
تنويعات إسلامية بمناسبة إعلان الخلافة
عبدالله أمين الحلاق
تنويعات إسلامية بمناسبة إعلان الخلافة
كان لإعلان الخلافة الإسلامية في المشرق العربي "وفي العالم تالياً"، والدعوة لمبايعة أي بكر البغدادي، وقع المفاجأة على الذين لم يكونوا يتمنون كل هذه "المَكْرمات" من دولة الخراب العميم. أغلب العاملين في الشأن السياسي والثقافي والباحثين في الحركات الإسلامية، كانوا يتوقعون أن تحين تلك اللحظة التي "سـتتوِّج" بها "الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش" نفسها بــ "خليفة راشدي سادس" ، إلا أنهم بقوا مُربَكين جراء ما يحدث، ومردّ ذلك ربما هو التساؤل عن الخطوة اللاحقة لإعلان خليفة المسلمين.
يشكل مشروع داعش في المنطقة واحداً من أكثر نماذج الدولة الإسلامية جذرية وتطرفاً، وهو في الوقت نفسه من أكثر مشاريع الإسلاميين المشرقيين "السوريين وغير السوريين" تصالحاً مع الذات، إذا ما قورن بحالات الفصام الحاصلة بين خطاب بعض الإسلاميين الآخرين وبين مشروعهم الضمني. أما "داعش"، فهي قمة هرم التطرف والتشدد الإسلامي التي خدمتها ظروف الواقع، ونعني الفراغ الحاصل في سوريا والدعم والتسهيلات الأمنية والعسكرية التي تلقتها بشكل غير مباشر من نظامي طهران ودمشق.
حيث يكون الفراغ تكون "القاعدة". هذه بديهية رياضية يفترض أن يعرفها الجميع بمن فيهم الأمريكان، الذين غضوا الطرف كثيراً عما يحدث في سوريا على أيدي النظام السوري أولاً وعلى أيدي ربيبته داعش، والتي كان قادتُها، كما قادة جبهة النصرة، في قبضته ذات فترة ولسنوات في سجن صيدنايا الرهيب، قبل أن يخرجوا "فجأة!!" ليقودوا مشروع الدولة الإسلامية، أي مشروع تخريب الدولة المدنية الذي كانت تحبل به الثورة السورية في بداياتها إن هي انتصرت على نظام الأسد. فإذا أضفنا إلى سواطير هؤلاء الآتين من سجن صيدنايا ومن العصور القديمة معه، أسلحة النظام وبطشه أولاً، ثم تفكك المعارضة وقلة سلاحها وعتادها، وغض النظر الجولي والصمت عن المجازر الحاصلة، وتهيئة البيئة السورية لنمو التطرف ودخول المقاتلين الأجانب، بات المشهد السوري أسوداً بما لا يحتمل، لا يتوازى مع راياته الجهادية السوداء الباحثة عن الخلافة الراشدية السادسة، إلا الرايات الجهادية الصفراء لحزب الله الذي يقاتل الثورة إلى جانب النظام "العلماني" في سوريا، والباحث عن مهديه المنتظر في سراديبها وأنفاقها.
وبالعودة إلى الإسلاميين عموماً.. فإن داعش هي الأكثر وضوحاً وصدقاً من الإسلام السياسي العربي الذي لا يفتقد مشروع الدولة الدينية إلا فيما ندر. لن تكون الدولة الدينية التي يبحث عنها الإخوان المسلمون السوريون مثلاً، والتي لم يعلنوا توقهم لها في خطابهم المعلن، دولةً على غرار دولة داعش في انضباطها وعقائديتها، ولا متقاطعة بالضرورة مع مشروع زهران علوش وجيش الإسلام الذي فتك بالثورة السورية وناشطيها أكثر مما فعل بالنظام. لكنها لن تكون دولة مدنية بالتأكيد، وإلا كان حرياً بهؤلاء أن يكونوا "إخواناً سوريين" وليسوا "إخواناً مسلمين". هؤلاء الإخوان قدموا عدة وثائق ومواقف منذ ربيع دمشق عام 2000 عن قبولهم بالديمقراطية وبالدولة المدنية، وكانت وثائقهم وأبرزها "ميثاق الشرف الوطني" خالية من أي إشارة إلى المجتمع والحريات العامة وإلى الآخر بالمعنى العميق والدقيق للكلمة. لقد كان ميثاق الشرف ميثاقاً سياسياً إجرائياً فقط، يقول بنفي العنف وقبول الحوار والإجراءات الديمقراطية. سيعترض الإخوان المسلمون على داعش بالطبع لأن مشروعها متطرف وغير مقبول حتى بالنسبة لهم، فَهُم ليسوا حملة راية دولة دينية على غرار داعش، إلا أنهم أيضاً ليسوا حملة راية دولة مدنية تشاركية كما نفترض، وقد بدأت أولى الإشارات على ذلك عبر هيمنة الإخوان على قرار المجلس الوطني السوري المعارض ، وما أثاره ذلك من سخط في صفوف الثورة، ومحاولات حثيثة لاحتكار تسليح الجيش الحر ، وغير تلك من "احتكارات" لا تقوم على أي مشاركة في القرار إلا المشاركة الشكلية مع البعض.
وقصارى القول أن الجماعات العربية المسلمة وغير المسلمة، هي أكثر من تتعرض للغبن بفعل هذا النمط من المشاريع، ونحن لا نتحدث هنا عن داعش وخلافتها المحدثة، وإنما عما هو أقل من راديكالية داعش بكثير: أحزاب وتيارات إسلامية إخوانية وغير إخوانية في سوريا ومصر وغيرهما، تبدو بعيدة عن فهم الديمقراطية وتداول السلطة وعدم احتكار الدين أو الدولة أو السياسة، بعكس ما فعلت حركة النهضة التونسية مثلاً والتي كانت أكثر براغماتية من إخوان مصر وإخوان سوريا، على الأقل تحسباً لخسارة محتملة لها.
أما قَسْر الجموع تحت راية مشروع إسلامي ديني، فهو ما لا يعادله إلا قسرها تحت أحذية حكم العسكر كما فعلت أنظمة عربية كثيرة، يبقى نفاق الإسلاميين أحد أكثر التبريرات لهذه الأنظمة ولِما فعلته بالشعوب وخاصة في سوريا ومصر، وهو نفاق لا نجده مثلاً، وللمفارقة والسخرية، عند الدولة الإسلامية التي يحمل رايتها "الخليفة أبو بكر البغدادي"، ذاك أن هذا الأخير وأتباعه ذهبوا صريحين بمشروعهم ورؤيتهم للدولة منذ البداية حتى النهاية، ومن دون مواربة أو نفاق، ومن دون خطاب علني مختلف عن المشروع الضمني، بغض النظر عن رأينا الأكيد بهذا المشروع وهذه الدولة وهذا الخليفة.