أبو سويلم القاطن في جزيرة الوراق
هاني بشر
أبو سويلم القاطن في جزيرة الوراق
يعد مشهد محمود المليجي في نهاية فيلم الأرض وهو متشبثا بالزرع ويتم سحله أحد أهم مشاهد السينما المصرية إن لم يكن العربية والعالمية أيضا. لقد كانت نهاية القصة في الفيلم تمثل ذروة القهر الاستبداد، وربما لو تم إنتاج جزء ثان من فيلم الأرض لكان أبشع وأقسى بالنظر لما يجري من تهجير وتشريد لآلاف الناس من رفح إلى القرصاية وصولا إلى جزيرة الوراق. إذ ليس من المستبعد أن يتحول المجني عليه في محاولة الاستيلاء على مساكن أهالي الوراق إلى الجاني وتتم محاكمتهم كما تمت محاكمة من اعترض من أهالي جزيرة القرصاية من قبل.
وفقا لرواية باب الخروج لعز الدين شكري فشير فإن محاولة الحكومة لإخراج الناس من بيوتهم وتهجيرهم ستتم في أرض اللواء. الأمر الذي ينجم عنه مناوشات بين الأهالي وسلطات الأمن ويخرج عن السيطرة. السيناريو الوارد في الرواية أقل بشاعة مما حدث مع أهالي جزيرة الوراق. الأمر الذي يشير إلى أن خيال الأدباء والفنانين مهما جمح سواء في فيلم الأرض أو رواية باب الخروج فلن يصل إلى درجة السوء الذي تتعامل به السلطات مع الناس.
إن إخراج أي إنسان من بيته لهو جريمة بشعة ولو كانت السلطة هي التي تقوم بها. وقد قرن القرآن الإخراج من الديار مع قتل النفس لما في التشتيت والتهجير من أثر مدمر على الإنسان وأسرته وحياته. "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه كثير منهم." سورة النساء. وليس هناك مجال للاحتجاج بمسألة التعديات والمباني المخالفة. فمحافظة الإسكندرية التي تعج بالعقارات الآلية للسقوط والتي تم تصويرها وهي مائلة أولى بالإزالة من منازل أهالي جزيرة الوراق. هذا بالإضافة لشهادات كثير من الصحفيين الذين زاروا أهالي المنطقة وعرضوا وثائق تثبت ملكيتهم لهذه العقارات وأنها مستوفية للشروط القانونية المطلوبة.
لم تقم الحكومة بأية محاولات للتفاهم مع الأهالي في إطار تعويضات أو تقديم بدائل، هذا إن كانت قرارات الإزالة شرعية وللصالح العام أصلا. والدولة قبل أن تكون مسئولة عن تنفيذ قرارات الإخلاء الحكومية هي مسئولة في المقام الأول عن توفير سكن مناسب لكل مواطن. فحق السكن من الحقوق الأساسية لأي إنسان. ولا ندري ماذا ستفعل السلطات خلال الساعات القادمة. فحتى كتابة هذه السطور يبدو الأمر متوترا للغاية وهناك إصرار من الأهالي على عدم ترك بيوتهم، وإصرار مقابل من الحكومة مدعومة بقوات من الشرطة والجيش لتنفيذ عمليات الإخلاء.
تختلف محاولة تهجير أهالي جزيرة الوراق عن تهجير أهالي رفح لأنها تقع ضمن حدود محافظة الجيزة في وسط العاصمة وكل تفاصيل ما يحدث تنقله وسائل الإعلام. كما أن ما حدث من تفريط في جزيرتي تيران وصنافير ماثلا أمام أعين الرأي العام بالإضافة لما جرى في القرصاية. مما يعني أن هذه الممارسات الحكومية تصب مزيدا من الزيت النار الموقدة أصلا. وربما ينتج عن هذا ردود فعل غير متوقعة من الناس. فإذا اقتحمت أسر عددا من المنازل غير المسكونة للطبقات الغنية في الزمالك أو غيرها من الأحياء القريبة، هل الحكومة مستعدة لخوض معركة أخرى لإخراجهم منها؟ إن السلطات أو المجالس المحلية يمكن أن تمر بفعلتها إذا هجرت أسرة أو اثنين لكن أن تقوم بتشريد كل هذا العدد من البشر في قلب العاصمة، فهذا أمر خطير سيكون له غالبا ما بعده. وأخشى أن يكون مشهد النهاية هذه المرة أكثر قتامة ووحشية مما تنقله وسائل الإعلام حتى الآن.
