
خطاب إلى العزيزة رضوى عاشور
أحمد ماهر
خطاب إلى العزيزة رضوى عاشور
كم أنا سيئ الحظ لأني لم أقابلك، فكثيرًا تخيلت لحظة اللقاء معكِ، والحديث إليكِ بمكتبك في الجامعة، بل أني قد تخيلت الحوار الذي كنت سأجريه معكِ والأسئلة التي سوف أوجهها إليكِ والحكايات التي سوف أرويها لكِ.
كم كنت ساذجًا عندما تفاءلت وتخيلت أن فترة حبسي لن تطول، وأني عندما أخرج سوف أزورك، ولكن القدر أسرع من أي شيء، لم يمنحني هذا الشرف، كم أنا سيئ الحظ، نحن الآن في بدايات شهر ديسمبر، مر عام كامل على وفاتك، ومر عامان بالتمام والكمال على حبسي، هل تعرفين أنه أيضًا عيد ميلادى الـ 35؟
نعم لقد دخلت في عامي الـ 35 وبدأت مرحلة جديدة في حياتي، وقد ضاع عامان كاملان من عمري في السجن في اللاشيء، لا شغل ولا متابعة لأطفالي الصغار ولا اهتمام بأسرتي وعائلتي ولا أستطيع متابعة وخدمة أمي المريضة، عامان من عمري قضيتهما في اللاشيء.
هل تعلمين أني أنهيت ثلثي المدة ومن المفترض ومن القانوني أن أخرج هذا الأسبوع؟ لا أريد أن أتفاءل بدون داعٍ أو أبني أية آمال على إفراج ثلثي المدة، فحتى الآن لم أستطع حل مشكلة الغرامة، بالإضافة إلى أن قرار الإفراج الشرطي أو إفراج الثلثين متوقف على قرار لجنة من الأمن العام وأمن الدولة، وأنتِ بالتأكيد تعلمين مقدار كراهيتهم لي ورغبتهم في الانتقام والتشفي، هل تعلمين أن إفراج نصف المدة أو الثلثين أسهل بكثير لو كانت التهمة قتل أو سرقة أو مخدرات أو نصب، فكل هذه الجرائم ليست بخطورة خرق قانون التظاهر أو الدعوى للتظاهر، فمن يحكمنا يمكنه أن يتسامح في أي شيء إلا الاختلاف فى الرأي أو الخروج عن القطيع.
لا أريد أن أتفاءل بموضوع إفراج الثلثين رغم أن الأهل وبعض من تبقى من الأصدقاء متفائلون، لقد كرهت تصديق الأوهام والآمال، وهم الإصلاح، وهم التغيير، وهم الإفراج والخروج من السجن، الجميع يقول إن الوضع خارج السجن قد يكون أسوأ من داخله، ولكني أيضًا أكره مقولة السجن الكبير والسجن الصغير، وحتى إن حدثت المعجزة وخرجت قريبًا، فأنتِ تعلمين أن جزءًا كبيرًا من شخصية وكينونة وعقل ومشاعر السجين سيمكث في السجن ولن يخرج معه.
هل تعلمين.. كان لدي الكثير من الحكايات والشكوى، كنت أحلم منذ عامين أن أرويهم لكِ، كما كنت قد أقسمت منذ عامين أن أقبل يديكِ ورأسكِ عندما أقابلك، هل تعلمين لماذا؟ إنه كتاب "أثقل من رضوى؟.. لقد كان أول كتاب أقرأه في الزنزانة بعد عدة أيام من حبسي منذ عامين، لقد كنت في حاله نفسية غاية في السوء، وخصوصًا بعد الحكم السريع بالسجن 3 سنوات، وأعطاني علاء عبدالفتاح كتابكِ لأقرأه، وقال لي وقتها أن هذا الكتاب سيصنع فارقًا كبيرًا معي وقد كان.
وبعد الانتهاء من القراءة وأخذ هذه الجرعة الكبيرة من الأمل والتفاؤل تمنيت أن أقابلك فور خروجي من السجن، أحكي وأشكي ما أتعرض له من ظلم وتخوين وتشويه سمعة وادعاء باطل، وأحكي لكِ عن مرض أمي، وكم كنت أتمنى أن أكون بجوارها في هذا الوقت العصيب.. أشياء كثيرة لم أكن أنتبه إليها قبل السجن، وأعزاء قصرت في حقهم، وأخطاء كثيرة وقعت فيها.
هل تعلمين.. رغم أنى لست كاتبًا، ورغم أن أسلوبي في الكتابة هندسي بحكم المهنة، إلا أنني بدأت في كتابة بعض القصص القصيرة منذ قراءتي لكتاب "أثقل من رضوى".. كنت أتمنى أن أعرض عليكِ ما قمت بكتابته داخل السجن عندما أخرج، ولكن كالعادة كان القدر أسرع وكان حظي سيئًا، والأسوأ أن الضابط الأحمق صادر ومزق كل ما كتبت من قصص، فهم من حماقتهم يعتبرون أي ورق مكتوب لدي شيئًا خطيرًا، إنها التعليمات الحمقاء المقدسة، وكالعادة الحقوق مجرد حبر على ورق، وكالعادة لا حقوق هنا أو هناك إلا بمزاج ورضاء صاحب السلطة، خفير أو وزير، ضابط أو رئيس جمهورية.
هل تعلمين مدى امتناني؟ ربما لم أقرأ كل كتاباتك، قرأت أثقل من رضوى في الأيام الأولى للسجن، ولكنه حفر أثرًا كبيرًا، كما قال علاء، وهذه الأيام تحل الذكرى السنوية الأولى لوفاتك، وهي الذكرى السنوية الثانية لسجني، ويا للسخرية هي أيضًا ذكرى عيد ميلادي الـ 35، وهي أيضًا أيام بعض الأمل للخروج من السجن.
شكرًا رضوى عاشور.