
فى عصر مبارك شاركنا فى أسطول الحرية !
محمد سيف الدولة
فى عصر مبارك شاركنا فى أسطول الحرية !
أين القوى والشخصيات الوطنية المصرية من الأسطول الثالث للحرية، الذي توجه إلى فلسطين، رغم التهديدات الإسرائيلية، فى مهمة نضالية سامية لكسر الحصار الذى تفرضه قوات الاحتلال على 1.8 مليون فلسطينى فى غزة، أكثر من نصفهم من الأطفال.
***
فى عصر مبارك وبالتحديد فى مايو 2010، دعم المصريون الأسطول الأول وشاركوا فيه بنائبين برلمانيين. وهو الأسطول الذى أثار الاعتداء الصهيونى البربرى عليه، ضجة عالمية كبرى بعد أن أسقط تسعة شهداء من ركابه المدنيين السلميين. واعتقل باقى ركاب السفينة "مافى مرمرة"، كان من ضمنهم محمد البلتاجى وحازم فاروق.
أتذكر يومها كيف تداعينا جميعًا من كافة التيارات فى دقائق معدودة، لنتجمع أمام مبنى وزارة الخارجية المصرية على كورنيش النيل، للمطالبة بالإفراج الفورى عن البلتاجى وفاروق، والمطالبة بطرد السفير وسحب السفير الذى لم يُسحب إلا تحت ضغط الحالة الثورية والرأى العام بعد العدوان على غزة عام 2012، وهو السفير الذى أعاده السيسى منذ أيام قليلة.
***
واليوم ينظم تحالف شعبي عالمي الأسطول الثالث للحرية. يتكون هذا التحالف من عدد من المؤسسات والجماعات متعددة الجنسية غير الحكومية، ويضم أربع سفن تحمل ما يزيد عن خمسين مشاركًا من أكثر من 20 دولة. يستهدفون جميعًا كسر الحصار الذى فرضته إسرائيل على القطاع المحتل المقاوم منذ تسعة سنوات.
وهو الحصار الذى تشارك فيه - ويا للعار - السلطات المصرية منذ سنوات طويلة، فيما عدا الشهور الذهبية الأولى للثورة المصرية، وكذلك فى الأسابيع القليلة التى تلت عدوان 2012.
والسلطة المصرية تشارك فى الحصار بذريعة التزامها بأمن إسرائيل وبتنفيذ اتفاقيات وتفاهمات كامب ديفيد المتعددة المنشورة والسرية. وآخرها اتفاقية فيلادلفيا الموقعة عام 2005، والتى تشترط استئذان إسرائيل وموافقتها على كل ما يتعلق بفتح معبر رفح وتنظيم حركة الأفراد والبضائع منه وإليه.
وهو الحصار الذى ضرب المقومات الأولية الضرورية للحياة فى غزة، ودفع أهالينا هناك أثمانًا باهظة له من دمائهم وأرواحهم فى ثلاثة حروب كبرى شنتها إسرائيل عليهم من 2009 حتى 2014، راح ضحيتها ما يقرب من 5000 شهيد وآلاف من الجرحى مع تدمير كامل للبنى التحتية ولمئات المنازل والمبانى.
إنه حصار يستهدف استسلام المقاومة، وإكراهها على التنازل عن أرض فلسطين التاريخية والاعتراف بإسرائيل وإلقاء سلاحها والانخراط فى اتفاقيات أوسلو التى كانت وبالًا على الفلسطينيين وقضيتهم.
ورغم كل هذه الغايات الصهيونية الشريرة والمعلنة، فإن السلطات المصرية تصر على المشاركة فى الحصار وفى خنق غزة ومراقبتها والتضييق على أهلها. بل وتزيد على ذلك ما فعلته مؤخرًا من هدم الأنفاق التى رفض مبارك نفسه هدمها، وإخلاء المنطقة الحدودية فى سيناء وتهجير أهلها من أجل تأسيس وإنشاء المنطقة العازلة، التى كانت تطالب بها إسرائيل منذ سنوات طويلة، وكانت السلطات المصرية ترفض إلى أن فعلها السيسى.
***
منذ ظهر المشروع الصهيونى إلى الوجود، والحركة الوطنية المصرية تناضل ضده، ثم ضد الكيان الصهيونى بعد 1948، ثم ضد الاعتداءات والحروب والتوسعات الإسرائيلية، ثم ضد كامب ديفيد ومعاهدة السلام، وضد الاعتراف بشرعية إسرائيل والتطبيع معها، وضد الكويز واتفاقيات الغاز والبترول والزراعة والسياحة...الخ. ولطالما دعم وناصر المصريون كل حركات وفصائل وعمليات المقاومة الفلسطينية فى كل المراحل والعصور.
***
وبعد الثورة، تظاهر الشباب وثار فى أسابيعها الأولى بعد أول اعتداء إسرائيلى على غزة بعد الثورة فى 8 إبريل 2011، وحاصروا السفارة الاسرائيلية وأرغموا العدو على إيقاف العدوان بعد أن حذرت السلطات المصرية نظيرتها الإسرائيلية بأنه لم يعد لها سيطرة على حالة الغضب الشعبى المصرى.
ثم تكررت حالة الغضب بشكل أكثر عنفًا بعد قتل الصهاينة لخمسة جنود مصريين على الحدود فى 18 أغسطس 2011، وحاصروا السفارة وهدموا "الجدار الخرسانى العازل" التى أقامته الحكومة لحمايتها، وتسلقوا المبنى وأسقطوا العلم.
كما نجح الرأى العام الثوري فى إيقاف تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، وقدموا مبارك ووزير بتروله وحسين سالم للمحاكمة بهذه التهمة، قبل أن يحكم لهم بالبراءة فى ظل أجواء عامة من الردة والثورة المضادة.
وعبروا عن غضب عارم مرة أخرى من الصيغ والعبارات الودودة التى وردت فى خطاب اعتماد السفير المصرى لإسرائيل، الذى أرسله محمد مرسى. ورفضوا ما قيل وقتها من ذريعة بأن الخطاب تضمن صيغة موحدة معتمدة من الخارجية المصرية فى كل الخطابات المماثلة لكل دول العالم.
وبعد العدوان الصهيونى "عامود السحاب" فى نوفمبر 2012، طالبوا بسحب وطرد السفراء ونظموا فاعليات وتظاهرات لإيقاف العدوان. وبالفعل تم إيقافه بعد ثمانية أيام لا غير، فى حين أن عدوان "الرصاص المصبوب" فى 2009 استمر 22 يومًا.
***
ولكن فى السنة الاخيرة، وبذريعة العداء لحماس وللإخوان المسلمين، بارك البعض أو التزم الصمت تجاه المواقف الرسمية المصرية المنحازة لإسرائيل والمتحالفة معها والمعادية والمشيطنة لكل ما هو فلسطينى. فى سلوك غريب وشاذ عن تاريخ وطبيعة وإدراك ونضال الحركة الوطنية المصرية عبر العصور. وهى التى وعت وأدركت منذ سنوات طويلة أن تحرير فلسطين وقضيتها أكبر من كل الأنظمة والتيارات والفصائل والخلافات. وأن المشروع الصهيونى يستهدف مصر بقدر ما يستهدف فلسطين.
***
لقد انطلق الأسطول هذه المرة من جزيرة كريت اليونانية، وفى 2010 انطلق من قبرص. فى حين أنه وفقًا لطبيعة الصراع ومنطق التاريخ وضرورات الأمن القومى وحسابات الوزن و المكانة، كان يتوجب منذ سنوات أن تتصدر مصر الشعبية قبل الرسمية كل حملات ومعارك مواجهة العدو الصهيونى ونصرة فلسطين والفلسطينيين مهما كانت الظروف ومهما كانت طبيعة الأنظمة الحاكمة.
وليس من المعقول أن يكون الأوروبيون أكثر منا دعمًا لفلسطين ولشعبها؛ فلقد وقع حوالي 100 نائب في البرلمان الأوروبي عريضة يدعمون فيها الأسطول ويدعون فيها رفع الحصار عن غزة وعدم التعرض له من قبل السلطات الإسرائيلية من بينهم نائب رئيس البرلمان "ديمتريوس باباديموليس ". وليس هذا سوى موقف واحد فقط على سبيل المثال وليس الحصر.
***
إننا ندرك أن بين السلطة الحالية بقيادة عبد الفتاح السيسى، وبين إسرائيل علاقات حميمة غير مسبوقة، وتنسيقات أمنية وتحالفات استراتيجية، تهدف إلى استجلاب الرضا والاعتراف والقبول الأمريكى والدولي بشرعية النظام عبر بوابة إسرائيل.
ولكننا لا نفهم لماذا هذا الصمت من أولئك الذين رأيناهم على الدوام فى مقدمة كل فاعليات دعم فلسطين ومناهضة إسرائيل وكامب ديفيد.
إن المشاركة الشعبية المصرية فى دعم أسطول الحرية، فى مواجهة التهديدات الاسرائيلية، والعودة إلى المطالبة بفك الحصار عن أهلنا فى فلسطين، وإعادة الاعتبار إلى المشروع الوطني المصري / العربي "الأصلى" القائم على مواجهة الكيان الصهيونى ومشروعه وتوسعاته وتهديداته وحلفاءه. هو واجب وطنى وقومى وإنسانى عاجل وحال، كما أنه فرصة للتطهر والتصحيح والعودة إلى الصراط الوطنى المستقيم.
للتواصل مع الكاتب..
Seif_eldawla@hotmail.com