رئيس التحرير: عادل صبري 07:20 مساءً | السبت 18 أكتوبر 2025 م | 25 ربيع الثاني 1447 هـ | الـقـاهـره °

الحرة منى مينا

الحرة منى مينا
05 ديسمبر 2016

الحرة منى مينا

إكرام يوسف

"لست طامعا في شيء، ولا أخاف من شيء. أنا حر"!

 

تذكرت مقولة الفيلسوف اليوناني نيكوس كازانتزاكس، وأنا أتابع مواقف الدكتورة منى مينا المتهمة مؤخرا ببث دعاية كاذبة، لمجرد أنها في حديث عن مشكلات المنظومة الصحية، حذرت من وجود نقص حقيقى في العديد من أنواع الأدوية والمستلزمات الطبية مما يزيد من معاناة المريض المصري. وطالبت المسئولين بسرعة اتخاذ الإجراءات الواجبة لحل هذه المشكلات.

 

قرروا التنكيل بالحرة التي لم يسل لعابها أمام ذهب المعز ولم ترتعد من سيفه! منذ نحو أربعين عاما وهي تواصل النضال، لا يدفعها سوى حب الوطن والفقراء.

 

 

وأشارت في حديثها إلى استغاثة وردت إليها من أحد الأطباء، يشكو من صدور تعليمات شفهية من إدارة مستشفى باستخدام نصف كميات المستلزمات المقررة للمريض وإمكانية استخدام السرنجة لأكثر من مرة لنفس لمريض (و ليس من مريض لآخر) حتى يتم تقليل الاستهلاك، نظرا لوجود عجز بالمستلزمات! وسرعان ما تلقف المغرضون الأمر لرفع دعوى تتهمها ببث شائعات كاذبة! ولم أدهش عندما علمت أنها رفضت ـ في أثناء التحقيق معها ـ الإفصاح عن اسم مرسل الرسالة، فلو لم تفعل هذا لما كانت منى مينا! لكنني كنت آمل أن يتقدم عدد من أطباء المستشفيات الحكومية يبلغ كل منهم عن نفسه بأنه مرسل الرسالة، ويتقدم للإدلاء بشهادته، فيما نعرفه جميعا عن أحوال المستشفيات الحكومية! ولا أعتقد أن المحقق الذي ينظر في القضية يجهل حال هذه المستشفيات، حتى لو كان لا يتعامل معها! كما لا يتعامل معها معظمنا من أبناء الطبقة المتوسطة، مفضلين تكبد تكلفة المستشفيات الخاصة، هربا من مخاطر التعامل مع مستشفيات الحكومة، بما تعانيه من تدهور في الخدمة ونقص في التجهيزات، وخطر التقاط العدوى، وسوء التعامل مع الفقراء الذين يضطر بعضهم للنوم على البلاط في طرقات المستشفى، لنقص عدد الأسرة!


والمدهش، أن بعضهم بلغ من الصفاقة حد اتهام الطبيبة الحرة بأنها تسيء إلى سمعة البلاد، وتؤثر على السياحة العلاجية، مع ما نعرفه جميعا عن تدهور حال السياحة في مصر عموما والسياحة العلاجية بوجه خاص!


كان الخبر مستفزا، وسرعان ما احتشد المصريون من جميع أنحاء البلاد للإعراب عن تضامنهم، وفي خلال يومين بلغ عدد الموقعين على بيان التضامن نحو ألف مواطن بالإضافة إلى النقابات والجمعيات. فقد أدرك الجميع أن من بيدهم الأمر قرروا انتهاز الفرصة للتنكيل بالحرة. فهي ليست طامعة في شيء، ورفضت عرض الوزارة في حكومة الجنزوري، كما رفضت التعيين في مجلس الشعب؛ كما أنها ليست خائفة من شيء، تقول: "لا أحب السجن ولا أتمناه بالطبع، لكنني لست خائفة منه".


قرروا التنكيل بالحرة التي لم يسل لعابها أمام ذهب المعز ولم ترتعد من سيفه! منذ نحو أربعين عاما وهي تواصل النضال، لا يدفعها سوى حب الوطن والفقراء.

 

يقول زوجها ورفيق نضالها وسندها الأول المهندس سعيد عبد الفتاح أبو طالب: "تخرجت منى في 83 وبدأت في قضاء فترة الامتياز بمستشفى ناصر العام.فاكتشفت كمية البؤس الخرافية التي تعيشها منطقة صناعية هامة سميت يوما ما من ناصر "يوركشير الشرق"، في اليوم ما لا يقل عن عشرة حوادث بها المقتول ممزقا بمطواة أو بطلقة، والانتشار المكثف لحالات الجرب، وانتقلت بعد الامتياز إلى الوحدات الصحية، ولا تكمل ستة أشهر في إحداها إلا وتطلب نقلها بعد عركة ضد مدير مرتش أو جاهل".

 

ويواصل المهندس المناضل سعيد أبو طالب الحديث عن سنوات النضال الأولى التي تشارك فيها الزوجان هم فقراء الوطن: "دخلنا بيوت العمال واكتشفنا دورات مياه بائسة داخل حجرات النوم، ومنازل ضيقة لا ترى الشمس. 
امتلأ صدرانا من دخان ناروبين، وعادم الميكروباصات. وعايشنا مواطنين يعتدون على الشرطة بشكل معتاد حتى لو كان المصير السجن. 
في مستشفى ناصر وجدت أحد البلطجية وتاجر مخدرات يقيم بالمستشفى بدلا من الحبس الاحتياطى بالسجن، وقد تم تعيين أحد الأطباء لحقنه بحقن المخدرات، فاحتجت وكانت النتيجة نقلها، المدير قال لها عاوزة تتنقلى، مع ألفين سلامة.
 وفي وحدة صحية كان الوارد عليها 150 حالة يومية، وبسبب إنها بتكشف بما يرضى الله، جاءها المدير مطالبا إياها بالكروتة، طلبت منه مساعدتها في الكشف بدلا من مطالبتها بالإهمال، جاءت له سيدة بطفلتها الصغيرة، فنصحها بكبسولات مضاد حيوى، قالت أن البنت لا تستطيع ابتلاع الكبسول، قال حطيها في فتحة الشرج، صدقت الأم ـ وكانت أمية ـ فالتهبت الطفلة، وحين عاد زوجها المتعلم من سفر، اكتشف الكارثة، توجها لمنى، صحبتهم إلى نقابة الأطباء وإلى الإدارة الصحية بشبرا الخيمة لتقديم شكوى، كانت النتيجة نقل المدير وتعيينه مديرا بمستشفى آخر".


هي نفسها الطبيبة التي اختارت أن تفتتح عيادتها في منطقة شعبية عمالية لعلاج غير القادرين، وتقول الزميلة الصحفية إيمان عوف "فتحت عيني لاقيت جيراني في بهتيم؛ زوجات العمال وأبناءهم بيروحوا عيادتها حتى لو ممعمهش تمن الكشف ويرجعوا مجبورين الخاطر، وبيحلفوا بحياتها. منى مينا عارفة يعني إيه ميكونش معاك تمن العلاج وعارفه يعني إيه تكون نضيف وشريف".


"الحرة" اختارت طريق النضال من أجل الفقراء، كما اختارت العمل النقابي دفاعا عن مصالح الأطباء، حماية لحق الجميع في علاج حقيقي. وكان باستطاعتها أن تقضي حياة مرفهة، تكفلها لها عيادة في منطقة راقية، وربما استطاعت أن تشارك في ملكية مستشفى خاص، مثل زملاء لها كثر. لكن الحياة اختيارات. وقد اختارت أن تكون "حرة" ليست طامعة في منصب أو ثروة أو جاه، ولا تخشى في الحق لومة لائم.

 
لم يجد أعدائها ـ أعداء الفقراء ـ إلى النيل منها سبيلا، فلا يمكن شراؤها، ولا يجدي تهديدها، فلجأوا ـ كعادتهم مع الشرفاء الذين لا يجدون نقيصة يطعنوهم بها ـ إلى الفجر في الخصومة: استقطبوا المتعصبين المسلمين للوقوف ضدها في النقابة بسبب ديانتها، مدعين أن الكنيسة تدعمها! كما استقطبوا المتعصبين المسيحيين للوقوف ضدها بسبب زواجها من مسلم. بل، بلغ بالبعض منهم الفجر حد اتهام زوجها المناضل اليساري بأنه من قيادات الإخوان المسلمين! وعلى الرغم من ذلك، التفت جموع الأطباء حول "الحرة" التي أثبتت عبر نضالات عديدة إخلاصها لمهنتها، وصدق اهتمامها بالأطباء الشبان بوجه خاص، والعاملين منهم بالمستشفيات الحكومية، في ظروف تعوق قدرتهم على تقديم خدمة حقيقية للفقراء. وكانت "الحرة" عند حسن ظن زملائها، فلم تتوقف لحظة عن الانتصار لقضاياهم، والمطالبة بحقوقهم، وشاركت في تنظيم إضرابات الأطباء في مايو2011 وأكتوبر 2012 للمطالبة بتحسين الأجور وتأمين المستشفيات، ورفع ميزانية الصحة في مصر. كما كانت لها وقفتها الصارمة والحاسمة دفاعا عن كرامة الأطباء ضد غطرسة رجال الشرطة، واعتداءاتهم المتكررة على زملائها. ولما كانت "الحرة" قد اختارت منذ صباها الانحياز لفقراء الوطن، كان من الطبيعي أن يعرفها ميدان التحرير خلال أيام ثورة 25 يناير؛ أحد أعمدة المستشفى الميداني الذي أنشئ لإسعاف المصابين من المتظاهرين. 

 

"الحرة" اختارت طريق النضال من أجل الفقراء، كما اختارت العمل النقابي دفاعا عن مصالح الأطباء، حماية لحق الجميع في علاج حقيقي.

 


لا شك أن "الحرة" عندما اختار حياة النضال من أجل تغيير الوطن لصالح فقرائه، وعندما اختارت العمل النقابي وسيلة لتحقيق هذا الهدف، كانت تعرف أن الطريق شاق وطويل، مليء بالأشواك والتضحيات، لكنها اختارت لنفسها خيار الأحرار "إما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا". وكان إلى جوارها رفيق حياة وكفاح، سندا وداعما. 


تحية إلى الزوجين الرائعين، فمنهما نستمد الصلابة والصمود، ونشحن بطارية الأمل في غد يليق بوطننا، نؤمن أنه سوف يتحقق ما دام بيننا أمثال الحرة وزوجها الحر.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية