رئيس التحرير: عادل صبري 09:25 مساءً | الاثنين 07 يوليو 2025 م | 11 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

كيف نقلم أظافر العسكر بالديمقراطية ؟!

كيف نقلم أظافر العسكر بالديمقراطية ؟!
27 يوليو 2016

كيف نقلم أظافر العسكر بالديمقراطية ؟!

عادل صبرى

كيف نقلم أظافر العسكر بالديمقراطية ؟!

هناك بون شاسع بين النظم الديمقراطية والفاشية، ولكن تظل قوة كبيرة طرفا قويا داخل النظامين، وهي قوة الجيوش.

النظام الفاشي يبرر وجوده على رأس السلطة إما بسبب ديني أو قبلي أو عسكري.. أما النظام الديمقراطي فوسيلته الوحيدة للحياة المستقرة هي الانتخابات للحصول على تفويض من الناخبين، يتكرر طلبه، في فترات زمنية محددة، أو الاستفتاء، عندما تستعصي مشكلة على الحل بقرار تنفرد به السلطات في الدولة.

في النظامين تظل قوة الجيوش مهمة لحماية الدولة، والحفاظ على سيادتها. فلا كرامة لدولة ديمقراطية بدون جيش قوي، والقوة هنا تعني شتى أنواع القوة، في العدد والعتاد والتفوق التكنولوجي والموارد المالية. فلا يمكن تصور أن تتسيد الولايات المتحدة العالم، بدون أن ترتكز في ذلك على أفضل جيش في العالم. ولن تواصل الصين الشيوعية رسميا تفوقها الاقتصادي دون بناء جيش قوى يحمي مصالحها في الداخل والخارج. ولم تستسلم اليابان أو ألمانيا للقيود التي فُرضت عليهما بعد الحرب العالمية الثانية، ويبنيان الآن جيوشا على أحدث النظم العلمية والعسكرية.


إذن بناء الجيوش القوية هدف أسمى لكل الشعوب، مع ذلك يبقى هناك هاجس كبير يسيطر على عشاق الحرية والحياة في ظل أنظمة ديمقراطية مستقرة، من أن تتحول الجيوش إلى معول هدم لهذا المسار الذي تختاره الشعوب بمحض إرداتها.


هذا الهاجس موجود في عقول أعرق البلدان الديمقراطية وهي بريطانيا وأقواها كما في الولايات المتحدة. فلم تخلو مخاوفهم من انقلاب العسكر في أدبياتهم العلمية وأعمالهم الفنية، فكل فترة تجد عملا سينمائيا يشير إلى تلك المخاوف كما ظهر في فيلم "Brave heart" الذي يشرح كيف أراد نبلاء اسكتلندا من القادة العسكريين الانقلاب على الملك إدوارد الأول.

وفي السينما الأمريكية تظهر عشرات الأفلام التي تبين أن الانقلاب العسكري يأتي أحيانا من أحد قادة الجيش الكبار أو الحرس الخاص للرئيس، ودائما يكون مدعوما باتفاق مع مخابرات أو جيش أجنبي أوقع العميل في حب السلطة. ومن أحدث تلك الأفلام فيلم “White House  Dawn”.. ويروي محاولة الانقلاب على الرئيس الأمريكي من أحد معاونيه العسكريين.

أدبيات السينما الأمريكية تناولت تلك الانقلابات لأسباب عديدة، تارة لأن الرئيس أسود، وأخرى لوقوفه مع الفقراء، على حساب كبار رجال الأعمال وصفقات السلاح، أو لهوس بعض القادة العسكريين بمظاهر العظمة، ورغبتهم في التحكم في إدارة العالم عبر إدارة منظومة الصواريخ النووية والقنابل الذرية التي تمتلكها الولايات المتحدة في أنحاء الكرة الأرضية.

لم تُخلق هذه الأفلام من عدم، فالولايات المتحدة عانت من الانقلابات العسكرية في مهد نشأتها، وكم حدث اغتيالات لرؤساء أمريكيين من قادة عسكريين متطرفين، إلى أن نضجت الأمة الأمريكية، واستقرت في أعماق مؤسساتها قضية التحول الديمقراطي، حتى في غياب الرئيس أو قتله كما حدث في اغتيال جون كيندي أو محاولة اغتيال رونالد ريجان.. لذلك تطرح دوما في أدبياتها أن الانقضاض على السلطة أمر مرفوض تماما من العسكر، وأن التغيير لا يتم إلا بتفويض من الشعب ولا يحل محل الرئيس إلا من جاء عبر الطرق الشرعية، أو الانتخابات، مثل نواب الرئيس المنتخبين أو رئيس مجلس النواب أو المحكمة الدستورية العليا.


ما وقع في تركيا مؤخرا أعاد للأذهان الصورة السيئة التي تفعله القوات العسكرية، في بلد اختار شعبه التحول إلى مسار ديمقراطي حقيقي، وبدأ في بناء مؤسسات قوية تجعل من التغيير السياسي منهجا للحياة، وأن تتبدل الحكومات بقرار من الشعب، وليس عبر القوة العسكرية الغاشمة.

وكان من المستغرب أن تعود القوات المسلحة إلى أدبيات القرن الماضي، وتستخدم نفس أدواتها القديمة التي استخدمتها في تركيا 4 مرات، ونجحت من خلالها في الاستيلاء على السلطة، ولم تدرس الفارق الهائل الذي حدث في المجتمع التركي. فقد أصبح المجتمع أكثر انفتاحا على العالم، أقوى اقتصاديا، يؤمن بحرية الفرد وقيمته في إدارة شئون الدولة، ويتحمل عبء قراراته المصيرية، بينما العسكر مازالوا يتمسكون بالسلطة في أعنف صورها الفاشية.

ولهذا لم يكن مستغربا أن يعيدوا الكرة للاستيلاء على الحكم، بعيد انتخابات برلمانية ورئاسية، وأن يكون أول خطأ استراتيجي لهم ليس محاولة قتل الرئيس المدني المنتخب من الشعب، بل ضرب البرلمان بالصورايخ والقنابل والطائرات.

 

لعل توظيف القوة العسكرية في ضرب مؤسسات الدولة الديمقراطية، بهذا العنف وراء توحد أحزاب المعارضة الكارهة لرئيس الدولة وحزب الأغلبية، وبتلقائية سريعة، حيث أيقن الفرقاء أن القوة الغاشمة لن تكون قاتلة لرأس النظام، بل مستقبل الدولة الفتية بأسرها.

توحد المعارضة والحكومة والرئيس في تركيا، ربما لم يلق استحسانا من خصوم أردوغان في خارج تركيا، بل أثار عليه كثير من نيران الحقد والغيرة من بعض الدول التي تمنت أن تنحدر تركيا إلى مستنقع دول الانقلابات، كما في أفريقيا وأمريكا اللاتنيية لتعود إلى معسكر جمهوريات دول الموز التي تشهد انقلابات يومية، بدلا من أن تتحول إلى نظام ديمقراطي يشهد به العالم.

المدهش في الأمر أن كثيرا من الكارهين لأردوغان في تركيا والخارج، ينددون الآن بالإجراءات التي يتخذها مع الانقلابيين، بموافقة البرلمان، والقضاء الرسمي، في وقت لم يذكروا شيئا عن ضباط قتلوا الموطنيين الأبرياء وحاولوا هدم البرلمان فوق رؤوس النواب، وأطلقوا الصواريخ على المخابرات العامة، والمقار الرئاسية والفنادق.  

وشاهدت على الهواء مباشرة، كيف كانت الطائرات الهجومية إف 16 تضرب النيران على المواطنين المتجمهرين ضد الانقلاب، في ميدان "تقسيم" الشهير وسط اسطنبول، ومن الضباط من كاد يورط الدولة في حرب مع روسيا.


إن القوة الغاشمة التي وظفها الانقلابيون العسكريون في تركيا، لا يجب أن تتوقف عندها الحكومة هناك، بل في كافة الدولة التي تريد خيارا ديمقراطيا سليما، وهي كيف يمكن للشعب أن يضمن بقاء القوات المسلحة في أيدي أمينة على حق الشعب في اختيار الحكومة التي يريدها والنظام السياسي الذي يحقق له أهدافه؟.. وكيف تصبح الدول في مأمن من هوس بعض العسكريين بالسلطة، فيستغل رغبة الشعب في تقوية جيوشه، ويدفع قوت يومه في بناء جيش قوى، ليحمي المؤسسات بعيدا عن استغلال بعضها لضرب هذه المؤسسات في أية لحظة.

لقد تمكنت الدول ذات المؤسسات الديمقراطية العريقة، من بناء نظام يحميها في الداخل، مع ذلك لا تتورع أن توظف هذه الأمراض مع دول خارجها، كما حدث مرارا في المنطقة وأمريكا الجنوبية وآسيا بل وأوروبا الشرقية.. الأمر لم يعد سهلا فالعالم يشتاق لأنظمة ديمقراطية حقيقية، وما حدث في تركيا أمر مخيف، فقد استخدمت الصواريخ والطائرات والبوارج ضد إرادة الشعب، فماذا لو كان أحد الجنرالات يتحكم في قنابل ذرية أو صواريخ نووية، فهل نتوقع ألا يوظف هذه القوة الفتاكة بعد أن فشل في تحقيق أغراضه بالقوة التقليدية الغاشمة؟


علينا أن نوقن بأن الديمقراطية مسار شعبي يختاره الناس بإرادتهم، ولا يمكن استيرادها من الخارج، فأغلب النظم الفاشية تعيش وتستمر في نهجها بدعم من دول ديمقراطية كبرى، لذلك علينا أن نحدد ونحن في بداية الطريق، كيف نضمن الوصول إلى مسار ديمقراطي، لا يتحول بين عشية وضحاها إلى ما آل الحال عليه في تركيا  خلال دقائق معدودات، ومن لم يلحظ ذلك فعليه مراجعة المشاهد الساخنة أو مشاهدة الأفلام الأمريكية الأكثر إثارة.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية