
بيان الحكومة "نعم نستطيع".. إشهار إفلاس مصر!
عادل صبرى
بيان الحكومة "نعم نستطيع".. إشهار إفلاس مصر!
انتظر المصريون ثلاثة أشهر، أن يقف رئيس وزراء مصر، ليعلن أمام البرلمان خطته لإنقاذ البلاد من أزمة مالية خانقة.. طال الانتظار بسبب تباطؤ البرلمان في إنهاء لائحته الداخلية، وتعديل وزاري، لم يلتفت إليه الناس، آملًا في أن يأتي رئيس الوزراء بجديد.
جاء بيان الحكومة تحت عنوان "نعم نستطيع" الذي "سرقه" رئيس الوزراء ومن يعملون تحت إمرته، من شعار الرئيس الأمريكي أوباما في سباقه الرئاسي إلى البيت الأبيض الأمريكي، فدفعنا إلى طبعه لنرى فيه أملًا جديدًا.
"نعم نستطيع" أو Yes we can جملة أوباما الشهيرة، التي رفعتها الطبقة المتوسطة والدنيا في أمريكا ضد اليمينية المتوحشة، فمكّنت ما يطلق عليهم الأوباش والأعراق المهمشة والمسلمين والأمريكان الجدد من تحقيق انتصار سياسي كبير، أعقبه تطور نوعي في حياتهم الاقتصادية، أعاد للدولار الأمريكي سيادته على سوق العملات وأمريكا عادت مركزا للعالم الحر دون أن تتورط في حرب خارج حدودها خلال السنوات السبع الماضية.
اعتقدنا أن سرقة الشعار أو اقتباس الدكتور شريف إسماعيل رئيس وزراء مصر غير المسند لمن رفعه، وسيلة لتقليد الأمريكان، في رفع مستوى المواطنين، وعندما فتحنا الأوراق السبعة والثمانين التي طبعناها، وجدنا أن الاستطاعة الوحيدة التي يعرفها رئيس الحكومة، أن يقول "نعم نستطيع إشهار إفلاس مصر" على وجه السرعة.
رأينا في البرلمان على مدار سنوات طويلة، رؤساء حكومات يقدمون خططا وردية، ويتلاعبون بالأرقام، آملًا في كسب تأييد النواب أو الاستمرار في مناصبهم، وإن ضحكوا على الشعب.. وكم أدرجت خططا لم تنفذ وبرامج لم تر النور، ولكن.. في نهاية الأمر كانت الحكومات حريصة على كتابة أرقام عن ميزانيات الوزارات ومعدلات النمو والاستثمار وتوفير فرص العمالة ومحاربة الغلاء والقضاء على البطالة بل وزيادة الرواتب للعاملين في الدولة والقطاع الخاص.. النواب يعتبرون بيان الحكومة باب الأمل للسعي وراء مصالحهم ومطالب دوائرهم، لذلك كانت لغة الأرقام حاضرة دوما في كافة البيانات والاجتماعات التي تناقش تفاصيل هذه الخطط في اللجان النوعية المختلفة.
اليوم جاءنا بيان مختلف، وكأننا أمام رئيس وزراء وهيئة وزارة تجهل كافة الأمور المتعلقة بهذا الحدث المهم في حياة الشعب والبرلمان. بدأ البيان بإظهار حالة "السواد" التي تعيشها البلاد حاليا من أزمة مالية خانقة، وأدخل الناس في أرقام معتمة، عن انخفاض معدلات البطالة من 13.3% إلى 12.7% . ولا نعلم لماذا اعتبر رئيس الوزراء عام 2010 سنة الأساس في الحساب الأسود الذي قدمه عن الحالة الاقتصادية لمصر.. فلأول مرة نرى رئيس حكومة يقارن أرقام العام الحالي بعام يسبقه بخمس سنوات، وليس عن العام السابق مباشرة. وعندما يتكلم عما سوف يفعله، يقول إن ذلك سيجري عام 2017 _ 2018، ونسى أنه يقدم البيان عن السنة المالية الجديدة وهي 2016-2017، التي سيحاسب أمام البرلمان والناس على أساسها.
وضع رئيس الوزراء أولويات نفقاته على الدفاع والأمن الداخلي والخارجي، وكأننا دولة في حالة حرب، ولا يدري أن الشعب متعطش إلى المزيد من فرص العمل وبناء مصنع أو مزرعة. فالشعب الجائع لن يدير حربا، ولن يصمد أمام الأعداء، بما يؤكد أن رئيس الحكومة لا يحدد أولويات الخطط الحكومية ولكنها توضع في مكاتب أخرى بعيدة كل البعد عن الشارع وأوجاع المصريين.
يخبرنا رئيس الحكومة بطريقة ناعمة في الورقة الخامسة أن استمرار الدولة لتقديم الخدمات بأقل من سعر تكلفتها الحقيقية لعشرات السنين أدى إلى تراجع الاستثمارات في البنية الأساسية، وتدهور كفاءتها، وبذلك مهد لما بعده، بأن حكومته ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة لمواجهة تلك الأزمة. وفي ذلك يبين أن الدين العام زاد بمعدل 28% ليصل إلى 2.3 تريليون جنيه، بنسبة 93.7% من الناتج المحلي الإجمالي وارتفع العجز في الميزان التجاري مع تراجع السياحة والتصدير وزيادة الدعم والأجور. ويركز رئيس الوزراء في أرقامه بدقة في هذه الناحية، ليصل إلى ما يريده في البيان بأن الأجور للموظفين في الدولة والدعم وخدمة الدين العام تلتهم 80 % من الموازنة العامة، وأن الـ 20% المتبقية ستوجه للإنفاق على صيانة البنية الأساسية والخدمات المقدمة للمواطنين في التعليم والصحة والصرف الصحي والنقل وغيرها.
باختصار يقول رئيس الوزراء إن ما لديه من أموال ستكفي بالكاد أجور الموظفين ودعم بعض السلع والخدمات البسيطة، ولا خطط للاستثمار في أية مشروعات ذات قيمة، قد تدرّ على البلاد أموالا تمكنها على الأقل من مواجهة أعباء الدين على الحكومة التي ستزيد حتمًا مع تدهور قيمة الجنيه ورفع سعر الفائدة بالدولار والجنيه المصري، وتكلفة الخدمات والسلع التي تستوردها أو تشتريها الدولة. بهذه الأرقام السوداوية اختفت أية علاقة ببيان الحكومة بلغة الأرقام وواصل عبر صفحاته الأخرى كلاما إنشائيا حتى آخر الجلسة التي أذيعت على فترات في التلفزيون والإذاعة.
واصل رئيس الوزراء بيانه، دون أن يقول للناس إن الميزانية "خربانة" وأن الدولة في موقف حرج، وبدلا من ذلك التف حول كلامه بكلمات فاقدة الرؤية والهدف. فرغم أنه تجاهل دور القطاع الخاص والأجنبي في إمكانية تعويض العجز الحكومي بتشجيعه على تدبير استثمارات منه وتوفير فرص العمل لملايين العاطلين، أكد على أن الفترة المقبلة ستشهد قرارات صعبة، وهي طبعا ستكون صعبة على الجميع، مع إصرار الحكومة على زيادة أسعار السلع والخدمات التي تقدمها للمواطن مثل الكهرباء والبنزين والسولار والغاز، والمواصلات العامة، وربما ستشمل الزيادة مصروفات الجامعات والمعاهد. وفي الوقت نفسه أكد أنه سيتم فرض ضرائب على الفئات القادرة.
أي أن رئيس الوزراء لم يعد لديه حيلة إلا أن تستمر الدولة فيما هي عليه، وهي "دولة الجباية". فكلما أرادت أموالا تفرض ضرائب على المواطنين، أو ترفع أسعار السلع والخدمات أو تقترض من الداخل والخارج دون أن تنظر لخطورة هذه التصرفات التي تدفع من لديهم أموالاً للهروب من سوق استثمار معوج، يعاني من عدم الاستقرار التشريعي وحالة ركود تضخمي، لا يبشر بتحسن في المدى القريب والمتوسط، والبعد الاجتماعي الذي يهدد بمزيد من الانهيار للطبقتين الوسطى والدنيا اللذين يمثلان الأغلبية الساحقة في المجتمع.
واضح في البيان كم الأخطاء التي وقع فيها رئيس الوزراء، فلم يخبرنا كم وظيفة سيوفرها أو ملايين الجنيهات التي يمكن أن يستردها للخزانة العامة من محاربة الفساد، بل مرّ مرور الكلام على كافة القطاعات النوعية في الدولة. تناول فقط بعض الأرقام الهزيلة التي ذكرها عن معدلات بناء الفصول بالمدارس التي وفر لها 6 مليارات جنيه، بينما وزارة التعليم – كما يذكر البيان – تحتاج إلى 100 ألف فصل تعليمي جديد، تبلغ تكلفتها نحو 30 مليار جنيه، العام الحالي، عدا الحاجة إلى 50 ألف فصل أخرى تبلغ تكلفتهم 15 ألف جنيه، للقضاء على تعدد الفترات بالمدارس. كما تناول بسرعة أرقاما حول مشروعات بترولية جديدة وأخرى بالكهرباء والنقل تخدم الخطة السنوية للدولة، غير مدرج لطبيعة التمويل الذي يخدمها، والتي نعلم جميعا أنها ستسدد من قروض من جهات دولية عديدة، أي أنها ستزيد حتما من الاقتراض الخارجي بالعملة الصعبة.
سار البيان الحكومي على نهج أسلافه من حكومات الحزب الوطني، فلم يجعل له سندا شعبيا، قابله النواب بفتور وتعجب، مع ذلك يصر رئيس البرلمان علي عبد العال، أن تمر الحكومة بسلام، وتحصل على ثقة النواب. قد لا يدري رئيس البرلمان حديث العهد بالسياسة أن الحزب الوطني الذي اتخذ رئيس الوزراء نهجه، كان يفتخر في آخر بيان لحكومته أمام البرلمان، وهي نفس سنة الأساس التي اعتمد عليها الدكتور شريف ذاته، أنهم أكثر الناس فهما للشعب واحتياجاته. فقد افتخر أمين الحزب الوطني صفوت الشريف قبل الثورة بأيام بأن الناس اختارتهم بالأغلبية، والتصويت عليهم في انتخابات أكتوبر 2010 كان دليلا على أن الناس تثق في حكمتهم وقدرتهم على إدارة شئون البلاد، فإذ هي أيام ويثور الشعب على الرئيس والحزب الحاكم والحكومة ويحل البرلمان، لأن التزوير في الأرقام والتلاعب بمصير العباد، وعدم فهم أولوياتهم، يخلق مناخا مواتيا للصدام والثورات.
نعلم أن الحكومة الحالية ليس بيديها شيء، ولكنا على يقين أن الأيام المقبلة، سيطلب فيها من الناس تجرع المرار وتحمل قرارات صعبة، وشد الحزام، وبالتأكيد لن يطيق من معهم المال تحمل تلك المصاعب، فربما يقولون مثلما قال رجل الأعمال "نجيب ساويرس الأحد الماضي، أرض الله واسعة". فالحكومة قد سدت باب الأمل أمام الناس في غد أفضل، بعد أن سدت الأجهزة الأمنية أمامهم أبواب الحرية والعيش بكرامة وإنسانية. يمكن أن يتحمل الناس الفقر، ولكن على الحكومة أن تعي بقدر الصعوبات التي سنعيشها، عليها أن تفتح أمام الجميع أملا في النجاة، فلا يعقل أن تكتفي الحكومة ببيان هو في حقيقته إشهار لإفلاس مصر.