
فرح ابن العمدة في نيويورك
أحمد ماهر
فرح ابن العمدة في نيويورك
إنهم مجموعة من الناس المفترض بهم "نظريًا" أن يكون دورهم الدفاع عن حقوق ومصالح الشعب المصري، إنهم مجموعة من الناس، يفترض"نظريًا" أن يحاسبوا السلطة التنفيذية والحكومة ومراقبة وتقييم أداء الوزراء والمحافظين وإجراء التغيرات والتعديلات اللازمة لتصحيح المسار، وهم المنوط بهم تشريع القوانين اللازمة لتحسين حياة المواطنين وكذلك إصلاح التشريعات القديمة أو تحديثها لسد الثغرات أمام الفساد.
***
كل ما سبق هو بعض من المهام التي يفترض نظريًا أن يقوم بها عضو البرلمان، ولكن ماذا إن كان برلمان معد مسبقا ومُجهز له بنظام انتخابي لا يفرز إلا "ختامة مطاط" للموافقة والتأييد لكل قرارات "ولي النعم" ورأس السلطة التنفيذية، أو تنفيذ أوامر الجهات الأمنية التي كان لها الفضل في جعلهم أعضاء برلمان.
بالتأكيد ستكون المهمة الأولى لهذه النوعية من البشر هي رد الجميل لولي النعم وللأجهزة الأمنية، ولذلك لا عجب أن يتم شحنهم في طائرة إلى نيويورك على طريقة الحزب الوطنى في عهد مبارك عندما كان يقوم بتجميع الباعة الجائلين والبلطجية وشحنهم في أتوبيسات لتأييد تحركات وقرارات مبارك، فالنظام لم يتغير وإن تغيرت بعض الوجوه والأسماء.
ولا عجب كذلك أن يكون الوفد البرلماني المصري به أغلبية أنصار نظرية المؤامرة والمروجين للقصص الخيالية عن حروب الجيل الرابع، ولا عجب كذلك أن يكون أغلبيتهم من ذوي الخلفيات الأمنية أو من المعروف عنهم علاقتهم بالأجهزة الأمنية والمنفذين لتكليفات قديمة مثل نشر تسريبات مجتزأة ومشوهة أو مثل تشويه حركات اجتماعية معارضة وتفتيتها من الداخل، فها هي التكليفات عادت وحان وقت رد الجميل للرجل الكبير ولي النعم.
ولا عجب في تغيير خطابهم في نيويورك عن حديثهم في القاهرة، فهناك يتحدثون عن العلاقات الاستراتيجية والحب والود والحرب المشتركة على الإرهاب، وهنا صدعونا عن المؤامرات الأمريكية المستمرة لتدمير مصر، ولكن لا عجب في تغيير الخطاب، فقد غيروا جلودهم عشرات المرات قبل ذلك.
***
السفريات المشوهة، هكذا اتهموا كل من سافر من قبل لحضور ندوات أو مؤتمرات أو لإلقاء محاضرة في جامعات أجنبية، ولكن ماذا يطلقون على سفرياتهم التي تهدف التضليل والخداع والدفاع عن الباطل، ماذا يصفون أنفسهم وهم يسافرون بهدف الكذب والتدليس والقول بأنه لا يوجد ظلم ولا قوانين مفصلة قمعية ولا يوجد انتهاكات وتعذيب في الأقسام والسجون ولا يوجد تلفيق للقضايا ولا يوجد تضييق على كل من يعترض أو يختلف أو يهتم بحقوق الإنسان، لقد سافر نواب النظام لأداء تكليف جديد وهو تبييض وجه الحكم في مصر، ولكن ماذا عن تكاليف السفر، وماذا عن الهدف المشبوه، أعتقد أنهم إذا راجعوا مواقفهم في اللحظات النادرة لاستيقاظ ضمائرهم سيعترفون أن سفرياتهم هي خير مثال واضح لكيف تكون السفريات المشبوهة التي تدعم الظلم والفساد والاستبداد.
***
وكذلك لا عجب أيضا في هذا الغرام غير المفاجئ بين السيسي وهيلاري كلينتون، أو تلك المشاعر الحميمية بين السيسي ودونالد ترامب، ولا عجب في هذا التناقض بين حديث المؤامرة والقوى الغربية التي تتآمر على مصر طوال الـ 24 ساعة 7 أيام في الأسبوع وبين تلك التصريحات الوردية والعلاقات التاريخية العميقة التي لا يعكر صفوها أي شيء!
وبالرغم من أن إدارة السيسي وأجهزته وممثلينه يدعمون دونالد ترامب سرًا وعلانية وهو ما يتضح من زيارات الأعضاء الجمهوريين بالكونجرس أو من خلال المغازلة العلنية من جهة ترامب إلى معظم الحكام المستبدين في العالم وعلى رأسهم السيسي بالطبع، إلا أنه لا يوجد فارق كبير بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، فكلاهما متفق في الخطوط العريضة والرئيسية للسياسة الأمريكية، وكلاهما يدعم المصالح أولًا، وكلاهما سيتعاون بكل الطرق مع المستبدين على حساب المبادئ وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا مانع من بعض التصريحات الشكلية لذر الرماد في العيون، تصريحات مصرية ضد المؤامرة الكونية أو ضد ما يسمى بخرافات التقسيم والجيل الرابع، وتصريحات أمريكية شكلية تدين تلفيق القضايا أو ضد تلفيق القضايا أو ضد انتهاكات حقوق الإنسان أو ضد التضييق على المجتمع المدني.
***
بالتأكيد دونالد ترامب هو الأكثر توافقا مع السيسي مقارنة بهيلاري كلينتون، فالطيور على أشكالها تقع، وكذلك قد أعلنها ترامب صراحة بأنه لن يضغط على الحلفاء والأصدقاء من أجل تطبيق معايير وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكما يعلن ترامب نواياه العنصرية ضد العرب والمسلمين والميكسيكيين وكل أنواع المهاجرين إلى الولايات المتحدة ستجد أن إدارة السيسي تتعامل بقدر كبير من العنصرية مع كل من يختلف أو يعترض أو يتململ أو لديه رأي آخر.
***
إن التعصب يتغذى ويغذي بعضه البعض ولذلك لا عجب من استغلال داعش لخطب ترامب العنصري من أجل تجنيد مسلمين داخل الولايات المتحدة، ولا عجب من استغلال داعش لممارسات السيسي الاقتصادية الظالمة من أجل تجنيد أنصار جدد ممن تعرضوا للظلم المباشر أو غير مباشر.
***
أما هيلاري كلينتون فلن تكون مريحة بالنسبة للسيسي رغم أنها لا تختلف كثيرا عن ترامب، ليس لأنها داعمة للديمقراطية أو حقوق الإنسان، وليس لأنها، كمان يروج المهرجون وأدوات الأجهزة الأمنية، اعترفت في كتابها بالمؤامرة والمخطط وأن السيسي أوقف المشروع، فهؤلاء المهرجون ومن يوجههم هم أول من يعلم أن هذا الهراء لا يوجد في مذكرات هيلاري كلينتون ولا في أي كتاب، لذلك مستحيل أن تجد أحدهم قد ذكر رقم الصفحة التي تذكرها الهراء، ولكن في رأيي أن هيلاري كلينتون لن تكون مريحة للسيسي بسبب ضغوط التيار الديمقراطي أو الليبرالى إن صح التعبير داخل الحزب الديمقراطي، فكلينتون أقرب لسياسات الحزب الجمهوري ولعلنا نتذكر دفاعها عن مبارك ورفضها لرحيل هذا الحليف في يناير 2011.
لم تتغير قواعد اللعبة، لا في مصر ولا في واشنطن ولكن الجديد للعام الثالث على التوالي هو فرح ابن العمدة في نيويورك.