
هل وجدتم ما وعد السيسي حقًا؟
مهند حامد شادي
هل وجدتم ما وعد السيسي حقًا؟
«مصر أم الدنيا وهتبقى اد الدنيا».
- الفريق أول عبد الفتاح السيسي، في لقاء مع عدد من ضباط القوات المسلحة بمسرح الجلاء، 14 يوليو 2013.
***
بدا نظام السيسي متفائلا منذ البداية، مغترا بحشود خرجت منادية باسمه، بغض النظر عن حدود دوره في صنعها.
بدا نظام السيسي متفائلا منذ البداية، مغترا بحشود خرجت منادية باسمه، بغض النظر عن حدود دوره في صنعها والعمل على حشدها، فأخرج لنا وعودا وقصائد وردية عن مصر الكائنة ومصر التي ستكون. ترى بعد هذه السنوات الثلاث، هل وجد الناس أثر هذه الوعود؟
الدين لله والقمع للجميع
في الحقيقة فإن النظام قد حظي بما لم يحظ به أي نظام آخر، دعم شعبي حقيقي في بداية حكمه، مع اصطفاف كامل لأجهزة الدولة خلفه، بالإضافة لحشد كافة موارد الدولة العميقة من أجل استقراره، مع وجود تمويل سخي من دول خليجية داعمة، وذلك كله في إطار سياق عام بدى مواتيا للنظام في ظل حالة عامة لانكسار الثورات العربية.
في مقابل كل ذلك فإن سياسات كانت تسعى جاهدة لتدمير كل ما سبق، في البداية بدأ الامر وكأنه يواجه خصمه الذي ولد على جثته، فبدأت سلسة المجازر ضد معارضي 3 يوليو، من الاسلاميين خاصة ومن الاخوان المسلمين بالأخص. ثم بدأت الدائرة تتسع، فأصبح كل من انتمى يوما للثورة معرض للاعتقال والقمع والتضييق، فتم اعتقال أحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وتم التضييق على كافة القوى التي شاركت في الثورة ممن عارضوا النظام في ذلك الوقت، ثم أصبح النظام أعمى في مستوى قمعه فطال ليس فقط كل من يعارضه، بل كل من لا يغرد في سربه، وتمت «تنقية» دوائر النظام من كل من تم استخدامه لتثبيت دعائم النظام في البداية من أعضاء جبهة الانقاذ ودوائرهم.
أعلنها النظام صريحة، القمع سيد الموقف.
النظام قد حظي بما لم يحظ به أي نظام آخر، دعم شعبي حقيقي في بداية حكمه، مع اصطفاف كامل لأجهزة الدولة خلفه.
«سنتين»
- المشير عبد الفتاح السيسي في إجابته عن متى يشعر المواطن بتحسن، أثناء لقاءه التلفزيوني الأول مع كل من لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، 5 مايو 2014.
من الشقيقة الكبرى لرجل العرب المريض
حتى تلك اللحظة بدا وكأن النظام يعارض خصومه، فيما بدا وطنيا يحافظ على الدولة واستقرارها، بالنسبة لمؤيديه، حتى بدأت تتصاعد مظاهر التحالف بينه وبين الكيان الصهيوني، فمن تنسيق أمني إلى تبادل زيارات، فضلا عن تأييد في السياسات، لذا لم يكن غريبا أن تكون زيارة سامح شكري -وزير الخارجية – حميمية لدرجة مشاهدة مباريات كرة القدم مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني. كان هذا شرخا في خطاب الوطنية الذي صدره النظام، ما لبث أن انفطر حينما قام نفس النظام ببيع جزيرتي تيران وصنافير بطريقة كان المظهر العام لها يوحي وكأن الملك سلمان قد جاء لكي يشتري ما يريد من سوق مفتوحة ليس عليها رقابة أو محظورات. لهذا لم يكن غريبا ما صرح به مكرم محمد أحمد من أن اتفاقية الجزيرتين تم إمضاءها قبل هبوط طائرة الملك سلمان.
ترافق كل هذا مع مظاهر من التبعية للخليج، السعودية والامارات بالأخص، في مشاهد كانت رمزيتها أهم من قيمتها الموضوعية. كل هذا ضحد خطاب الوطنية والاستقلال الذي كان النظام يسعى للتدثر به، فانتهى بنا الحال أن يسخر من رأس النظام مسئول رسمي بشكل لا يقبل الشك في إهانته بعد أن قدم النظام نفسه عرضا لا يقل إهانة بتصويت مزدوج في مجلس الأمن سعى فيه لكسب ود الجميع فانتهى به الحال محط سخرية من الجميع بعد إدراكهم لمكانته ومحدودية قيمته.
فسقطت ورقة الوطنية عن عورة النظام.
«سنتين كمان هتلاقوا أمر عجيب حصل في مصر، وهتستغربوا حصل إزاي»
- عبد الفتاح السيسي، في لقاء مع أعضاء الجالية المصرية في ألمانيا، 4 يونيو 2015.
«أيام سودة»
تابعت فئات الشعب المختلفة كل ما سبق أو بعضه، لم يكن بعضها مهتما به، فكل ما كان يشغله هو لقمة عيشه التي يسعى إليها وحاله الاقتصادي/الاجتماعي الذي يعيشه، لكن النظام الذي قتل الشعب وباع الأرض، أبى إلا أن يكمل الثالوث المدنس، فمضى بجدية وإصرار في الاعتداء على حال البسطاء.
ففي مقابل مليارات الصفقات العسكرية، ورفع رواتب الضباط –شرطة وجيشا- والقضاة، ومشاريع قومية تناسب طموحات «طبيب الفلاسفة»، في مقابل ذلك كان حال البسطاء يهبط من سيء إلى أسوء، حيث ارتفعت نسبة الفقراء من 26.3% عام 2013 إلى 27.8% عام 2015 بما يعني هبوط مليون 368 ألف مواطن تحت خط الفقر، الذي هو خط مصري يقابل 482 جنية شهريا للفرد، بينما يقف حد الفقر العالمي عند 1.9 دولار يوميا للفرد وهو ما يعني ازدياد نسبة الفقراء حالما تم تطبيق هذا المعيار. فضلا عن ذلك فإن نسبة التضخم – ومن ثم ارتفاع الأسعار – قد زادت في سنة واحدة من 10.6% سنة 2015 إلى 16.4% سنة 2016، وذلك طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
لم يترك النظام موبقا إلا فعله، ولا ثابتا إلا هدمه، حتى أصبحت أفعاله لا تدل على أي سعى نحو مصلحته هو نفسه بله أن تكون مصلحة البلاد والعباد.
لم يكتف النظام بكل ذلك بل جاء الأسبوع الماضي بما يشبه إعلان كامل منه بالقضاء على كل ما تبقى من «ستر» الناس، فما قام به النظام من حملة نفسية بالأساس في سوق العملات، ترافق معها قرارات شديدة السوء، محدودة الأفق، وغير مبالية بالطبقات الفقيرة، كل ذلك تمهيدا لصدمة تحرير سعر الصرف بالكامل والذي ترافق معه ازدياد أسعار الوقود مما عنى ازدياد قيمة المواصلات وارتفاع سعر أسطوانات الغاز، وتخفيض عدد عبوات الدواء المتاحة لكل صيدلة نتيجة ارتفاع سعر الدولار الرسمي، بل وصل الأمر لتذاكر الطيران أي أن حتى خيار الخروج من البلد أصبح عسيرا.
لم يترك النظام موبقا إلا فعله، ولا ثابتا إلا هدمه، حتى أصبحت أفعاله لا تدل على أي سعى نحو مصلحته هو نفسه بله أن تكون مصلحة البلاد والعباد، وهو في مقابل ذلك كله لا يزال يرى أنه يحسن صنعا ويرتقي بالبلاد نحو آفاق لم تشهدها من قبل، وإنجازات لم تكن لتحقق في عشرين عاما، وحين يقر بالتقصير فالشعب هو المسئول وهو المثبط لطموحات زعيم لم يعد يرى إلا نفسه.
كنا طوال السنوات الماضية نحذر من هاوية يدفعنا إليها دفعا نظام احترف الفشل، نرجو الآن من الله ألا نكون قد وقعنا فيها.
«خلال العامين الماضيين حجم ضبط النفس من الدولة تجاه الشعب كان كبير لتجنب حالة الاحتقان السائد»