
أسطوانة السيسي المشروخة
أحمد ماهر
أسطوانة السيسي المشروخة
من الطبيعي والروتيني والمكرر أن يكون السؤال حول حالة الحريات وحقوق الإنسان من أبرز الأسئلة التي تُوجه للسيسي في اللقاءات الإعلامية التي يجريها مع وسائل الإعلام الغربية أو حتى خلال بعض اللقاءات الدبلوماسية المعتادة.
وكذلك أصبح من المكرر والمعتاد أن تجد السيسي يحاول الهروب من الإجابة أو الالتفاف حولها بمزيد من الذرائع والحجج، فتارة تجده يتحجج بالظرف الاستثنائي، وهو بالتأكيد ذريعة غير مقنعة وأصبحت مستهلكة واستخدمها قبله عشرات المستبدين، وتارة يحاول الكذب المفضوح والتجميل ونفي وجود أي انتهاكات من الأساس ويبدأ في "التتويه" والحديث عن خارطة الطريق والاستحقاقات التي تم تفريغها من مضمونها. وإن تم الضغط عليه أكثر بالحديث عن حالات محددة ومعروفة سيبدأ في تكرار الاسطوانات المشروخة عن القضاء المستقل ودولة القانون، وهو أول من يعلم أن القضاء غير مستقل وأن تطبيق القانون في مصر "حسب مزاج" الأجهزة، وأحيانًا يعطي - بعد وعود مبهمة عن الإفراج والعفو - أي كلام مطّاط عن الشباب.
وما أود الحديث عنه هو اتخاذه أحيانًا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كذريعة لتجاهل أو تأجيل أو انتهاك الحقوق السياسية والحريات، وهذه أيضًا ذريعة قديمة ومستهلكة يجب مناقشتها، فمطلب العدالة الاجتماعية هو أحد أهم مطالب ثورة 25 يناير، ولكن تحقيق العدالة الاجتماعية أو الحقوق الاقتصادية الاجتماعية لن يكون بالكلام فقط، ولا يجدي أن يكون مجرد ذريعة للتهرب من الحقوق السياسية كما يحدث الآن، فالاعتماد على القروض والمعونات الخارجية لن يبني اقتصادًا قويًا ولن يحقق أي نمو أو تنمية، ولن تقوم لنا قائمة ونحن نستورد كل شيء بدون إنتاج أي شيء أو تخطيط أو تفكير لإنتاج أي شيء، فالإنتاج والتصنيع يتطلب تغييرًا جذريًا في نظام التعليم والبحث العلمي، ويتطلب تعديلًا جذريًا في اللوائح والقوانين، ويتطلب حرية للفكر والإبداع، ويتطلب تخطيط ومتابعة وشفافية ومحاسبة، وكل ما سبق لن يقوم السيسي بإجراء أي تعديل أو إصلاح بشأنه، فهو يعتبر أي تغيير جذري أو تفكير خارج الصندوق بمثابة هدم للنظام والدولة، ولذلك يكتفي بالتصريحات والإجراءات الشكلية والمسكنات الوقتية!
تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الإنفاق الحكومي يتطلب زيادة موارد الدولة وبشكل عادل، ولكن كيف تكون هناك عدالة مع إجراءات تخفيض الضرائب على الأغنياء وتدليلهم عن طريق إلغاء الضريبة التصاعدية وإلغاء ضريبة الـ 5% التي سبق فرضها على من يزيد دخله عن مليون جنيه سنويًا، كيف يكون هناك زيادة للموارد بشكل عادل وقد تم تخفيض الحد الأقصى للضرائب على الأغنياء إلى 22.5 %، كيف تكون هناك عدالة وقد تم إيقاف العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة؟
كيف يتم توفير موارد كافية للإنفاق على التعليم والصحة والصرف الصحي ومياه الشرب والطرق إذا كانت الدولة تقوم بتدليل الأغنياء مع زيادة الأعباء على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والموظفين عن طريق ضرائب المبيعات والضريبة المضافة على كل السلع والخدمات، وهو ما يزيد الأسعار بشكل مستمر ويرفع تكلفة الخدمات ويضاعف الأعباء!
لن يفيد التخفي خلف الشعارات والذرائع، فالحقوق الاجتماعية والاقتصادية لن تتحقق عن طريق القمع وانتهاك الحريات وتجاهل الحقوق السياسية، ولن تفيد الخطابة الجوفاء عن العدالة الاجتماعية إذا كانت التوجهات الاقتصادية واضحة عمليًا مع التطبيق، فتدليل الأغنياء ورجال الأعمال وتخفيف الضرائب عنهم بحجة تشجيع الاستثمار والتصدير ليس له أي علاقة بالعدالة الاجتماعية، زيادة الضرائب والأعباء على الفقراء ومحدودي الدخل لن يؤدي لأي عدالة ولن يحقق المبررات التي يجري تسويقها بزيادة موارد الدولة، ولكن السؤال الأهم بعد ذلك وبعد كل مقالات المعارضين أو المتحفظين أو المتخصصين أو الاكاديميين، وبعد كل الانتقادات التي تتزايد كل يوم وتنتقد انحيازات النظام الحالي وتخبطه وعشوائيته.. هل يوجد من يسمع ويفكر؟!