ليالٍ جبنتُ فيها(11)
إسلام ثابت
ليالٍ جبنتُ فيها(11)
كانت الجموع تهدر مغادرة الميدان بالمئات بل الآلاف فيما الزحام لا يخف في الميدان، وكأن نهر الذاهبين للقصر الجمهور للاعتصام السلمي يوم الجمعة 12 من يوليو الثالث من رمضان المبارك الحالي يجدد نفسه بنفسه، كان معي ابني الصغير فخفت عليه من الدهس من شدة الزحام فحملتُه فوق كتفي، واضطرنا للبقاء قرابة ربع الساعة على جانب الذاهبين للاعتصام المفترض، وما إن برزتُ للجموع به حتى عاد الخطر جلياً من جديد، إنه ليكاد يسقط بين أقدام الآلاف الذاهبة للقصر ولا حل، اضطررتُ ومعي قرابة العشرة بل دفعتنا الجموع لخيمة بها بعض إخواننا النوبيين، وهناك شاهدتُ صبية تبكي فدفعت بابني ليسأل أمهما فقالت:(تعرضت لمحاولة دهس)..
بعد قرابة ربع ساعة اخرى استطعتُ الخروج به، وفيما أمضي وسط الجموع كان عقلي يعمل بسرعة:كيف يمكنني إعادته للبيت، أعطيتُه مالاً كافياً، وهاتفاً محمولاً، ولكنه صغير لا يعرف العودة ولا آمن عليه بحال من الأحوال، وفيما تمتد الشوارع بي، وأرى ذعر العامة من مجرد تخيل الفكرة التي نحن ننفذها بالفعل لا بصدد تنفيذها، فيما رجل يحمل ابنته الصغرى الرضيعة على يديه، كان عقلي يتدبر كيفية عدم استطاعة اندساس أحد بين جموع الإخوان، كما يحدث مع الآخرين، وتمنيتُ أن يستمر الأمر على هذا النحو دائماً، دققتُ في الشباب الهادر من حولي إن فيهم من يزيد عمره على عمر صغيري بعدة سنوات ويمضي بمفرده، ألا يعز هؤلاء على أهليهم أيضاً؟
أما الهتاف السائد بين الشباب فكان:(اقتل واحد .. اقتل ميه مصر هتفضل إسلامية) شباب في عمر الزهور ليسوا من الإخوان، وفتيات وصغار بالغوا الانفعال، ما الذي فعله بمصر السيسي؟ لم ينزل مثل هذا العدد للشوارع، ولم يثر الشعب المصري بنفس هذا الحجم قيل منذ مائتي عام فيما لا يريد تصديق هوالأمر على نحو جدي؟
ووسط تقدم عشرات الألوف، ووسط هتافات بلا منصة تتقدمهم، فوجئتُ بعدد من الملتحين من أعمار متقاربة عائدة من الطريق الآخر، فاستوقفتُ عدداً منهم للسؤال:لماذا؟ فقال أحدهم لي: لا شىء نفعله هناك..
هنا شككتُ في رغبة الإخوان في البقاء عند القصر، وللحقيقة فإن جماعة مثل جماعة الإخوان، مرت بمحن كثيرة ونجت من بلايا لا حد لها فمن الطبيعي أن يكون اتخاذ القرار فيها يستلزم وقتاً، هذا مع محبتي وإخلاصي وتقديري لكل يد تبني في مصر والعالم، ولكن ما أراه أن استراتيجية الإخوان التكتيكية تتغير لكن تغيراً بطيئاً للأسف حتى الآن لا يواكب التغييرات الشديدة القائمة على ارض الواقع، نعم للتفكير النظري أبعاد، وللعمل الميداني خطورات، ولكن الثورة لم تقم وفق المنظومة الإخوانية للاصلاح، وهي معروفة، من إصلاح الفرد والأسرة والشارع والمجتمع ومن ثم الدولة، وقبل الإخوان منطق الثورة (25 من يناير) وأعطاهم الشعب ثقته ومن ثم الحكم، ثم انقض العسكر على الأمر، أو ليس الواقع اليوم يدعو لفعل سلمي مناسب..؟ تمنيتُ في الطريق..
عند الوصول للقصر اتضح أن العد أكبر بكثير مما كنتُ أتوقع، وأن القصر يقع بين طرفين من المتظاهرين كلاهما كبير العدد، وكانت السيدات يتوجن العدد بالفعل مع الصغار، وانبرت سيارة بميكروفونات تحيي الصمود غير العادي للمصريين، وتخاطب جنود الجيش إننا إخوة لهم نريد سلامهم والحرية لبلدنا وبلدهم، وأمن على كلماته أحد شيوخ الأزهر بل دعا دعاء رائعاً لمصر والجيش على حد سواء فيما عدا مفسدي القادة بما فيهم السيسي نفسه، ورأيتُ بعيني أحد أفراد الجيش وقد وضع السلاح إلى جواره في إشارة لرفضه إطلاق النار علينا، وقد منع الشيخ والمتحدث باسم المنصة مجرد الاقتراب من السلك الشائق الذي نصبه الجيش على طرفي القصر، ولهم الله شهداء الاتحادية في عصر مرسي..
قال المتحدث باسم المنصة أنه يمنع الانصراف إلا بإذن وللضرورة، والسحور في الطريق، كنا تجاوزنا الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وبدأت صلاة التهجد بركتين، فيما الشباب والكبار والنساء يستعدون للركعتين الجديدتين أعلنت المنصة عن انصراف الجميع الآن من أمام القصر، ولما اعترض الشباب بخاصة من ذهبوا للتأمين وكبار السن قال الرجل:
ـ الجيش أخبرنا أن الداخلية ستضربكم فآثرنا تفويت الفرصة عليهم بخاصة ان رسالتنا وصلت.
