
10 حقائق منسية عن الأسعار الجديدة ودعم الكهرباء
عادل صبرى
10 حقائق منسية عن الأسعار الجديدة ودعم الكهرباء
تحولت أسعار الكهرباء الجديدة إلى قضية على لسان المصريين كافة، فالأغنياء يحسبونها بـ "السحتوت"، والفقراء أصابهم الرعب من لهيب الأسعار الجديدة، بعد أن بلغت الزيادة نحو ٤٥٪ من أسعار الطاقة.
في كل المناقشات لا يصل الناس إلى حلول عملية سوى الشكوى المُرّة من الزيادة التي ستنتقل عدواها حتمًا إلى كافة السلع والخدمات، فالكهرباء ليست سلعة ترفيهية، وإنَّما سلعة أولية تدخل في كل الصناعات والخدمات.
لن تفيد الشكوى؛ لأنَّها لن تغير الواقع المُرّ الذي يمر به قطاع الكهرباء والطاقة، ولن تتبدل الأحوال؛ لأنَّه إذا ما كنا نشتكي الآن من السيئ، فعلينا أن نستعد لما هو أسوأ، فلأول مرة تتعامل الحكومة بشفافية في الأمر، وتعلن للملأ، أننا مقبلون على تناول دواء مُرّ لابد أن نتجرعه جميعًا، مع زيادة الأسعار خلال العامين المقبلين لتصل بأسعار الكهرباء إلى المستويات العالمية.
الحكومة التي لا تدفع رواتب ولا مميزات للمستهلكين وفقا للمقاييس العالمية، تُسَوّق لفكرة أن قِصَر ذات اليد وارتفاع قيمة الدعم وارتفاع الدولار أجبروها على الزيادة المعلنة! وهذه حجج تحتاج إلى مناقشة برَوِيّة حتى نعلم إلى أي مدى أن الحكومة لا تقول الحقائق جميعها بصدق، بينما تلجأ للحل الأسهل وهو مد يدها بكل قسوة في جيب المواطنين، وبخاصة البسطاء.
الحقيقة الأولى
أسعار الكهرباء في مصر، رغم قلتها، لا تعد الأرخص في المنطقة، فلدينا دول عربية كانت حريصة على منحها للناس مجانًا، وبدأت في تحصيل نسبة بسيطة من قيمة الفواتير خلال الفترة الماضية فقط، وخاصة السعودية والإمارات والكويت، وغيرهم. وبدأت مصر مرحلة إصلاح هيكلي لشركات الكهرباء مبكرًا، بالاتفاق مع البنك الدولي في نهاية ثمانينات القرن الماضي. استهدف الإصلاح تعديل أسعار الكهرباء، ولجأت وزارة الكهرباء إلى ابتداع وسيلة الشرائح، بالاتفاق مع البنك الدولي، وبلغ الأمر بالدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء إلى دعوته إلى بيع شركات الكهرباء أو جزء منها في البورصة عام ١٩٩٧.
الحقيقة الثانية
نَصَّت هيكلة قطاع الكهرباء على تحويله إلى شركات مساهمة تستهدف الربح، وهيئات اقتصادية تعتمد على تمويل مشروعاتها، إما بقروض من البنوك أو الموازنة العامة، ولجأت الحكومة إلى حل هيئة كهربة الريف، التي كانت تدخل الكهرباء وفقًا للخطط العامة للدولة في القرى والنجوع والمدن، للتخلص من هذه المهمة تماما، وتسندها لشركات التوزيع التي تحاسب الناس وفقا للتكلفة.
الحقيقة الثالثة
البيع بنظام الشرائح مكّن شركات التوزيع من الحفاظ على متوسط سعر بيع للجمهور والمصانع والمزارع والقطاعات المختلفة، يضمن للشركات تحقيق أرباح كبيرة سنويا، ففي فترة التسعينيات، كان متوسط تكلفة الإنتاج للكيلو وات يصل إلى ١٨ قرشًا بينما كان متوسط البيع يبلغ نحو ٢٢ قرشًا للكيلو وات. ظلّت هذه العلاقة قائمة مما مكّن شركات الكهرباء من تحقيق وفورات مالية كبيرة، ساهمت في رفع رواتب وحوافز العاملين، وبلوغ متوسط المكافآت لكبار المسئولين بما يزيد عن مليون جنيه سنويًا، وقد رصدنا ذلك مرارًا في جريدة الوفد على مدى سنوات.
الحقيقة الرابعة
بدأ قطاع الكهرباء يواجه أزمة حقيقة عندما تخلت الدولة عن تمويل مشروعات محطات التوليد وكهربة الريف، فأصبحت الشركات القابضة للكهرباء وشركات التوزيع ونقل الطاقة مكلفة بتمويل هذه المشروعات ذاتيًا. واجهت تلك الشركات صعوبة كبيرة، عندما تطلب الأمر تحملها مسئولية تدبير العملة الصعبة لشراء معداتها، ودفع قيمة الديون للبنوك العربية والعالمية، في الوقت الذي طُلب منها وقف تصدير الطاقة للأردن وسوريا ولبنان، بما يُمثّله ذلك من فرصة للنقد الأجنبي، بحجة عدم وجود الغاز الكافي لتشغيل محطات التوليد، بينما وجهت الحكومة الغاز الطبيعي رخيص الثمن لإسرائيل وقليل منه للأردن.
الحقيقة الخامسة
مع تعويم الجنيه المصري بداية من حكومة عاطف عبيد ومرورًا بعهد أحمد نظيف، بدأ قطاع الكهرباء يواجه مشاكل في تسديد حقوق البنوك الدولية التي حصلت على ضمان السداد من الموازنة العامة للدولة، وأدى ذلك إلى صعوبة في الحصول على قروض من المؤسسات المالية، وبخاصة البنك الدولي وصندوق النقد والبنك الأفريقي، الذين كانوا يطلبون من الدولة رفع أسعار الكهرباء.
أسفر الأمر عن تراجع الدولة في تنفيذ العديد من محطات التوليد وتطوير شبكات الكهرباء على الجهود الفائقة والعالية والمتوسطة والمنخفضة، بما أدى إلى ظهور حالات انقطاع التيار الكهربائي خاصة مع زيادة معدلات الاستهلاك العام بنحو ١٠٪ سنويا، بينما كانت معدلات الإنتاج في المحطات تزداد بنحو ٤٪ على الأكثر، وتجلت هذه الفجوة بعد ثورة ٢٥ يناير واستغرقت ٣ سنوات، والتي وظفها البعض توظيفا سياسيا غيّر مسار الحياة في مصر بأثرها.
الحقيقة السادسة
الأزمة برُمّتها صناعة حكومية، فعندما تعرضت محطات الكهرباء للتوقف في نهاية حكم الرئيس مبارك، كان السبب الرئيسي يرجع إلى عدم قدرة وزارة البترول على مد محطات التوليد بالغاز الطبيعي. وبينما كانت نفس الوزارة تضمن حصة إسرائيل من الغاز يوميا، أوقفت توصيله للمحطات المصرية، لفترات طويلة ازدادت بعد الثورة، بحجة نقص الإمدادات، بينما هي التي دفعت وزارة الكهرباء في العقد الأخير من حكم مبارك إلى زيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي، بعد تقديمها تقارير مزيفة للرئاسة والبرلمان والقطاعات المختلفة تؤكد أن مصر تعوم فوق حقول من الغاز الطبيعي يكفيها لمدة ٧٥ عاما قادمة.
وتفاقمت الأزمة، بعد ثورة يناير، لرفض وزارة البترول شراء غاز من الخارج تدفع فيه ٧ دولارات للمليون وحدة حرارية، بينما يتحصل عليه قطاع الكهرباء بنحو ٣ دولارات، في الوقت الذي كانت تمنحه لإسرائيل بمبلغ 1.7 دولار!
الحقيقة السابعة
عندما شرعت الحكومة الحالية في مواجهة أزمة الكهرباء، أسندت مؤسسة الرئاسة بالأمر المباشر إلى شركات سيمنز وجنرال الكتريك تنفيذ مشروعات للتوليد بمبالغ أعلنها السيسي بلغت ٤٠٠ مليار جنيه، هذه الاستثمارات تجاهلت دراسات فنية قامت بها شركات عالمية كبرى، وبخاصة الألمانية والأوربية، بأن مصر يمكنها أن تواجه مشكلة الطاقة باستثمارات أقل إذا ما تمكنت من تشغيل المحطات القائمة بكفاءة، وتطوير القديمة منها، وتوفير الغاز الطبيعي للمحطات خاصة وقت الذروة، ومنح القطاع الخاص تسهيلات لإقامة المحطات الخاصة. فمصر لم تكن تحتاج إلى ضخ كل هذه الأموال دفعة واحدة في قطاع الكهرباء، خاصة أن الإسناد المباشر يحرم مصر من فرص خفض الأسعار، وزيادة المنتج المحلي في مكونات المحطات، في الوقت الذي تناقص فيه الإنتاج الصناعي وتزايد فيه الاستهلاك الترفي.
الحقيقة الثامنة
تسببت الحكومات العديدة في السنوات الماضية في زيادة ديون قطاع الكهرباء، بعد أن صدرت الموازنات السنوية للهيئات الحكومية بتحديد مبالغ سنوية لدفع فواتير الكهرباء. ففي الوقت الذي تستهلك فيه الطاقة بلا سقف كمي ومالي، لا يمكن لمسئولي الهيئات دفع قيمة فواتير تتناسب مع هذا الاستهلاك وإنما يجب أن يلتزم بدفع المبالغ المحددة من الحكومة، وإلا اعتبر مخالفًا للأوامر العليا. وفي الوقت الذي توسّعت فيه تلك الجهات في التوظيف وإقامة عدد كبير من الأبنية، تزيد المبالغ بنسب أقل من نسب الاستهلاك، بما خلق تراكما ماليا كبيرا مستحقا لشركات الكهرباء لم يمكن حله في السنوات الماضية، عن طريق المقاصة مع وزارة المالية أو الوزارات المختلفة، بما دفع شركات الكهرباء إلى الدخول في هذه المقصلة، حيث امتنعت هي الأخرى عن دفع مليارات الجنيهات لوزارة البترول والمالية والإسكان وغيرهم.
الحقيقة التاسعة
المواطن هو المتحمل الأكبر لتزايد أعباء الدين الحكومي والمكايدة المالية بين الوزارات، فعدد المشتركين الذين بلغوا العام الماضي ٣٠ مليون و٦٠٠ ألف مشترك عام ٢٠١٦، ٧٠٪ منهم في المنازل تصل نسبة التحصيل الشهري منهم نحو ٩٠٪ وتزيد في كثير من الأحيان، بينما بلغت مستحقات الكهرباء لدى الوزارات وفقًا لإحصائيات الوزارة حتى أمس، نحو ١٧,٥ مليار جنيه.
هذه المديونية، منها ٦ مليارات على شركات مياه الشرب والصرف الصحي، و٧٧٠ مليون للوحدات المحلية، و٢٤٠ مليون للهيئات الخدمية الحكومية، ١٠٠٠ مليون جنيه على المساجد ووزارة الأوقاف.
ما لا يذكره المسئولون في وزارة الكهرباء أن وزارتي الداخلية والدفاع لا يدفعون منذ سنوات طويلة أموالهم للشركات إلا قليلاً جدًا وكذلك والكنائس والأندية العامة والتابعة للوزارات السيادية والجمعيات الخيرية تسير على نهجهم، لذا تصبح السيولة المتاحة لهذه الشركات من جيوب المواطنين أنفسهم؛ لأنَّ الناس تدفع خوفًا من الحرمان أو الحبس والغرامات التي تتابعها شرطة الكهرباء بسرعة باعتبارها العصا الغليظة للقطاع التي تعيش في كنفه وتغرق في أنهار العسل المتاحة منه.
الحقيقة العاشرة
ستظل الحكومة تعلق فشلها على المواطنين، ففي الوقت الذي تطلب فيه من الناس الترشيد، تتوسع في استغلال الكهرباء في المكاتب الرسمية، ولا توقف عن تشغيل الإنارة والمكيفات في غير محلها. كما تمنح الحكومة مميزات خاصة في الأسعار لقطاعات مختلفة، تحت دواعي الحماية أو الرعاية، بينما سيتم تحميل تلك التكلفة على فاتورة الكهرباء لشريحة أخرى من المواطنين، الذين سيزيد استهلاكهم في المنازل أو القطاعات التجارية، عن ٥٠٠ كيلو وات، الذين سيتخطون تكلفة الحد الأدنى للكيلو وات والذي أعلنته وزارة الكهرباء بنحو ٦١ قرشًا حاليًا، بينما سيتراوح سعر البيع حاليا ما بين ٨٤ و ١٠٠ قرش للبيع لهذه الفئة.
***
خلاصة القول أننا مقبلون على موجه جديدة في غلاء الأسعار، لن تكون الكهرباء أول السلسة ولا آخرها، وبينما المواطن يتحمل بمفرده تبعات هذا الغلاء وضرورة الترشيد لا تتخذ الحكومة أية اجراءات للحد منه، أو تقلل أثره على الناس وتكتفي فقط بالمَنّ على الناس، و"مصممة الشفايف".