
عيد تيران وصنافير
هاني بشر
عيد تيران وصنافير
حينما أرادت مصر أن تباغت إسرائيل في حرب ١٩٧٣ اختارت عيد الغفران عند اليهود وعندما أرادت الحكومة العراقية المدعومة أميركيا في ذلك الحين إعدام صدام حسين اختارت يوم عيد الأضحى.
الحرب دائما خدعة وطريقة استغلال أعياد الخصم للهجوم عليه لضمان محدودية رد فعله معروفة وقديمة. فأصحاب الأعياد دائما مشغولون بأعيادهم، خاصة في يومها الأول. لكن الغريب أنها كانت طريقة تستخدم دائما بين الأعداء قبل تفعلها الرئاسة مع من يفترض أنهم أصدقاء وشعب حين تم التصديق على اتفاقية تعيين الحدود البحرية سيئة الذكر بين مصر والسعودية ليلة عيد الفطر وهو ما يعني تنازلا عن قطعة هامة من أرض الوطن هما جزيرتي تيران وصنافير.
لو افترضنا جدلا أن الجزر من حق السعودية وأنه لم يصدر قرار يؤكد مصريتها من أعلى محكمة مصرية وهي المحكمة الإدارية العليا. حينها ليس من اللائق لرئيس جمهورية أن يتخذ قرارا مصيريا مثل هذا في ليلة العيد وهو يعلم أن أغلب المصريين يعارضون هذا التنازل المشين.
يحدو الأمل كثيرون حتى آخر لحظة أن لا يتم هذا الأمر من الناحية العملية قبل انتقال السيادة فعليا للمملكة العربية السعودية على الجزر. لكن يبدو أن السيف قد سبق العزل. والمهم الآن هو التفكير في الخطوة المقبلة ما بعد تسليم الجزيرتين. وللأسف فإن حجية الأحكام المصرية بحق الجزيرتين محصورة داخل النطاق القانوني الداخلي المصري وليست حجة دولية يجبر السعودية على إعادة ما تسلمته بغير حق.
ليس لدي شك في أن الرأي العام السعودي يتابع القضية عن كثب وأنا واثق بأنه رأي عام واع ويعلم أنه لو كان لبلاده حق في الجزر لدافعت الحكومة السعودية بكل صراحة عن مليكتها لها وقدمت ما يثبت ذلك من أدلة ووثائق. لكن الحكومة هناك لم تفعل لأنها لا تملك أي دليل يجابه ما جمعه النشطاء والمحامون من خرائط ووثائق من كل المكتبات الكبرى في العالم لإثبات مصرية الجزيرتين. وأكاد أجزم أن الرأي العام السعودي غير راض عن هذا الأمر رغم ما قد يبدو وكأنه مصلحة سعودية. فالعلاقات بين الشعبين المصري والسعودي مبنية على أسس دينية وتاريخية وقومية متينة. الأمر هنا أبعد من النظام الحاكم في مصر أو السعودية ولكن يتعلق بروابط تاريخية وإنسانية هي أبعد ما تكون عن العداء وأقرب ما تكون للتحالف. لذا لدي أمل أن يكون الرأي العام السعودي مستقبلا نصيرا في استرداد هذه الجزر مرة أخرى وهو يرى الآن المعركة الشعبية التي يخوضوها المصريون من أجل الحفاظ على حدودهم. كما أنه يعلم يقينا أن المستفيد من نقل السيادة على الجزر ليست السعودية ولا مصر وإنما إسرائيل.
الشعوب دائما مثل الجمال صبورة ومتحملة لكنها لا تنسى وسترد في الوقت المناسب. والشعب المصري لن ينسى أن هناك من استغل انشغاله بفرحة عابرة وسط أكوام من الأحزان ليمرر قرارات ليس لها تأييد شعبي فضلا عن أن أنها مخالفة للدستور والقانون وصريح الأحكام القضائية. سيرد المصريون على هذا القرار في الزمان والمكان المناسبين مهما طال الزمن أو قصر، وساعتها أتمنى أن لا يستغرب كثيرون ردة الفعل فهي فواتير متراكمة ومستحقة الدفع.
إن هذه المعركة النضالية السلمية من أجل تيران وصنافير توضح أن الشعوب لا تبيع أرضها ولكن هناك من يدَّعون تمثيلها يتولون البيع بطريقة الأمور التي تدبر بليل. وأتمنى أن يتوقف المرددون لمقولة أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم لأنهم يرون أن الأرض تباع أمامهم من دون رضاهم والقاسم المشترك بين الفلسطينيين والمصريين أن كلاهما قاوم حتى لو لم يكتب لمقاومته النصر من الجولة الأولى. فالمقاومة علامة عدم الرضا وهي أصدق أنباءً من الاتفاقيات التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به.