ليالٍ جبنتُ فيها(8)
إسلام ثابت
ليالٍ جبنتُ فيها(8)
أول أيام الشهر الفضيل الأربعاء الماضي كان علي الإفطار مع أسرتي في ميدان النهضة بالجيزة، ترقبتُ السائقين الذين يستفزون الشباب الواقف على البوابات في مداخل الميدان المفتوحة من جهات لا تحصى، منها الأسوار الحديدية للجامعة وحديقة الأورمان، وكم جر الأمر عليهم طلقات خرطوش ونيران بل بلطجية هجموا على المعتصمين لن أقول في حماية الجيش بل في ظل استدارة وجهه بعيداً عن الحدث لكيلا يراه، وما حدث الخميس 4 من يوليو وما بعده شاهد عيان على التباطؤ في حماية أناس هم مصريون في الأساس قبل أي انتماء، ومعذرة إلى الشهداء فإن طوفان الدماء ينسينا الاحتفاء ببعضهم، فكم مات وجرح واصيب في ميدان النهضة في غفلة من قلوب وعقول الشرفاء، ولك الله تعالى يا كل شهيد ومصاب جديد على ارض مصر؟ لِمَ لم يحدث مثل هذا الأمر مع مصريين (آخرين) أغلقوا ميدان التحرير لشهور طويلة تقارب العام وأكثر؟
رأيتُ كيف يتشفى، للأسف أنصاف البشر في الشرفاء من سائقين وبلطجية يرغبون في الشجار المباشر مع الإخوان، وكيف يضبط الآخيرين أنفسهم بمشقة حيالهم، وكنتُ قد شاهدتُ مساء الخميس 5 من يوليو كيف باغت البلطجية المتظاهرين وكيف سالت الدماء وارتفعت رائحة المسك من دماء الشهداء بفعل خارجين على القانون في حماية أرباب القانون، وقبلها انتقلتُ لكوبري الجامعة ولشارع مراد أمام حديقة الحيوان لما قيل: إن الجيش يمنع المتظاهرين من الوصول للميدان، وكان أمراً بالغ البشاعة بالفعل كانت هناك قنابل مسيلة للدموع من ناحية الدقي من شارع مراد، أما كوبري الجامعة فكان محتلاً تماماً من قبل مشاة بالجيش، وعند وصولي كان الشباب يهتفون بالمجندين والضباط ألا يطلقوا النار عليهم لإنهم إخوانهم، وفيما كان بعض المجندين فوق الدبابات يؤكدون ذلك كان الشباب يشيرون على أحد الضباط قائلين: إنك تضرب في المليان بدون سبب، ورأيتُ بعيني الجبان، وإن كنتُ لا أحب القول بأن في جيشنا جبان، رأيتُ الجبان وهو يخشى الجمع فيشير معتذراً في خسة وارتباك، ووسط الجمع المقدر بالمئات تحرك على الفور رائد مرتدٍ لملابس زيتية مخالفة للزي الفاتح لبقية الضباط والجنود، ذهب للضباط بعيداً عن مسامعي ومسامع المتظاهرين ثم عاد إلينا بعد تضاحك معه كثيراً، وبدأ الشباب يلتف حوله عشرات الشباب والملتحين يناقشونه فيما لا يكف عن الصياح والقول: أنا أجادل واناقش مائة منكم فأنا معتاد على هذا، ووضح أن الرجل من الشئون المعنوية، ولما قال له احدهم: لم تنفعل علينا ولم تنفعل على من أغلقوا ميدان التحرير واغتصبوا الفتيات فيه؟ قال: هؤلاء يقولون أنهم أغلبية فاثبتوا العكس وساعتها نقتنع، ووقفت الكلمة الأخيرة على شفته فلم يستطع إكمالها، أما أبشع ما قال فهو: إننا إخوانه لا أوامر لديه بالضرب فينا إلا إذا فكر أحدنا في(عوج) شعرة من رأس ضابط أو مجند شمال، ساعتها (سيجيب) عاليها واطيها، وكان لكلماته تأثير السحر في إلتئام المتظاهرين ومجئ العشرات بل المئات لمكانه وللميدان أو هكذا خيل إلي، وقد أصيب حينها اثنان على الأقل..
يوم الأربعاء الأول من رمضان تذكرتُ شعب بني طالب لما خرج الرسول، صلى الله عليه وسلم، وآله إليه في مكة، إن المتمسكين بدينهم يفطرون في الشوارع لضيق العلمانيين واليسارين والليبراليين .. آلخ .. آلخ بهم، ألا لعنة الله على التطرف والتعصب من كل حدب وصوب، بعد الصلاة بدا واضحاً الضيق على أفواه العشرات من الصارخين ب:( حسبنا الله ونعم الوكيل في هدير صاخب يدل على مقدار عمق الجراح في النفوس في ظل استهانة غير مسبوقة بدماء المصريين، وكان ميدان النهضة يستعد لإطلاق عدد جديد من الشهداء في أيام مقبلة..
