
ماذا لو نجحت ثورة الغلابة؟
مهند حامد شادي
ماذا لو نجحت ثورة الغلابة؟
"يجب أن ننتظر جودو"..
ماذا لو كانت ثورة الغلابة قد نجحت؟ هل كنا سنشهد تغييرا بالمشهد فعلا؟
تتكرر هذه العبارة في مسرحية صامويل بيكيت الشهيرة "في انتظار جودو" كلما حاول أحد أبطال المسرحية القيام بشيء ما. حيث يجلس كل من بطلي المسرحية في انتظار مجيء شخص يدعى جودو، بل وتتوقف كل قراراتهم وأفعالهم نتيجة انتظار هذا الشخص، والذي لا يبدو هناك سبب واضح لانتظار مجيئه.
تبدو قوى التغيير منقسمة بين اتجاهين كبيرين، إما اليأس المطلق من التغيير والانزواء ناحية الحياة الخاصة الفردية، مع ضعف الاهتمام بالعمل العام أو الشأن العام إجمالا، وإما توهم الأمل وانتظار لثورة يتم إلصاق كل تحرك بها، أملا في حدوث تغيير ما في المشهد. وهو ما حدث بالضبط مع دعوة 11/11 والتي سبقها تصورات خرافية حول إمكاناتها للتغيير وما سوف تحدثه في المشهد من آثار عميقة، وذلك في ظل انتعاش واضح لسوق الشائعات التي تتغذى على آمال المقهورين الحالمين بغد جديد يختلف ولو قليلا عن واقع أسود يحيونه.
ترى ماذا لو كانت ثورة الغلابة قد نجحت؟ هل كنا سنشهد تغييرا بالمشهد فعلا؟
حسنا دعونا نفترض بأن "الغلابة" قد نزلوا إلى الشوارع، بأعداد كثيفة، ترى هل كانت قوى الأمن ستقف مكبلة الأيدي في مواجهة ذلك؟ يخبرنا الماضي القريب قبل البعيد بأن هذه القوات هي من قامت بالمجزرة تلو الأخرى في سبيل الحفاظ على الوضع القائم بعد 3 يوليو. ليكن، فنكمل افتراضنا بأن هذا الحراك قد نجح بغض النظر عن كيفية نجاحه، ترى هل كنا سنشهد اختلافا في المشهد؟
في البداية سيأتي السيد ياسر العمدة إلى مصر باعتباره قائد الثورة التي نجحت، بالطبع سيحدث حينها نزاع بينه وبين بقية القوى السياسية التي لا تعرفه ولم تتعامل معه من قبل. ربما سيتم تجاهله سريعا في إطار القوى السياسية الكبرى. ستجتمع القوى السياسية من أجل النظر في حال البلاد، لكن ستطرأ مشكلة، فالإسلاميون لا يريدون الجلوس مع من تلوثت أيديهم بالدماء نتيجة المشاركة في مشهد 3 يوليو أو جمعة التفويض، بينما ستتخوف القوى العلمانية من سيطرة الإسلاميين على المشهد فيشترطون وجود الجيش كعنصر معادل.
ستخرج جماعة الإخوان المسلمين للحديث عن شرعية الدكتور محمد مرسي، بينما سيرفض الكثير من القوى الشبابية والسياسية هذا الأمر، سينزل كل طرف رافعا شعاره.. "الشرعية أولا أم التغيير أولا" ستكون جملة متكررة لمدة طويلة من الزمن. وفي ظل ذلك ربما يصل الإخوان والجيش لتفاهمات مشتركة حول وضع المرحلة الانتقالية بينما لا تزال موجة التغيير في قوتها.
سيتمسك كل طرف بموقفه، ويرفض مراجعة أفعاله، وسيعتبر أن الخطأ كل الخطأ كان في تصرفات الآخرين، وأنه كان الضحية وسط الذئاب. سيخرج الإخوان للحديث عن مؤامرة الانقلاب، وستتباكى القوى الشبابية على الثورة المغدورة، بينما من باعونا في محمد محمود قد باعونا في رابعة العدوية.
توفيق عكاشة وإبراهيم عيسى وغيرهم من الإعلاميين سيباركون ثورة التغيير، وسيبدع عمرو أديب في الحديث عن كيفية الضغط عليه لكي يقول مديحا في النظام.
توفيق عكاشة وإبراهيم عيسى وغيرهم من الإعلاميين سيباركون ثورة التغيير، وسيبدع عمرو أديب في الحديث عن كيفية الضغط عليه لكي يقول مديحا في النظام، مؤكدا بأننا كنا في عصر ذل أسود ومهبب، وكيف أن الناس كانوا "بيتخزوقوا" وأن ما حدث كان رحمة لهم وانفراجة تجعلهم يقولون ما منع عليهم قوله في العصر البائد.
أما رؤساء المؤسسات الدينية فبعدما كانت تقف في صالح العهد البائد ستجد أنها تتحدث عن قمع النظام لها، وأن الرسولين الذين حبا الله بهما مصر، كانا في الحقيقة مسيلمة الكذاب وتابعه، وستخرج دعوات لاستقلال الأزهر وحرية بناء الكنائس.
ونتيجة للضغوط الاقتتصادية والاجتماعية، وربما تدبير بعض الأطراف، ستملأ البلاد دعوات الاضراب والاعتصامات والمطالب التي سيطلق عليها الاعلام المطالب الفئوية، حيث ستعمل وسائل الإعلام على الدعوة للاستقرار وتشغيل عجلة الإنتاج التي توقفت. على الجانب الآخر سيكون كل ما يشغل بال بعض الفئات أن "البيلز" أصبحت تأتي من خارج مصر "مضروبة".
أما الشوارع فستغض مرة أخرى بالمتظاهرين من كل حدب وصوب، كل يغني على ليلاه، وبالتأكيد ستحدث مناوشات هنا وهناك، وربما مجرزة أو اثنتين، وهناك احتمال كبير بأن تكون إحدى هذه الحوادث ذات بعد طائفي احتجاجا على بناء / هدم كنيسة.
سيحاول أهالي الشهداء، كل الشهداء القدامى منهم والجدد، القصاص لأبناءهم، ولكن النيابة العامة عاجزة عن الوصول لدليل الإدانة، مما سيخرج كل المتهمين الواحد تلو الآخر بريئا مما نسبته إليه ثورة الغلابة في ظل قضاء شامخ لا يرى سوى "العدالة". بل لربما يتم سحل وقتل المزيد من أهالي الشهداء أنفسهم بسبب اعتصامهم في ميدان التحرير للمطالبة بحق ذويهم.
ستقام تحالفات وائتلافات وأحزاب وحركات، ستتطاحن وتتشاكل ويضرب بعضها بعضا، وسيحاول كل طرف في الدولة العميقة أن يقيم قواه السياسية المتحدثه باسمه، بينما رجال الأعمال يبحثون عن موطئ قدم لهم في عالم السياسة المفتوح مجددا، فيما سيعزف الشباب عن هذه اللعبة "القذرة" ممسكين بأهداب الثورة "النقية".
سندعو لانتخابات سيكسب فيها من يكسب ويخسر من يخسر، لكن مجلس النواب سيفتقد للكفاءات اللازمة، وستصبح قدراته على الرقابة على الحكومة ضعيفة بل وشكلية، وستقف يده عاجزة عن الدخول في ملفات الدولة العميقة، وفي حال انتخابنا لرئيس جمهورية، فسيزيد من الانقسامات بالتأكيد، وستخرج المظاهرات المطالبة بتنحية منذ اليوم الأول، وفي النهاية سيفشل في تحقيق وعوده.
ثم يخرج علينا من جديد جنرال آخر لينقذ البلاد والعباد من مصير سوريا والعراق.
هل تجد المشهد مألوفا؟ بالتأكيد، فهذا ما حدث بعد الثورة، ثورة يناير، لأن قوى التغيير قد اتفقت عما ترفضه ولكنها لم تعلم ما تريده، فتجاذبتها الأهواء والأنواء، لتلقي بها في حال أسوء من حالها في عهد مبارك. ولن تحدث أي ثورة حتى ولو تكررت كل عام أي تغيير مادامت أسئلة الثورة لم يتم الإجابة عنها، وما لم يتم الوصول لأرضية مشتركة حول القضايا الأساسية، من حقوق وحريات وهوية وإصلاح ومؤسسات وعدالة انتقالية وغير ذلك.
لن تحدث أي ثورة حتى ولو تكررت كل عام أي تغيير مادامت أسئلة الثورة لم يتم الإجابة عنها، وما لم يتم الوصول لأرضية مشتركة حول القضايا الأساسية.
لسنا بدعة بين الأقوام، كما أن لنا خصوصيتنا، وبدون التعلم من الماضي القريب فإن أي ثورة لن تحدث أي تغيير مادمنا نتعامل معها بنفس المنطق الحالي.