
لماذا يخشى السيسي "مصر القوية" ؟!
عادل صبرى
لماذا يخشى السيسي "مصر القوية" ؟!
من رأى مصر في 30 يونيو 2013، والآن بعد مرور عامين على اعتلاء المشير عبد الفتاح السيسي سدة الحكم يرى عجبًا. مصر التي خرجت ملايينها ترقص في الشوارع فرحا بسقوط حكم الإخوان، والقبض على أول رئيس مدني منتخب وإلقاؤه في السجن، لا تعرف تلك البهجة ونشوة الانتصار.. ملايين غاضبون ومثلهم متململون، وأضعافهم خائفون، وقلة في المشهد نادمة على أنها شاركت في هذا المشهد الكبير.
بالصدفة البحتة تلقيت دعوة للإفطار من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، فرأيته غاضبا قلقا. وقد كان أول من خرج على الرئيس السابق محمد مرسي في مظاهرة شعبية، بدأت من منطقة الزيتون، إلى قصر الرئاسة بالاتحادية في مصر الجديدة، تطالبه بالتنحي والإعلان عن موعد رسمي لانتخابات رئاسية مبكرة.
كانت المظاهرة الكبيرة التي جاءت بأنصار حزب ـ مازال محسوبا أمنيا على الإخوان ـ من أقاصي البلاد وخاصة العاصمة، بداية انطلاق مظاهرات التطهير من حكم الإخوان. حاصرت التظاهرة القصر الرئاسي وهي التي شجعت كافة التيارات الأخرى أن تحذو حذوها لدرجة بلغت بأحدهم أن يستخدم رافعة لخلع باب القصر، في سابقة لم تحدث في البلاد من قبل. وفي اليوم نفسه كتب الأستاذ عبد الله السناوي، أحد كبار الكتاب الذين دعموا السيسي وشاركوا في إزاحة محمد مرسي "نهاية جبهة الإنقاذ" وأسباب انهيارها.. قال السناوي وفي حلقه غصة: إن انهاء دور وتلويث قيادات جبهة الإنقاذ التي شكلتها كافة القوى الوطنية التي خرجت ضد نظام الإخوان، كان عملا ممنهجا، القصد منه تفريغ الحياة السياسية من أي قوى فاعلة وإيجاد رموز وطنية تصلح لأن تكون شخصيات سياسية بديلة في المستقبل.
هكذا يعض عبد الله السناوي أنامل الندم، كما يفعل محمد البرادعي الذي هرب بدمه، بعد أن وصف أحداث "رابعة العدوية" بأنها مجزرة، وسبقهم كثير من الكتاب والمفكرين الذين وجدوا أنفسهم ينتقلون قسرا من جبهة الدفاع بالروح والدم عن النظام الجديد، إلى وضعهم في خانة الملاحقين أمنيا والأعداء أو أقلهم شأنا في خانة عواجيز الفرح والأحصنة المطلوب إطلاق رصاص الرحمة عليهم جميعا.
على مائدة الإفطار شاهدت جمعا غفيرا لبى الدعوة وقد جاء بعضهم حذرا يترقب، خشية الأجهزة التي تعد أنفاسهم وتحسب كلماتهم، خاصة أن اللقاء في فندق كبير، ينقل ما يدور فيه لكافة الأجهزة الأمنية في الدولة لحظة بلحظة. جاء الجمع، من شتى القوى السياسية، أغلبهم كان يلفظ الآخر، إن لم يكن يأخونه فقد يخونه، أو يقلل من شأنه. اليوم عاد الجمع مسالما، يبدي دهشته من الحالة التي وصلوا إليها جمعيا، وحال البلد التي غاب الفرح عن شعبها المسكين. حضر الليبراليون والشيوعيون والوسطيون والإسلاميون، أكلوا من طبق واحد، بثوا همهم الواحد بأن حالة مصر في خطر، لأن الحرية كبلت، وكرامة المواطن أهدرت، والسجون شيدت، والديمقراطية التي خرجوا من أجلها لقتال الإخوان أسقطت.
غابت السكرة عن الجمع الذي تحالف في معظمه مع المشير السيسي، فاستيقظ على أن جبهة الإنقاذ، تشرذمت، بعد أن تلاعب بها النظام، فقد أقصى البعض وأسال لعاب البعض بعدد من المقاعد في البرلمان، وتسهيلات لشركات فلان وفلان، ووظائف لعلان وترتان، فإذا بهم يكتشفون في سباق الرحلة التي طالت سنتين أن البرلمان الذي تنافسوا من أجله، منزوع الإرادة، والشركات التي شيدوها، توشك على الإفلاس، لأن مصر تفقد دولاراتها ومكانتها الاقتصادية والسياحية وفرص الاستثمار بصورة لم تحدث من قبل.
اعترف الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أن النظام السياسي يقصي الجميع من طريقه، وأمّن على قوله، المرشح الرئاسي السابق خالد على وأبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط والدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة رباب المهدي بالجامعة الأمريكية، وغيرهم من ممثلي المجتمع المدني والأحزاب الحاضرة. بدى على الحضور خوفهم من المشهد القادم لمصر، التي توشك على الإفلاس بسبب الرعونة في إدارة شئون الدولة، مع فقدها لدورها السياسي في المنطقة وتنازلها عن أرضها للآخرين مقابل حفنة من المساعدات المالية العابرة، وتحول فكرها الاستراتيجي تجاه عدو صهيوني متربص بها، والدخول في تحالفات عسكرية وسياسية غير محسوبة، وإنفاق المليارات على صفقات تسليح لا تتوافق مع توجهات الدولة، بينما لا تَفِي الدولة بأقل متطلبات الناس من فرص التعليم والصحة ومواجهة البطالة وتوليد فرص العمل.
هناك تساؤل ظل يطرحه الجميع، لماذا لا يريد النظام مصر القوية بناسها وأحزابها بمفكريها وعلمائها، ويريد أن يحكم عبر رئيس يخشى من أي منافس محتمل و لا يتواصل مع مستشاريه ويرفض نصائح معارضيه ولا يظهر خططا عبقرية، مما يدفع البلاد لمزيد من الأزمات؟ لماذا يريد النظام أن يقصي جميع من حوله من أنصاره السابقين، ويصر على محو خصومه السياسيين، وبدلا أن يدبر العجز في بناء المدارس، يبني المزيد من السجون، وقبل أن يقوى الجيش في المعارك ينهكه في مشروعات يمكن أن تقوم بها أصغر الشركات وأضعف الوزارات؟
لماذا لا يثق الرئيس إلا فيمن حوله، ويعتقد أن القوة المفرطة هي السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار، بينما هذه القوى جميعا لم تستطع أن تسد الثغرات في تهريب أسئلة وإجابات الثانوية العامة، ومواجهة الفساد الإداري الذي يهدر ثروات الدولة؟!
ندم النخبة الحاضرة، لم يكن جديدا، فهناك من أفاق من الغفوة مبكرا، ليس حسرة على ضياع فترة حكم ثبت فشلها في إدارة أمورها، وجماعة فرقت بين مواطنيها ومنتسبيها فنالت سخط الجميع، ولكن لأن قرون استشعارهم أقوى بأن شمت مبكرا رائحة الانهيار الذي أصبحنا فيه. والانهيار هنا يأتي بمفهومه الشامل، لأنه قضى على أهم مفاتيح استمرار الدولة ذاتها. فالذي خرج بالأمس مطالبا بإسقاط مرسي وجماعته، لم يكن يدرك أن أسقاط الأنظمة بقوة الدبابات لا تأتي بخير إذا لم يكن الشعب هو الذي يقرر ذلك. فعندما أسقطت حركة يوليو النظام الملكي بقرار عسكري رقم واحد، أزاحت النظام الديمقراطي على خطوات، وانتهت بانتهاء المسار الديمقراطي بأسره، وإن تحصنت في بعض المظاهرات الشعبية التي ثبت تاريخيا أنها كانت مدفوعة الأجر من أعضاء بمجلس قيادة الثورة، وتنظيمات سياسية كارهة للمسار الذي عاشت في ظله لسنوات. ومنها جماعة الإخوان التي تحالف مع قادة العسكر ضد حزب الوفد الليبرالي العريق. وعلى النهج سارت الجماعة بعد أحداث 25 يناير إذ اتخذت من شعبيتها درعا لحماية المجلس العسكري الذي سيطر على البلاد بعد إسقاط حكم مبارك، ورضيت بالانحياز لفاشية مثلها على حساب إرادة الثائرين.
من ينتصر للديمقراطية فقد أفلح، لذلك أفاق الليبراليون والأحرار الحقيقيون بسرعة للكارثة التي أوقعتنا فيها أحداث 30 يونيو، وما تلاها من أحداث دموية ومواقف عصيبة مرت بها البلاد. ولن يفيد الندم على الماضي ولن يصلح ما نحن فيه، طالما المسار الديمقراطي معطلا، في ظل غياب دولة العدل والقانون. فإذا جمعت المحنة النخبة السياسية الغاضبة أو المغضوب عليهم الآن، فما عليهم إلا الاتفاق على ميثاق شرف جديد، بألا يكون أحدهم معولا لبناء الفاشية مرة أخرى، وألا يراهن على أننا سنعيش في ظل الديمقراطية بينما لا نمارسها في بيوتنا ومؤسساتنا، ونودع لغة التخوين والتكفير والعمالة.
هؤلاء المتسامحون هم قوة مصر الحقيقية التي يخشاها الرؤساء الذين لا يحكمون بالعدل وقوة القانون. فالنفس التي لا تعرف لغة التسامح ولا تمارس الديمقراطية في حياتها اليومية مستعدة للعيش وقبول أقسى نظم الفاشية. ولا رهان على شعب جاهل أو جائع، الرهان على أن تكون مصر قوية بأن يقيم الناس العدل بينهم، وأن يسعوا إلى بناء مسار ديمقراطي سليم، فهذا وحده السبيل لبناء دولة لا تعرف الخوف، بل سيخشاها كل من يعتلي سدة الحكم، عبر فوهة الدبابات أو بصناديق الانتخابات.
مصر القوية هي نتاج قوة الشعب ومؤسسات الحكم، ولن يفلح الحاكم إذا واصل إقصاء شعبه ولن يحيا الشعب إذا لم تكن له كلمة يضمن بها صلاح الرئيس.