رئيس التحرير: عادل صبري 04:35 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

يَسلَم سَلاًم.. ويَبقَى يَعقُوب.. وقد يَزُول...!

يَسلَم سَلاًم.. ويَبقَى يَعقُوب.. وقد يَزُول...!
16 أكتوبر 2014

يَسلَم سَلاًم.. ويَبقَى يَعقُوب.. وقد يَزُول...!

عبدالناصر توفيق

يَسلَم سَلاًم.. ويَبقَى يَعقُوب.. وقد يَزُول...!

العلماء يتفوقون على الزعماء الآخرين فى العديد من المجالات، ومنها خلود الذكرى. نتحدث اليوم عن نموذجين مثاليين لعالميين سيبقيان ما بقى الدهر، فى مقابل آخرين سيطويهم النسيان آجلا أم عاجلا.سلام الى روح البروفيسور محمد عبدالسلام – رحمه الله – وسيبقى سير مجدى يعقوب ما بقيت فينا قيمة إنسانية نبيلة.    

يحتفل العالم حاليا بمرور نصف قرن على إنشاء المركز الدولى للفيزياء النظرية الكائن فى تريستا الإيطالية، والذى يتخذ من نصف الكرة الأرضية الجنوبى مجالا لنشاطات العلمية الفريدة. هذا الصرح العلمى الكبير أنشأه البروفيسور محمد عبدالسلام، المولود بالهند، والذى ينتمى لدولة باكستان الإسلامية من حيث الجنسية، وللإسلام من حيث الديانة، وللإنسانية من حيث التوجهات الريادية. حصل بروفيسور سلام على جائزة نوبل فى الفيزياء فى العام 1979 كأول مسلم ينال هذا التكريم العلمي الرفيع.

أتيحت للشاب عبدالسلام فرص متميزة ليتعلم، وبعدها ليعلم  فى إحدى الجامعات البريطانية المرموقة، في حين كان أقرانه يرزحون تحت وطأة الإحتلال البريطانى البغيض فى شبه القارة الهندية. لكن الرجل لم يتعالى على بنى جلدته من الهنود أو الباكستانيين (بعدما حدث الإنفصال عام 1947). بل نظر حوله فى بلديه الكبيرين وفى جيرانهما، فى إخوانه من الأسيويين أو من المسلمين فى شتى بقاع الأرض. وبرؤيه علمية يفتقدها كبار العلماء لدينا رأيناه يرسم لنفسه طريقا لتنميتهم فى المجال الذى يعرفه هو، مجال الفيزياء النظرية. هذا المجال ليس ترفا فلسفيا، أو تشدقا ذهنيا، أو ضربا من الأساطير التى تلف حياتنا، فالفيزياء أو الفيزيقا كما تسمى فى اللغة المعربة، لست إلا علما قحا يتيح لك فهم كل شيئ، وأي شيئ، سواء فى الماضى أو الحاضر أو حتى فى المستقبل. بهذا العلم الفريد تستطيع أن تكون ملما بالطبيعة ومدركا لكيفية خلق الكون وتطوره. بهذا العلم تستطيع تسخير الطبيعة من خلال فهمك للقوانين وللنواميس التى تحكمها، وبذلك تتناغم معها.

فى مطلع الستينيات من القرن الماضى رأينا البروفيسور سلام يسخر العلاقات الدبلوماسية التى نالها من خلال صلاته بصناع القرار فى دولة باكستان الناشئة حيث كان يمثلها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فعمل على تمهيد طريق يؤدى به ليحقيق حلمه فى مساعدة مواطنيه لإمتلاك أسرار الفيزياء النظرية. أقنع منظمة اليونسكو لتتبنى هى المركز الدولي للفيزياء النظرية، على أن يقام فى إحد المقاطعات الإيطالية الشمالية، وتقوم اليونسكو مع الحكومة الإيطالية، ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية،  وغيرهم على تمويله. تم كل ذلك والحرب الباردة على أشدها. هذا المركز يقدم لشباب العلماء من جميع دول الجنوب (وليس فقط الباكستانيين) تعليما وتدريبا وتأهيلا أكاديميا وبحثيا رفيعين فى مجالات الفيزياء النظرية، والتطبيقية، وفيزياء الجسيمات النووية، والرياضيات التطبيقية، وعلوم الأرض، والحسابات العلمية. إن عدم قصره على دولة باكستان كان أكثر فائدة حتى لباكستان من كونه يقام فيها.

الأجواء الفريدة التى تحيطك عندما تنتظم فى المركز الدولى للفيزياء النظرية فى دورة او مؤتمر أو ورشة علمية تجعلك تلم بمشاكل الجنوب العلمية، وتكون فى ذات الوقت على تواصل تفاعلى مع علماء الشمال المتقدم. لقد أسهم المركز الذى أسسه وأداره البروفيسور سلام حتى وفاته فى العام 1996 فى تنمية دول الجنوب فى المجالات العلمية المشار إليها بدون تمييز على أساس دينى، أو عرقى، أو جهوى. على سبيل المثال لا يمكننا تصور أن تنجح دول مثل الهند وبالكستان فى امتلاك الأسلحة النووية من دون وجود كوادر علمية رفيعة المستوى. من المرجح أن يكون المركز الدولى للفيزياء النظرية فى تريستا قى أسهم كثيرا فى إعدادها.

لقد انتقل المؤسس البروفيسور سلام الى الرفيق الأعلى قبل 18 عاما. لا يهم، ستبقى الروح التى بعثها رحمه الله متقدة. فلايزال الصرح العلمى الكبير يؤدى دوره العظيم. للدلالة على ذلك يكفى أن نذكر أن ما يقرب من ستة ألاف عالم من 140 دولة زاروه فى عام 2013 فقط لحضور 77 دورة تدريبة عقدت فى المقر الرئيس فى تريستا، و 18 دورة أخرى عقدت فى عدد من دول العالم منها واحدة نلت شرف تنظيمها هنا بالقاهرة.

أسس وأدار البروفيسور سلام المركز الدولى للفيزياء النظرية على مدار أكثر من 30 ثلاثين عاما متصلة، حصل خلالها على جائزة نوبل فى الفيزياء لمساهمته فى صياغة نظرية توحد القوة الكهرومغناطيسية مع القوة النووية الضعيفة. لكن كل ذلك لم يجعله يفكر فى تغيير الإسم. أنه تقليد حضارى – نعرفه فى الحضارة الإسلامية - أن يرسم العالِم بسلوكه الشخصى وبتفانية وبتعاليه عن الصغائر والتفاهات صورة العالِم الزاهد، الغير راغب فى الشهرة أو المجد الشخصى. بقى اسم " المركز الدولى للفيزياء النظرية" طوال حياة مؤسسه. لكن بعد أن انتقل الى الرفيق الأعلى، بعدها رغب العالَم فى تكريمه بإن ألصق اسمه بإسم المركز ليتحولا الى " مركز عبدالسلام الدولى للفيزياء النظرية ". وهكذا لا يسعنا إلا أن نقول: "سلام على عبدالسلام، سيبقى خالدا فى أذهان البشر كلهم".      

السير مجدى يعقوب طبيب بريطانى من أصل مصرى. فى عام 1957 أتم دراسته فى مصر، وفيها بدأ حياته المهنية كجراح طاف بأرجائها. فى عام 1962 انتقل للملكة المتحدة ليتخصص فى جراحات القلب وليكون له دور بارز فى إنشاء جراحات نقل القلب فى المملكة المتحدة منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضى. كما عمل فى جامعة شيكاغو ، ثم أصبح استشاريا لجراحات القلب فى مستشفى هيرفيلد فى العام 1973. أنتقل كأستاذ زائر فى عدد من الجامعات النيجيرية، وفيها أجرى أول عملية نقل قلب عام 1974. كما أجرى مع فريقه ما يقرب من الألف عملية لنقل القلوب فى مستشفى هيرفيلد خلال عقد الثمانينات من القرن الماضى. فى عام 1983 نجح الدكتور يعقوب فى إجراء أول عملية نقل لقلب ورئة. وتم تعيينه أستاذا فى المعهد الوطنى للقلب والرئة واشترك فى تطوير تقنيات النقل هذه. بعد تقاعده فى العام 2001 استمر عطاء الدكتور يعقوب كجراح وكسفير لهذا النوع من العمليات الطبية الدقيقة. أسس فى العام 1995 جمعية سلسلة الأمل الخيرية بالمملكة المتحدة والتى تهدف الى حماية حياة الأطفال المهددين بهذا النوع من الامراض. وأسس فى أسوان فى العام 2009 مؤسسة مجدى يعقوب - مركز القلب للاطفال بأسوان. هذا المركز بمفرده آية فى العطاء على أساس من أرفع القيم الإنسانسة. وهو ما نود التركيز عليه كمثال على الإعمال الرائدة التى تضمن لمن يقوم بها الخلود فى قلوب وعقول ووجدان الشعب المصري بجميع طوائفه وطبقاته وفئاته.

 

  • أولا: اختار الرجل أسوان لمجرد انها أقليما بعيدا عن القاهرة، وبطبيعة الحال هى مثال على الإهمال الإجرامى فى حقوق الأقاليم المصرية المهمشة.

  • ثانيا: لم يرد أن ينضم لطوابير التجار والسماسرة والمهرجين والأراجوزات فى القاهرة الباحثين عن الشهرة أو عن المقابل المادى.

  • ثالثا: تجنب الأضواء الإعلامية المتمركزة فى القاهرة وذهب هناك الى أقصى الجنوب المصري، مثلما يفعل الزاهد المتصوف.

  • رابعا: بدأ بنفسه فأنفق من جيبه الخاص ما أنشأ به المؤسسة وعانى كثيرا من البروقراطية المصرية للحصول على الأرض وغيرها من الموافقات اللازمة لإنشاء مؤسسة علاجية مجانية كبيرة بما يتطلبه ذلك من منشآت وتجهيرات من السوق المحلية أو مستوردة من الخارج.

  • خامسا: يقدم خدمته العلاجية مجانا للأطفال بغض النظر عن دخول أولياء أمورهم او عن دياناتهم وألوانهم، وحتى جنسياتهم.

  • سادسا: يعما جاهدا ليكون مركز أسوان مؤسسة بحثية واكاديمية طبية تقدم لشباب الأطباء ما يحتاجون من تدريب وتواصل فعال مع الأساتذة الكبار فى هذه الجراحات الدقيقة.

  • مؤخرا فتح وعلى استحياء باب التبرع أمام عموم المصريين، ليتيح لهم المشاركة فى التوسعات المطلوبة. تم ذلك بعد أن بدأ هو بنفسه.


    تحولت اسوان الى مركز للإستشفاء من أمراض القلوب وخاصة للأطفال. فقد أصبح المركز يجذب وسائل الإعلام لنجاحاته وانجازاته المرموقة. على الرغم من كل لا يزال الدكتور يعقوب يحتفظ بنقاء العالِم الحكيم، وبنزاهة الطبيب المعالج، وبترفع الباحث الشغوف. ولم يغتر قط بحصوله على قلادة النيل من الدرجة الأول وهى التكريم الأسمى فى مصر، كما لم تتأثر عاداته الأصيلة بلقب "سير" الذى منحته أياه ملكة بريطانيا ولا بغيره من الجوائز العالمية الكثيرة التى نالها. الرجل يبدو كقديس يعود الى عصور الأولياء الصالحين فى صدر الإسلام وفى القرون الأولى للمسيحية. لو جال بذهنك أن تقارنه بآخرين لن تستطيع سوى الإعجاب بأخلاق الفرسان والنبلاء، وبسلوكيات العلماء والحكماء، وبأدوار الأولياء والقديسين التى يتسم بها يعقوب. عندئذ سيتملكك يقين و أمل فى الله أن يحشر فى زمرة الذين عمروا الأرض، ونصحوا الخليقة، وبذلوا ما يملكون حبا فى الخير. ستدرك عندها أن أعماله تلك ستبقى أبد الدهر، وستظل راسخة فى أذهان وقلوب وجدان الشعب المصري، فى حين ما عداها سيطويه النسيان عاجلا أو آجلا.                



عبدالسلام ذهب إلى بقعة غير معروفة فى إيطاليا ليقيم عليها مركزه العلمى الفريد غير عابئ بعدم تسليط الأضواء الإعلامية عليه، ولم يصر على روما مثلا أو فينيسيا أو غيرها من المدن الإيطالية الشهيرة. أيضا مجدى يعقوب وجدناه يذهب إلى أسوان ويترك القاهرة بتجارها وسماسرتها ومهرجيها وأراجوزاتها ليعمل فى مصر العليا فى أسوان على علاج المصريين المهمشين. مشروع "سلام" وكذلك مشروع "يعقوب" يهدفان لخدمة آلاف المؤلفة من البشر، وهما في هذا لا يهتمان بالدعاية الإعلامية أو الإعلانية لا للمشروع الرصين ولا لصاحبه، ولا يهتمان بالمكان الذى يتواجدان فيه. ثم إن المشروع العظيم حتما سيجلب اليه الأضواء الإعلامية الحقيقية، وليس الموقع! حدث هذا مع الدكتورين سلام ويعقوب، ويحدث مع كل مخلص لا يريد إلا وجه الله تعالى.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية