رئيس التحرير: عادل صبري 07:25 صباحاً | الأحد 06 يوليو 2025 م | 10 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

حين سجنوا مصر فى 1981

حين سجنوا مصر فى 1981
31 أغسطس 2015

حين سجنوا مصر فى 1981

محمد سيف الدولة

حين يواجه الناس نظامًا مستبدًا باطشًا ينتهك الدستور والقوانين، ويصادر الحقوق والحريات، ويقضي على العدالة ويؤمم الحياة السياسية ويحظر المعارضة ويطاردها، ويعتقل من يريد منها، وينشر أجواء من الشك والتخوين والتحريض والكراهية، ويحكم قبضة الأمنية على كل شيء.


وحين يشعر الناس بالعجز ولا يعرفون ماذا يفعلون فى مواجهة كل ذلك، بعد أن تم تجريدهم من كل أدوات الرأى والتعبير والاعتراض والمشاركة، فإنهم يبحثون فى تاريخهم القريب عن محن مشابهة علهم يجدون فيها دروسًا أو مخارج لمحنتهم ومحنة البلد الحزينة.


وكذلك حين يضرب داء الصمت قطاعات واسعة من المفكرين والمثقفين والسياسيين والنخب، فيصمتون عن آلة البطش والاستبداد بل ويباركونها أحيانًا. فإنه قد يكون من المفيد تذكيرهم بمحنهم الشخصية يوم أن كانوا هم الضحايا ونزلاء السجون.

***

فى مثل هذه الأيام منذ 34 سنة، عاشت مصر محنة اعتقالات سبتمبر الشهيرة، حين انطلقت قوات الأمن وسيارات الترحيلات لتعتقل آلاف المصريين وتشحنهم إلى السجون.


بررها السادات حينها بأن هناك فئات مخربة تهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وسلامة الوطن مما يستوجب اتخاذ تدابير استثنائية لإنقاذ البلاد. وقال بالنص فى خطابه فى 5 سبتمبر 1981:


(منذ فترة ليست بالقصيرة حاولت بعض الفئات المخربة في مراحل متعددة إحداث فتنة طائفية بين أبناء الأمة وعملت جاهدة للقضاء علي وحدتها الوطنية، مستعملة في سبيل تحقيق أغراضها بعض الشعارات المضللة والوسائل غير المشروعة نفسية ومادية لتعويق مسيرة الشعب في طريق تنميته وازدهاره وديمقراطيته، وفي الآونة الأخيرة بصفة خاصة وقعت أحداث جسيمة هددت الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، إلا أن هذه الفتنة الباغية قد استرسلت في غيها واستهانت بكل القيم والقوانين، وتنكبت عن الطريق السوي وسلكت سبيل العنف والإرهاب وسفك الدماء وتهديد الآمنين، كما أن بعض الأفراد قد استغلوا هذه الأحداث وعملوا علي تصعيدها، الأمر الذي يجب معه اتخاذ إجراءات سريعة وفورية لمواجهة هذا الخطر الذي هدد الوحدة الوطنية وسلامة الوطن)..

***

كانت القائمة الأولى للمعتقلين تضم 1536 شخصًا من الكتاب والمفكرين والسياسيين والمثقفين الذين ينتمون إلى كافة التيارات الفكرية والسياسية المصرية بلا استثناء. ولأول مرة تجد القومى مع الاشتراكى مع الليبرالى مع الإسلامى مع الشيخ مع القس فى زنازين واحدة أو عنابر مشتركة.


من أبرز المعتقلين.. فتحى رضوان، عبد العزيز الشوربجى، عصمت سيف الدولة، نبيل الهلالي، حلمى مراد، فؤاد سراج الدين، فريد عبد الكريم، محمد حسنين هيكل، محمد فايق، عبد العظيم أبو العطا، محمود القاضى، عمر التلمسانى، مصطفى مشهور، الشيخ المحلاوى، الشيخ كشك، اسماعيل صبرى عبد الله، فؤاد مرسى، عبد الغفار شكر، حسين عبد الرازق، عبد المنعم أبو الفتوح، حمدين صباحى، كمال أبو عيطة، أبو الفضل الجيزاوى، لطيفة الزيات، أمينة رشيد، ميلاد حنا، أبو العلا ماضى، كمال السنانيرى، عبد العظيم مناف، صلاح عيسى، عبد العظيم المغربى وآخرين.

***

وتم تكليف أجهزة التحقيق، بالتعاون مع وزارة الداخلية، بتقسيم المعتقلين فرق وجماعات، وتفصيل وتلفيق التهمة المناسبة لكل فريق. وشهدت جلسات التحقيق مهازل نتيجة تهافت التهم والأوراق.


ولم يكن المعتقلون هم الضحايا الوحيدين لهذه الحملة، بل صدرت حزمة أخرى من القرارات ضد عديد من الشخصيات والمؤسسات الأخرى:


فتم نقل بعض أعضاء هيئة التدريس والجامعات والمعاهد العليا من وظائفهم بذريعة ممارستهم أنشطة لها تأثير ضار على الرأي العام وتربية الشباب وتهدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن.


كما تم نقل بعض الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلي للثقافة إلي هيئة الاستعلامات بنفس الذرائع.


كما تم التحفظ علي أموال بعض الهيئات والمنظمات والجماعات والجمعيات بذريعة أنها مارست نشاطًا أو أعمالًا هددت الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن.


كما تم حل بعض الجمعيات لنفس الذريعة.


وتم إلغاء التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ علي أموالها ومقارها.


كما تم عزل البابا شنودة من منصبه، وتعيين لجنة خماسية من الأساقفة للقيام بالمهام البابوية، وهو القرار الذى صاحبه اعتقال عشرات من المسيحيين والزج بهم فى السجون ضمن القائمة الأولى، المذكورة عاليه، للمتحفظ عليهم كما كانوا يسمونهم وقتها.

***

وخرج رجال السادات، وصبية النظام فى البرلمان والمنابر والإعلامية والصحفية، يبايعونه كما يفعلون مع كل رئيس، بل ويزايدون عليه ويصرخون بأعلى أصواتهم (بأن يضرب بيد من حديد، فالشعب معه ووراءه).


وخرجت مانشتات الصحف الحكومية تتحدث عن المؤامرات والخونة والعملاء والفتن الطائفية وتختلق مزيدا من التهم والادعاءات وتضخم وتبالغ فيها بغرض التشهير والطعن فى وطنية وشرف المعتقلين.


كانت أيام سوداء على مصر، لم يخفف من وقعها سوى أن الجميع بدون استثناء كانوا جنبًا إلى جنب فى السجون، فهونت عليهم وعلى ذويهم، وحدتهم فى الظلم. كانت مصر كلها مسجونة.


لقد كان هناك حالة وحدوية قريبة الشبه بحالة ميدان التحرير فى الثمانية عشر يوم الأولى من الثورة من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011،  والتى أحب دائمًا أن أسميها (الـ 18 البيض).

***

كان السبب الذى أعلنه السادتيون فيما بعد تبريرًا لهذه الحملة، هو أنه أراد تأمين الجبهة الداخلية وحمايتها من أي معارضة أو قلاقل، يمكن أن تعطى ذريعة لإسرائيل لإلغاء أو لتعطيل انسحابها المزمع من سيناء فى إبريل 1982.


أما السبب الفعلى هو أن القوة الوطنية المصرية كانت فى حالة مخاض ثورى فى مواجهة السادات ونظامه وكانت فى سبيلها إلى تشكيل جبهة وطنية موحدة لإسقاطه، بعد أن سلم مصر للأمريكان، وتصالح مع العدو الصهيوني، ووقع اتفاقيات كامب ديفيد التى قيدت السيادة المصرية فى سيناء، وأخرجت مصر من مكانتها العربية والإقليمية، وسلم إدارة الاقتصاد المصرى لصندوق النقد الدولي ونادي باريس، وفتح الباب لرأس المال الأجنبى ووكلائه من رجال الأعمال المصريين لاستباحة ثروات مصر ومقدراتها، ناهيك عن تعميق سياسات الاستبداد بترسانة من الإجراءات والقوانين المقيدة للحريات.  


ولكن للأسف الشديد، أدت جريمة اغتيال السادات فى أكتوبر 1981، والإتيان بمبارك خلفًا له إلى وأد هذا الحراك الثورى وتعطيله وتأجيله 30 سنة.

***

هل هناك فرق بين أجواء الاستبداد فى سبتمبر 1981، وبين أجوائه اليوم؟


بالطبع هناك فروق تتعلق بموقف النظام من القوى والتيارات والشخصيات السياسية المعارضة، من منها يقرر سجنه وحظره، ومن منها يكتفى بحصاره والتضييق عليه.


وهو موقف يرتبط بتقدير النظام فى كل عصر أو مرحلة للقوى السياسية ودرجة خطورتها عليه، من حيث قدرتها على التأثير فى الرأى العام أو المنافسة على السلطة المحرمة على الجميع.


فى 1981، كان النظام يرى القوة المدنية أشد خطورة عليه من القوى الإسلامية. ولكن المعادلة اليوم، ومنذ سنوات طويلة، قد اختلفت بعد أن قامت السلطات بتوجيه ضربات متتالية للقوى المدنية، وبالذات لأجنحتها القومية واليسارية.


ولكن فى الحالتين؛ فى 1981 و 2015، فإن الحظر شمل كل فصائل المعارضة الحقيقية أيًا كان انتماؤها السياسي أو الأيديولوجي. بدليل سجن عشرات من الشباب الذين شاركوا فى 30 يونيو، بالإضافة إلى ما تتعرض له المعارضة المدنية، هى الأخرى، من حملات الشيطنة والتشهير والتضييق.


والخلاصة أنه فى الحالتين، نحن بصدد "استبداد الدولة" بكل ما تروجه من مبررات وذرائع، وبكل ما تملكه من إمكانيات ومؤسسات وأدوات للسيطرة والقمع، وبين معارضة سياسية محاصرة ومجردة من أي إمكانية للتعبير أو للتغيير.

 

تواصل مع الكاتب عبر البريد الإلكتروني

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية