر لما يكرم هذا فلهم الله أهلك..
القبض على والد عمر:
بيت الشعر القديم:
ولم أر في الناس رزءًا مثل رزئنا
يساء إلينا ونؤمر بالشكر
والد الشهيد عمر نيازي، على الأرجح، هو من تم القبض عليه بعد دعائه على السيسي على منصة رابعة، ويا عقلاء مصر والعالم، ممن تركنا العقل الكامل لهم، هل كنتم تتمنون من الرجل أن يعود فيجد ابنه فارق الحياة بأوامر السيسي فيقدم صفحة شكر كاملة له في الأهرام، أن يذبح (عجلاً) على شرفه، موعدكم الله تعالى، وهو قريب ..