رئيس التحرير: عادل صبري 05:15 مساءً | الجمعة 04 يوليو 2025 م | 08 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

تهجير المسيحيين كنتيجة طبيعية لتكاتُف الشرق والغرب

تهجير المسيحيين كنتيجة طبيعية لتكاتُف الشرق والغرب
01 أغسطس 2014

تهجير المسيحيين كنتيجة طبيعية لتكاتُف الشرق والغرب

عبدالله أمين الحلاق

تهجير المسيحيين كنتيجة طبيعية لتكاتُف الشرق والغرب

أن يعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" دولة الخلافة، وأن يخطِب "أمير المؤمنين" خطبته الغراء على الملأ من عباد الله الصالحين وغير الصالحين، هو لعَمري أمرٌ يستدعي الانتقال السريع من النظرية إلى التطبيق، وهو التطبيق الفعلي لبعض تعاليم الإسلامالتي تحولت إلى كل تعاليم داعش، وها نحن نرى عملية تهجير المسيحيين من السكان الأصليين لهذا المشرق والعراق إلى جهات العالم الأربع، بانتظار  أن يكون الإسلام هو اللون الوحيد لهذه المنطقة، و أن يكون إسلامداعش هو اللون الوحيد للإسلام.

وبناء عليه، لا مكان لـــ "ذمي" مسيحي في هذا المشرق. إنه الفتح المبين الذي لن يستوي إلا بتهجير المسيحيين، وليصبح المشرق مشرقاً أكثر اسوداداً مما كان عليه قبل تهجيرهم.

العراق يكاد يكون خالياً من المسيحيين، ومن بعده أيضاً سيكون المشرق العربي ما بقيت داعش ومشروعها الذي يتمدد، لكن وأبعد من ذلك، قد يقودنا هذا الحدث إلى الحديث والاستفاضة خارج نطاق التهجير الحاصل حالياً، أي الحديث عن الشرق بوجود المسيحيين والغرب بوجود مسلمين.

الفرق بين الشرق "المشرق" بوجود مسيحيين والغرب بوجود مسلمين، يكمن أساساً في أن المسيحيين هم جزء تاريخي ضارب في القدم بعمر تاريخ المسيحية في هذه المنطقة، ومكوِّن من مكونات النسيج الوطني للكيانات السياسية التي ولدت بعد الحرب العالمية الاولى، وإن يكونوا أقلية. إن وجودهم الديني والمجتمعي والإنساني أقدم حتى من وجود المسلمين في هذه المنطقة بحكم أسبقية التبشير المسيحي على الفتوحات الإسلامية. وبناء عليه، وبالمعنى التاريخي والثقافي، لا يمكن تخيل المشرق من دون مسيحيين إلا مشرقاً بلون واحدٍ، مشرقاً بعثياً في أفضل حالاته وداعشياً في أسوئها.

أما المسلمون في الغرب، فهم من الوافدين إلى هذا الغرب وليسوا من سكانه الأصليين، إلا من ندر ومن أسلم من الغربيين، وهم قلة، يحاول الإسلاميون في مجتمعاتنا تصويرهم على أنهم كثرة في أوربا والولايات المتحدة الامريكية، وأن هؤلاء الذين "اهتدوا" أخيراً كانوا قد اكتشفوا أن "ذميتهم" في البلدان الديمقراطية "الكافرة" هي الخيار الخاطئ في مقابل "دين الله الصحيح". وبناء عليه أيضاً، يمكن للمرء، شرقياً كان أم غربياً، أن يتخيل الغرب ببساطة من دونهم، ونعني من دون المسلمين المهاجرين الذين لم يكونوا ولن يكونوا جزءاً من تاريخ هذا الغرب الذي صنعه مفكرو عصر النهضة والأنوار الذين تمردوا على الكنيسة أصلاً، ولم يصنعه المسيحيون المحليون فيه بصفتهم "مسيحيين". واذا حصل وقدّم احد المسلمين جديداً ما، أو إبداعاً علمياً او فكرياً في المجتمع الغربي الحاضن له، كان ذلك ذو علاقة بالبيئة التي ترعى إبداعه وليس لأن الله تحدث عن دوران الأرض ومعجزات النطفة والبويضة في القرآن قبل 1400 عام.

سيقول البعض أن الغرب ليس جنة لساكنيه وللوافدين إليه، وهذا صحيح بالطبع، خاصة في البلدان التي لها تاريخ عريق في الإساءة للآخر الآتي من بلدان الجنوب العربية والإفريقية "السوداء"، مثل فرنسا مثلاً، إلا أن هذا ليس القاعدة على هامش استثناء يراد له ان يكون هو القاعدة، والحديث عن الإساءة التي يتعرض لها بعض المسلمين في الغرب ينبغي أن يقترن برفض أي ممارسة وتمييز على أساس عنصري أو ديني في هذا العالم، من شرقـــ"نا" إلى غربــ "هم".

المسألة يفترض أن تكون مبدأية لا انتقائية هنا، أي رفض كل تمييز او إساءة او تهجير لأي شريحة بشرية ولأي فرد أيضاً، على أساس الأفكار والمعتقدات طالما بقيت ضمن حرية الاعتقاد الشخصية التي لاتهدد سلم المجتمعات التي يقطن فيها هؤلاء، سواء كانوا سكاناً محليين يشكل تهجيرهم الطامة الاكبر التي تهدد الاجتماع السياسي من أساسه، أو كانوا مهاجرين في بلاد اللجوء والترحال من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب.

في بعض الغرب، هناك إساءة احياناً للمسلمين لأنهم مسلمون فقط، وهذا منطق استشراقي مريض بالشرق، لكن هذه الإساءة تبقى مزحة سمجة مقارنة بما يتعرض له "ذميون" في مشرق التدعيش والأصوليات هذا، لا تقض مضجع مسار إسلامه الداعشي حتى تلكالابتسامة الصفراء ودماء الأكثرية السنية في سوريا"وبعض الأقليات أيضاً"، وهي الدماء التي تقطر من فم بشار حافظ الأسد، أسد هذه الغابة و"حامي الأقليات" فيها..

المنطقة العربية وخصوصاً المشرق العربي اليوم على كف عفريت، ليس بمعنى أن انفجاراً ما قد يحصل، وإنما لأن نتائج الانفجار الذي حصل على شكل ثورة في سوريا، هو انفجار أريد له ان ينتهي إلى ما هو الحال عليه، وليس لما يفترض أنه حصل لأجله، وسيستمر على هيئة وشكل تعفن وتفسخ مديد لمجتمعات لم تعرف الحداثة يوماً إلا بقشورها، وهو ما تبدأ المسؤولية التاريخية عنه من بشار الأسد ولا تنتهي في الضفة الاخرى من المتوسط، حيث الغرب الذي ينظر بعين الحزن لما يتعرض له المسيحيون فقط كأقلية، ولا أحد غيرهم، من دون أن يعني ذلك أنه سيتصرف بمسؤولية تليق بالديمقراطية والاستقرار  اللذين أنجزهما منذ قرنين من الزمن.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية