المصريون في حروب الخليج
هاني بشر
المصريون في حروب الخليج
بحكم الجغرافيا، فإن دول الخليج العربي هي عمق استراتيجي لمصر والعكس صحيح. وبحكم الاقتصاد، فإن هناك مئات الآلاف من المصريين يعملون منذ عقود في دول الخليج ولا يزالون وهناك استثمارات خليجية متنوعة مصر. وبحكم التاريخ والتأثير الثقافي، فإن هناك قدرا مشتركا يصوغ مقادير الأمور وأمزجة الشعوب في مصر ودول الخليج بغض النظر عن تمركز الثروة المالية في شرق البحر الأحمر أو غربه.
حين غزا صدام حسين الكويت، لم يكن لمصر على المستويين الرسمي أو الشعبي أية مسئولية عما جرى سواء إيجابا أو سلبا. لكن المصريين العاملين في العراق والكويت دفعوا كثيرا من فواتير هذه الحرب، فآلاف العائلات عادت لمصر فجأة وضاع على كثير منهم مدخرات سنين الشقاء التي راحت مع دوي المدافع وأزيز الطائرات. الذين عادوا وقتها وجدا بلدا به الحد الأدنى من مقومات الحياة. كانت هناك فرصة مواتية للبدء من جديد، فموظفو الدولة والقطاع العام والمدرسين أنهوا إجازتهم الطويلة ودبروا أمورهم المعيشية برواتب قليلة خاصة وأن كثيرا منهم قد بنى بيتا أو اشترى شقة. وحتى الآخرون ممن لم يتمكنوا من ذلك كان أمامهم فرصة الاتكاء على بعض المدخرات حتى يدبروا عملا بديلا لتستمر حياتهم. لم يكن هناك قلق كبير على مصاريف المدارس الخاصة التي لم تكن قد انتشرت كما هو الحال الآن والتي تتجاوز مصاريفها حاليا أسعار المدارس الخاصة في أوروبا. الاقتصاد المصري نفسه انتعش قليلا من الأموال الخليجية التي ضخت لاحقا كمكافأة لمشاركة مصر في التحالف الدولي الذي تشكل لطرد القوات العراقية من الكويت.
الوضع تغير حاليا بشكل جذري ودول الخليج تغلي على صفيح ساخن واللامعقول هو سيد الموقف. إن كل أسباب الحروب الكبيرة تبدأ بحوادث تبدو تافهة، فيكفي أن تضع البنزين بجوار النار حتى تتكفل أي شرارة بالإشعال. وأعتقد أن البنزين بجوار النار حاليا في الخليج ولا ينقص الأمر سوى سبب بسيط ليندلع الحريق الذي لا يستثني أحدا وهو ما لا نتمناه لكن ينبغي الاستعداد لكافة سيناريوهاته. وإذا حدث لا قدر الله، فإن المصريين سيدفعون ثمانا كبيرا ليس معروف حجمه حتى الآن بسبب أن مصر رسميا ليست على الحياد كما كان في أزمة غزو الكويت، وثانيا لأن أعداد المصريين في الخليج زادت والوضع الاقتصادي داخليا في مصر ليس بالمستوى الذي يستوعب عودة الآلاف إن لم يكن الملايين.
بحسب تقديرات وزارة القوى العاملة والهجرة، فإن أعداد المصريين في المملكة العربية السعودية وحدها يقدر بما يربو على مليوني مصري وهناك أكثر من مليون شخص موزعين على الإمارات والكويت وقطر. أي أن نحو ٤٪ من سكان مصر يقطنون الخليج ويمدون مصر بالدولارات في صورة تحويلات أو شراء عقارات أو إعالة أسرهم. وهم بالطبع لا يستفيدون من الدعم الحكومي أو المرافق العامة. وسيكون هؤلاء أول المتضررين بأي هزة كبرى في دول الخليج. وليس هذا مقتصرا على المصريين في دولة دون أخرى لأن اشتداد الأزمة يعني انعكاسا سلبيا على الوضع الاقتصادي في الخليج الذي تكون العمالة الوافدة أول ضحاياه، ناهيك عن الأسباب السياسية وهي كثيرة.
أعرف أن كثيرين من أبناء الطبقة المتوسطة العليا قد بدأوا في شراء عقارات في دول أوروبية وخاصة تلك التي تعطي إقامات بسبب امتلاك عقار مثل إسبانيا. وتمثل هذه الدول الأوروبية وجهتهم القادمة إذا انتهت مدة إقامتهم في الخليج لأي سبب. لكن هذا لا ينطبق على السواد الأعظم من المصريين الذين لا تمكنهم أوضاعهم المالية من هذا الخيار. أضف إلى ذلك أن خيار الحصول على إقامة في أوروبا هو خيار مؤقت يضمن مكان إقامة ولا يضمن دخلا أو وظيفة ومعظم الدول الأوروبية تعاني من بطالة متفشية.
لم أجد أية إشارات رسمية تتحدث عن أوضاع العاملين في دول الخليج في ظل هذه الظروف التي نعيشها، سوى تصريح مضحك لوزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج السفيرة نبيلة مكرم تتحدث فيه عن استعداد مصر لاستقبال ما يقرب من ٣٠٠ ألف مصري إذا عادوا من قطر وتوفير فرص عمل له. وهو أمر غريب من نظام اختار أن يكون طرفا واضحا في هذه الأزمة الخليجية من دون الأخذ في الحسبان ثلاثة ملايين من مواطنيه يعيشون هناك.
