رئيس التحرير: عادل صبري 01:16 مساءً | الاثنين 07 يوليو 2025 م | 11 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

الصينيون يتعجبون من حكومة "تطفيش" الاستثمار !

الصينيون يتعجبون من حكومة
07 فبراير 2017

الصينيون يتعجبون من حكومة "تطفيش" الاستثمار !

عادل صبرى

الصينيون يتعجبون من حكومة "تطفيش" الاستثمار !

 

وجهت الحكومة ملايين الدولارات لتحسين صورة مصر في الخارج عبر شركات أمريكية وأوروبية، بهدف جذب حركة السياحة وإعادة الثقة في مصر، كدولة جاذبة للاستثمار.

 

ولم تفوت الحكومة فرصة تواجد وزرائها في أي محفل دولي أو محلي إلا وتشرح الكم الهائل من المنح والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين، لدرجة تصل إلى حد استجداء الأموال والدفع بهم إلى توجيه أية مبالغ للاستثمار في البلاد. تدنت طموحات الحكومة إلى حد منح تسهيلات في شراء الجنسية المصرية، بمجرد امتلاك شقة بالدولار ودعوة العاملين بالخارج إلى دفع ثمن أراضي بيت الوطن وغيرها بالدولار. في الوقت نفسه زادت ديون الدولة لتصل إلى 102% من الناتج القومي، وشحت فرص العمل مع ندرة الأموال اللازمة لتوليد فرص عمل جديدة، وإنقاذ القائم منها، في ظل ارتفاع مخيف للأسعار المصاحب لحركة ركود على طلب أغلب السلع والخدمات.

 

كانت الكارثة في هروب 3 مشروعات للخارج بعد أن وضعت حجر الأساس وضخت عشرات الملايين في البنوك المحلية.

 

من ينظر إلى كلمات الحكومة يعتقد أنها تتلهف على أي فرصة جديدة تأتيها للاستثمار من الخارج أو الداخل، حتى فوجئنا بمئات شكاوى كبار رجال الأعمال التي تتهم الحكومة صراحة بأن "سياسات المجموعة الاقتصادية والحكومة وراء فشل التنمية الصناعة والاستثمار". هذه الاتهامات التي نقلها للبرلمان أمس النائب ورئيس جمعية المستثمرين في مدينة برج العرب فرج عامر، نيابة عن رجال الأعمال، جاءت متواكبة مع صرخات زملائه في المناطق الصناعية الأخرى واتحاد الصناعات وغيرهم في الغرف التجارية المركزية وفي المحافظات. فالشكوى عامة من أن الدولة تؤخر تراخيص المصانع الجديدة ولا توفر الدولار والتمويل للمشروعات الجديدة أو القديمة، مع غياب القوانين الجاذبة للاستثمار!

 

إذا كان حال الصُناع والتُجار المصريين كذلك، بسبب عدم قدرة الحكومة على توفير الدولار لأولاد البلد، فإن ما شهدته من مشاكل مع الشركات الصينية التي اطلعنا عليها أمرّ وأنكى، بكثير. فالشركات الصينية لديها القدرة على توفير 40 مليار دولار، تستطيع ضخها في السوق المصرية خلال عام واحد. وعرضت الحكومة الصينية من خلال سفارتها بالقاهرة ولقاءات اللجان المختصة في الحكومتين بالقاهرة وبكين، عشرات الخطط لضخ هذه الأموال في مصر خلال العامين 2016، و2017.

 

مشكلة الصين أن الأموال مكدسة في البنوك لديهم ويحتاجون إلى أسواق يثقون في قدرتها على توظيف تلك الأسواق، ومصر بالنسبة إليهم أحد هذه الأسواق المهمة والكبرى اقتصاديا وبشريا وجغرافيا وأيضا سياسيا، ووقوعها في مشروع "الحزام والطريق" الذي تبنّاه الرئيس الصيني شي شينبنغ، لإحياء الطريق التجاري القديم طريق الحرير بين الصين والدول العربية وأوروبا، والذي تعتبر مصر من أهم محاوره البحرية التي ستربط بين الصين وأوروبا. وتواجه الصين أيضا مشكلة تكدس المصانع في سوق محلي بدأ يواجه أزمة خطيرة في ازدحام السلع داخله، ومجتمع بدأ يدخل عصر الرفاهية الاجتماعية، ويحتاج إلى فتح أسواق جديدة، ونقل الصناعات الأكثر كلفة إليها، وبداية التحول إلى الجيل الرابع للثورة الصناعية، التي تعتمد على التكنولوجيا الفائقة، بينما نحن مازلنا في المرحلة الأولى للثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا في القرن الثامن عشر.

 

الصين جادة في توفير المال لنقل الصناعات إلى مصر وكذلك التكنولوجيا المتوسطة والخبراء اللازمين لتشغليها، ومصر رحبت بذلك مرارا وشكلت لجانا رئاسية وأخرى وزراية، وفي نهاية العامين المنصرمين لم تقدم أي منها جديدا.

 

فوجئت خلال زيارتي الأخيرة للمنطقة الصناعية الصينية المصرية غرب السويس والتي دخلت في النطاق الجغرافي لمشروع تنمية قناة السويس أن التطور يسير ببطء وكانت الكارثة في هروب 3 مشروعات للخارج بعد أن وضعت حجر الأساس وضخت عشرات الملايين في البنوك المحلية. هربت الشركات لأن القوانين المصرية تبدلت فجأة وغيرت كل خطط المستثمرين، وأربكت الميزانيات المعتمدة من قبل.

 

قيمة المشروعات الهاربة تُقدر بمليار دولار بما يعني 1000 مليون دولار أي ما يوازي 20 مليار جنيه مصري!

 

هذه المصيبة حلت في مشروعين فقط وبقي الثالث ينتظر قانون الاستثمار الموحد، والتشريعات التي وعدت الحكومة بوضعها من أجل تسهيل فرص الاستثمار وخروج الشركات من السوق المحلية وتحويل الأرباح الرأسمالية. كما دخلت الحكومة في مفاوضات ماراثونية مع الشركات الصينية حول مساهمتها في بناء العاصمة الجديدة، ومشروع مترو الأنفاق انتهت خلال اليومين الماضين بانسحاب الصين من تلك المشروعين تماما، كما خرجت من قبل في مشروعات القطار وغيره.

 

قيمة المشروعات الهاربة تُقدر بمليار دولار بما يعني 1000 مليون دولار أي ما يوازي 20 مليار جنيه مصري!

 

في لقاءات عديدة  مع المستشار الاقتصادي والوزير المفوض بالسفارة الصينية  بالقاهرة، شاهدته يطلب من الشركات الصينية الصبر، وألا تتسرع في الخروج من السوق المصرية. المستثمرون يشكون مرارة الخسارة وتأخير المشروعات وعدم قدرتهم على الحصول على أرباحهم بالدولار لإعادة الفائض إلى شركاتهم الأم، أو إعادة تدويرها لشراء مكونات إنتاج جديدة وتوسعة المشروعات.

 

يقولون: نحن صبرنا على خسائر لسنوات في ظل عدم الاستقرار الأمني والمالي، وحكومتنا تمنحنا دعما لمواجهة هذه المشاكل، ولكن إلى متى سنتحمل نتيجة أخطاء المسئولين في مصر.. يقولون: نتعرض لمضايقات أمنية عند جلب الخبراء، وتجديد الإقامة، ويتأخر طلبنا في فحص الفرد ما بين 3 إلى 6 أشهر، وتغيير مفاجئ للقوانين، وبطء إجراءات التفتيش في المنافذ، والمعاملة العنصرية للمنتجات الصينية، لإجبار الشركات على دفع إتاوات في الجمارك وغيرها، وكثرة مستويات الفساد الإداري وغياب التشريعات الكافية لحماية المستثمرين ومحاسبة الفاسدين. وفي الوقت الذي تسعى فيه حكومتنا في بكين تقليص العجز التجاري ليتحول في صالح مصر، بشراء منتجات مصرية أكثر للسوق الصينية، لا نجد ما نشتريه أو يصلح للتصدير.

 

المدهش في الأمر أن الحكومة الصينية ورجال الأعمال يتخذون نفس موقف رجال الأعمال المصريين المتمسكين بهذا البلد، فلديهم أمل في المستقبل أكثر من ثقتهم في الحكومة، ورغبتهم في الاستثمار مرتفعة رغم ما تشهده البلاد من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، لأنهم يدركون أن مصر إذا أفاقت حكومتها وصلحت ستشهد طفرة اقتصادية كبيرة. ولديهم ثقة أن مصر هي محطة رئيسية في طريق الحرير، والأسواق العربية والإفريقية ولديها شباب واعد قادر على اكتساب المهارات الفنية بسرعة. فقد جربوهم في مشروعات خليج السويس وهم يديرون الآن أكثر من 98% من المشروعات الصناعية الصينية عالية التكنولوجيا، التي تستخدم الخامات المحلية من سيناء والبحر الأحمر وغيرهما.

 

لم تفعل الصين كما يفعل المستثمرون المصريون، فهم ينقلون التحذيرات بهروب المستثمرين بأدب جم، ويسمونها نصائح، ونحن نصرخ لأن الحكومة التي مرغت رأسنا في الوحل وجعلتنا نتسول الدولار من البنك الدولي وصندوق النقد ومن يشتري فينا ويبيع، من أجل حفنة دولارات، هي نفسها التي تضيع علينا فرص جذب مليارات الدولارات التي يمكنها إنقاذنا من الإفلاس والغلاء الفاحش الذي يلاحقنا في كل بيت وشركة ومؤسسة.

 

ربما تكون صرخات المصريين رقم مائة أو ألف ولكن الصين لن تشتكي كثيرا، فما لا يعرفه المسئولون المصريون الآن، أن الصين تواجه مشكلة داخلية كبرى، تتعلق بأزمة مالية أصابت العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسية. فقد خسرت الصين من احتياطها النقدي في العام الماضي نحو تريليون دولار، وتعرضت شركاتها إلى خسائر في بورصة الأوراق المالية، ووضعت قيودا على خروج الدولار من الداخل للخارج، هذه القيود جعلت الصين تخسر 30 صفقة للاستحواذ على شركات كبرى في أوروبا وأمريكا بلغت قيمتها 75 مليار دولار، بزيادة 7 أضعاف عما فقدته في عام 2015، وفقا لتقرير نشرته قناة سي إن بي سي الأمريكية المهتمة بسوق المال. كما تشير إلى ارتفاع العجز المالي عام 2016، بنسبة 3.8% وتعمل الحكومة على توجيه مزيد من النفقات الحكومية للمشروعات في الداخل لمواجهة زيادة معدلات البطالة وارتفاع الأسعار.

 

الحكومة التي مرغت رأسنا في الوحل وجعلتنا نتسول الدولار، هي نفسها التي تضيع علينا فرص جذب مليارات الدولارات التي يمكنها إنقاذنا من الإفلاس.

 

أصبحت فرص الاستثمار عزيزة، والشاطر من ينقض عليها، خاصة أن تلك الفرص مازالت شحيحة من الدول الأوروبية ونادرة من العرب والأمريكان، ويواجه المصريون مشاكل كبرى لتمويل أي فرص استثمار في مشروعاتهم القائمة، مع فقدانهم القدرة على بناء فرص جديدة.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية