
عيد سعيد.. إلا قليلا !
عادل صبرى
عيد سعيد.. إلا قليلا !
العيد فرحة.. هكذا نغني لننقل البهجة إلى نفوسنا ونشارك بها الآخرين، لكن أعياد هذا الزمان لا تأتي معها الفرحة إلا قليلا. مثل كل شيء حولنا لا يأتي في منتهاه، كما نشتهي أن يكون عليه؛ فالثورة تشتعل وتنتصر للحق والحرية والكرامة الإنسانية إلا قليلا فيضيع بين أقدامها العدل والحقوق ويخطف فرحتها لصوص الفرح، فنصبح ثورة إلا قليلا. والأعمال تجري، فنشيد ونبني ونعمر في كل مكان إلا قليلا من التخطيط، فيضيع كل ما عمرناه تحت أقدام العشوائية والقرارات المتأرجحة والأمزجة الشخصية للقادة والمنفذين، فتهدر الأموال ولا تجد مشروعًا مكتمل البناء، كما حلمنا أو توقعناه.
من حقنا أن نصل إلى نشوة الفرح، لكن الفرحة الغامرة لا تحدث في بلدٍ مازال البعض يقسمه إلى فئتين وشعبين. ومن حقنا أن نسعد بالعيد ونحتفي به، ولكن كيف نسعد وآلاف من الشباب ملقى بهم خلف أسوار السجون، وكل علاقتهم بالعيد زيارة استثنائية، سمحت بها السلطات لرؤية أهاليهم وذويهم لدقائق معدودات، فيصبح العيد غصة في الحلق والسعادة أمرًا مستحيلا.
هلال العيد يأتي دوما بالبهجة، ولكن تخطفها في هذه اللحظات، كثرة الحاجات، التي تتزايد مع قدوم العيد، من ملابس ومأكولات ولن نقول فسح وخروجات، مع قلة ما في يد الأسر من أموال وزيادة كبيرة في الأسعار، تجعل الناس تخشى قدوم العيد أو أية مناسبة تعرضهم للحرج مع أبنائهم وزوجاتهم وتعريهم في نظر المجتمع الذي لا يرحم أغنياؤه فيه فقراءه.
يستعد الأطفال للعيد بما جهزوا من ألعاب ومفرقعات يلهون بها، فإذ بأيادي الغدر تجهز لهم متفجرات من نوع آخر، حاصدة للأرواح والعمران، وبعد أن بلغت بيوت الله وصلت أول أمس إلى مشارف مسجد رسول الله، فلا حرمة لدم ولا قداسة لمكان، فأصبح اللهو محرمًا، والعدوان الآثم أكثر عنفًا ودمارًا.
يشتاق المحرمون من متاع الدنيا للعيد، حيث ينتظرون توافد أهل الكرم، فإذا بهم يخرجون وأوعيتهم خالية الوفاض، فالأزمة المالية التي تمر بها البلاد، قد أكلت الأخضر واليابس، فالناس لا تتحدث إلا عن انهيار قيمة الجنيه المصري وارتفاع قيمة الدولار، وكل يبكي على سوقه، فلا بيع ولا شراء، حيث أصيبت الأسواق، بما يسمونه الركود التضخمي، الذي ترتفع فيه الأسعار ولا يجد البائع مشتريًا.
يشتاق الناس إلى عيد تفرح فيه الأمة، فلا يجدون إلا أشباه دول أو دويلات مزقتها الحروب أو تفسد فرحتها نخب عاجزة أو غائبة عن الوعي مشلولة التفكير، وقيادات قتلها الغرور فتصبح خطب العيد لحملة المباخر، وكلاما ماسخا، وتبجيلا وعبادة للأوثان. ينتظر المسلمون هلالا واحدا، فيختار بعضهم يوم عيد والآخرون ينتظرون فرحة عيد إلا قليلا.
بأيدينا يمكن أن يصبح العيد اليوم أفضل الأعياد، إذا ما التزمت الرئاسة بوعودها وأفرجت عن الشباب المُعَذّبين في السجون، من الذين لم يرتكبوا جرمًا ولم يسفكوا دمًا، فالذين اختلفوا حول قضايا الوطن، هم منا ونحن منهم، فالعيد لن يأتي بدونهم ولن نفرح به أبدا مع غيرهم.
بقدرتنا نحول العيد إلى أجمل فرحة، إذا ما نظر غنينا إلى فقيرنا نظرة حب واحترام، وعطاء بلا تعالٍ واستكبار. بقوتنا يمكننا أن نتغلب على الأزمة المالية، إذا ما أحسن القادة إلينا، وحفظ كرامة كل فرد فينا، فليس بالطعام وحدة يحيا الإنسان، ساعتها لن يستجدي الرؤساء من شعوبهم كلمة شكر أو عرفان، بل سيعمل كل فرد بأقصى طاقته، لأنه يعلم أن ما تصدق به لن يسرقه لصوص المال العام، أو نخبة جاهزة لسرقة الجهد والأحلام.
نتمنى أن يأتي العيد القادم، أكثر بهجة وسعادة على قلوب المواطنين والمسلمين في أنحاء الدنيا، فقد تعبنا دهرًا، من كثرة الأشياء التي تطير فرحتها، فلا يبقى منها إلا القليل.