رئيس التحرير: عادل صبري 07:47 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

ليال جبنتُ فيها (12)

ليال جبنتُ فيها (12)
31 يوليو 2013

ليال جبنتُ فيها (12)

إسلام ثابت

في طريق العودة مع مئات الألوف من امام الحرس الجمهوري فجر السبت 4 من رمضان   المبارك إلى ميدان رابعة من جديد؛ كنتُ أعلم تماماً أن الإخوان إنما يُغلبون العقل والمنطق على العاطفة، وأنهم يريدون التحذير قبل الفعل السلمي الأكثر مناسبة وفاعلية، ولكن متى الفعل؟ تسآءلت: متى يصعدون، سلمياً، إلى الحد الكافي؟ وأي إجراءات يمكن اتخاذها في سبيل هذا؟

 

حينما كنتُ أرى الناس تتقاطر في نظام شديد عائدة، وكان الوقت الباقي على الفجر لا يسمح بتناوله في الميدان، فرأيتُ عجباً، من كان معه طعام يتناوله مع الآخرين، فتقتسم اللقمة في ود شديد، وتتوزع زجاجة المياه المعدنية الواحدة، والجميع يقدم لك ما لديه، ولا احد يسألك:هل تريد؟ والطرف الآخر يتناول في بساطة شديدة، حتى أن سيارة تاكسي كانت تقل أسرة ما قصرت الابنة الصغرى فيها في توزيع الطعام وصولاً لأرغفة الخبز الخاوية..وكان اعجب ما لدي من أسئلة: ماذا ينتظر الإخوان أكثر مما يمر بهم كي يتخذوا قراراً فلا يتراجعون عنه؟ ولماذا لا يتم التوجه السلمي بالملايين وعدم التراجع؟

 

 الناس في المنطقة المحيطة بالقصر ممن استيقظوا على صوت هدير عودة المسيرة لم يكونوا يخفون إما فرحتهم الشديدة وإشارات النصر، أو الاستياء الشديد البادي على الوجوه، ولكن الدهشة لم تكن خافية على احد، إنها المسيرة الأولى للقصر الجمهوري وبمثل هذا الكبر، شىء محير.. ماذا عن الشعب الذي يقال عنه إنه جبنان؟ ومن العجيب أنك في الميادين تقتنع انه ما من أحد خارجها، وخارجها تحتار في جُبن الكثيرين..

 

عقب صلاة الفجر لاحظتُ أن الإضاءة بدأت تنتشر على نحو مناسب لتصوير الكاميرات في الميدان، وتذكرتُ أحد المتحدثين على المنصة ممن نصح كاميرات التصوير بعدم التصوير من أسف بما لا يبرز إلا ميدان رابعة، غير المضاء بالشكل الكامل، وطلب الارتفاع بالكاميرات لإبراز جميع الشوارع الفرعية المحيطة به، ولتنفيذ هذا بدأوا بالفعل في الإضاءة المكثفة تهيئة للكاميرت، لكن دار في خلدي وأحد المتحدثين يعتذر لأهل رابعة العدوية عن الإزعاج أن الأمر يمثل إزعاجاً أكثر من شديد للمقيمين بالحي كله، ورجوتُ الله ان يخيب هذا، ولكن الجبناء من المحرضين على عدم استكمال الثورة استغلوا هذ الأمر بالفعل بعد أيام قليلة ضمن مسلسلات المحاولة فض الاعتصام، لا حقق الله غايتهم القذرة، بإذن الله تعالى، فهؤلاء لا يتورعون عن الكذب البواح وتشويه صورة من يختلفون معه على نحو مريع..

 

خرج من الميدان بعد إنطلاق شفق السبت 4 من رمضان كثير من الناس مما كدس الآلاف عند سيارات الميكروباص، وللحقيقة فإن الطائفة الأخيرة، أو جزء كبير منها على الأقل، تحزن من فرط التعصب الذي يتحلى به جزء كبير منها، إن لم يكن أكثر، فالانتهازية تضني الإنسان ولم يكن من العجيب أن اعرف أن طرفاً منهم يأخذ الخارجين من الاعتصام مباشرة للحرس الجمهوري ليتم القبض عليهم، ما هذا ال...، أما بائع الصحف القريب من الاعتصام فأمره بالغ الدهشة، الرجل (يربط الصحف)، يحيطها بدوبارة محكمة، ليرفض بيعها منذ قرابة العصر، ولا أعرف على اي نحو يفكر ولكنه رفض بيعها لي مرات، علاوة على كلماته المضادة للحراك الثوري في الميدان..

 

أثناء عودتي من ميدان النهضة في اليوم التالي أو الذي يليه كنتُ على موعد مع مفآجأة عجيبة، إذ كان كمين أمام مسجد شهير بالمنطقة التي أقيم فيها، إذ كان يقوم مخبر شرطة، في حماية الجيش، بضرب شاب أو صفعه على وجهه بمنتهى القوة خلف سيارة الترحيلات أمام العشرات في الإشارة المغلقة، ما هذا يا سادة ألا تتعلمون؟ ألا تريدون الفهم؟ دخلتم البيوت في الليل، وأخذتم الأحرار، وقتلتم في الميادين الشرفاء، واهنتم النساء في الفجر في بيوتهن، هل ينقصكم الآن ضرب الرجال في الشوارع، هذا بعد إعادة الشرطة في الشوارع من جديد، وكأن مصباح علاء الدين أتى بهم من جديد، بل إن مقلب للقمامة على احد أطراف الدائري كان يعاني من أطنان منها ثاني يوم الانقلاب تم تنظيفه بالسيارات العملاقة المخصصة لهذا، وأحمد الله تعالى أن حادث ضرب الشاب في الشارع تم العدول عن مثلها بعد ذلك، على الأقل حتى تمضي فترة استكمال الثورة، ولن تمضي بإذن الله تعالى.

 

كنتُ في ميدان النهضة مرتين لما كانت الطائرات تجوب سماء الميدان مرات، ثم تتمهل غفلة وكأنها تريد قضاء حاجة لتلقي بالاواق أو ما يسمى بالبيانات على المتظاهرين، وكنتُ كلما قرأتُ الكلمات تحسرتُ على حال التعليم في بلدنا، فما هو مكتوب على الورق من تهديد بكل طريقة لا يستحق ثمن الورق المكتوب عليها، علاوة على الأسلوب البالغ الركاكة، وكأن قائداً يأمر جندياً ولا يهمه ملفوظ الأمر، لأن الأخير مجبر على الفعل، أما بيان عدم موت من يموت في الميدان شهيداً.. فلا يقال عنها إلا أنها عنوان العمالة والمتاجرة بالدين والاستخفاف به، والعياذ بالله تعالى، وكان الطيار لم يستطع إلقاؤوه داخل ميدان رابعة فألقاها على طرفه من الخلف من ناحية المنصة العسكرية، يا أفذاذ لا تستطيعون إلقاء البيان بالطائرة فتهددون بقتل من في الميدان الذي عجزتم عن الوصول إليه بالطيران!       

 

أثناء زيارة منسقة العلاقات الأوربية الأمنية، وما أعرف ماذا كاترين، لا تستحق ذكر اسمها، من يكيلون للديمقراطية بمكيالين أسوأ من الديكتاتوريين (الأربعاء 8 من رمضان الموافق 17 من يوليو) كانت مظاهرة حاشدة متجهة من رابعة العدوية للحرس الجمهوري عبر عشرات الآلاف، وكان في مقدمتها القيادي بالحرية والعدالة فريد إسماعيل وسط بعض الشباب الصغير من تأمين الإخوان، واشهد أن الرجل طالبهم مرات بالابتعاد عنه، وبعد لف طويل من بعد المنصة العسكرية اقتربنا من الحرس الجمهوري وكان رأي الأخير العودة فيما رأى الجميع الوقوف أمام الحرس، ولما استجاب الرجل بدا عليه الحذر الشديد أمام مبنى عملاق حكومي في الجهة المقابلة لمبنى الحرس، وأنا أمعن النظر في وجهه كنتُ أعرف تماماً أن ليال مدمية قادمة في الطريق، وإن كانت المسيرة تمت بلا ضحايا فإن مسيرات أخرى لم تتم إلا بارتقاء شهداء..

 

في طريقي للعودة من ميدان رابعة كنتُ أمر أحياناً بحي الدويقة، عبر مواصلات، ولن أنسى في ليلة امرأة هبطت بعدد من الوجبات الخاصة للإفطار، وقد استطاعت الاحتفاظ بها، وكانت تطبق عليها في اعتزاز شديد، ليلتها فرحتُ جداً بمن في رابعة، وتأكدتُ أن الله تعالى ناصرهم، ولو بعد حين، طالما توافرت هذه الروح السمحة لديهم، وكم من الفقراء طعموا من ميداني الاعتصام الأبرز في مصر، وبقية الميادين؟

 

وكانت الأيام تقربنا من ليلة العاشر من رمضان، الجمعة الثانية من شهر رمضان، فيما موقف محاصرة القصر الجمهوري السلمي أو شىء بارز كهذا لا يكرره الإخوان، إذ يذهبون للقصر ويعودون فحسب، وكنتُ أنظر بترقب لما سيحدث في ذلك اليوم، كما كنتُ أطالع أعداد الشهداء يومياً، وبوادر فشل الانقلاب في رد فعل العالم، فيما عدا أمريكا وأوربا إذ ما تزالان تعولان على نجاحه، كنتُ أترقب المشهد داعياً الله تعالى أن ينجح الإخوان ومن يطلق عليهم ظلماً الإسلاميون، إذ إن كل من لا يعادي المشروع الإسلامي بل كل مسلم هو إسلامي بالفعل، بل كنتُ أرقب الشرفاء في مصر كلها في انتظار مر لأمر ما قادم، وإن كنتُ لا أدعي معرفة كنهه، متذكراً أن انتظار الفرج من الله تعالى عبادة من العبادات..

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية