
الأزهر.. متعهد مسلمين !
عبدالناصر توفيق
الأزهر.. متعهد مسلمين !
قد لا يكون من المستحب منا نحن الوطنيون الأكاديميون ألا نشارك في الحملة المشبوهة ضد "الأزهر", وخاصة أن النوايا والدوافع والأهواء التي تحرك هؤلاء "المقاولين" خبيثة ودنيئة وإجرامية. نحن لن ننجر إلي ذلك, والله المستعان! لكنا نري أن ما يحدث يمثل مناسبة لعرض "نظرية" لم يتطرق إليها أحد يوما. الأزهر كان دائما وعلي ما يبدو فإنه سيظل أبدا "مفعولا به": مؤسسة ذات طابع أسطوري, معهد يتقمص أدوارا كهنوتية, تنظيم يوهم الناس بوظيفة المتعهد للحديث بإسم الله والنيابة عن المسلمين السنة, ولكنه أيضا كيان لصيق بالسياسة الداخلية المصرية.
الأخبار التي تتوالي عن نية أعضاء معروفي التوجه من "مجلس النواب" سن سيوفهم لنهش ولنبش مواد مفصلية فى القانون المنظم "للأزهر", لا تنبئ بخير يراد للأخير. وأيضا القول بأن تغييرا سيطال منصب "شيخ الأزهر", يبدو أنه أصبح مزعجا للعديد من طوائف المجتمع المصري. وهناك سببان رئيسان لتفسير هذا الانزعاج.
أولها "مجلس النواب" لم يعد يتحلي إلا بسمعة "التابع الأمين للسلطة التنفيذية وللعديد من الأجهزة الأمنية والسيادية المصرية". وبالتالي يتوجس الكثيرون خيفة في كل المقترحات بقوانين"غير الضرورية" التي يتبناها بعض من أعضائه. وقد رأينا إصرار المجلس على أصدار قونين "سيئة السمعة" مثل التظاهر, والجمعيات الأهلية, وأخيرا السلطة القضائية. كما ورأينا تقاعسه المحير عن إصدار قوانين أوجب دستور 2014 سنها, منها على سبيل المثال لا الحصر, العدالة الإنتقالية, الإدارة المحلية.
فى ضوء ما عايشناه منذ الأحداث الإرهابية التي ضربت كنيستي طنطا والإسكندرية لا يخرج القانون المقترح لتعديل "قانون الأزهر" عن هذا السياق المحتقن. من ناحية هناك فشل أمني وإستخباراتي فادح. وهناك فشل سياسي مركب داخلي وخارجي لا يكاد يخفي على أحد. وأيضا هناك تزلف مخجل لإسترضاء "المواطنين الأقباط" لكي لا ينزلقوا إلى هوة الإستقواء بالخارج "المسيحي" المهيمن علي العالم الراهن. أما من الناحية الأخري فإن تصفية حسابات مع "الأزهر" كطرف رخو يمكن للسلطة التنفيذية وأتباعها أن "تفعصه" لن يكلفها تحمل أي عقاب يذكر, لأن "الأزهر" لم يكن يوما "فاعلا" بل كان وللأسف الشديد "مفعولا به" أبدا.
السبب الثان يدور حول دور الأزهر منذ أن تم إنشاؤه؟! أهو مؤسسة "فاعلة كفوءة ذات جدوي" أو مؤسسة "مفعول بها" تبنت دائما أوهاما وبثتها فى أذهان الناس على مدي القرون؟! قد لا يستطيع كائن من كان أن ينكر "الفائدة الأكاديمية" للأزهر وخاصة إبان العصر المملوكي وخاصة فيما يخص حفظه للثقافة العربية وفي نقله للتراث الإسلامي. أما فى العصر الحديث فقد أصبح ينافسه فى ذلك القاصي والداني.
السبب الثالث لا يخرج عن ذلك "الوهم" المعشش فى أذهان غالبية المصريين حول "المكانة المفترضة" للأزهر ولشيخه الأكبر. بناءا على تلك المكانة "المتوهمة" يتصور الناس أن تعديل قانون "تنظيم الأزهر" سيمس المكانة "الوهمية" لشيخ الأزهر. ولا يخرج إنزعاج الناس من "فكرة" محاسبة الشيخ الجليل – كل شيوخ الأزهر أجلاء – عن هذا الإطار الافتراضي.
لندع مجلس النواب ودوافع نوابه جانبا, ولنعمل تفكيك "المكانة المفترضة" للأزهر ولشيخه فى أذهان الناس وفي فلسفات القوانين المصرية. أهو رئيس للمسلمين؟ أيقوم يدور المتحدث بإسم المسلمين؟ أهو قائد روحي للمسلمين؟ أله دور ديني عضوي في ممارسة المسلمين لدينهم؟
لنبدأ الأول بقانون تنظيم الأزهر والذي أنشأ "وزارة شئون الأزهر" أصبح يتولاها "رئيس مجلس الوزراء" حصريا! بمعني أن "الدولة المصرية" متدخلة وبفجاجة فيما يعرف بشؤون الأزهر. أي أن مقولة إستقلال الأزهر ما هي إلا وهم كبير.
للعلم يقع مقر هذه الوزارة خلف مجمع التحرير بالقاهرة فى فيلا أنيقة. المهمة الأساسية لها تتمحور حول متابعة الشئون الإدارية للأزهر وخاصة الجامعة والمعاهد الدينية. أثناء حكومة "عصام شرف" برزت بعض مشاكل موظفين هذه الوزارة (فى العام 1995 كان بها 200 مئتا موظفا, لا يوجد إحصاء حديث حول عدد موظفيها). يعتقد البعض بأن هذه الوزارة كان لها دورا كبيرا في التوسع فى إنشاء فروع لجامعة الأزهر في مختلف المحافظات وفي متابعة شئون الدعوة (أي أنها تتقاطع مع وزارة الأوقاف) وفي البعثات الخارجية (أي أنها تتقاطع مع وزارة التعليم العالي). أما من الناحية الحكومية فالظن أن وزارة شؤون الأزهر تعمل علي التنسيق مع وزارة الأوقاف ومع المجلس الأعلي للشئون الإسلامية.
وبعد القرار الجمهوري بمساواة الإمام الأكبر برئيس مجلس الوزراء بروتوكوليا وإداريا, قام رؤساء مجلس الوزراء بإسناد اختصاصات الوزارة إلي شيخ الأزهر. أما من الناحية الشكلية فقط أو الإدارية لاتزال وزارة شؤون الأزهر تتبع مجلس الوزراء. ويقال أنه قد تم تقليص عدد الموظفين إلي 70 سبعينا فقط, وأن بقية الموظفين قد تم توزيعهم علي المجلس الأعلي للشئون الإسلامية وعلي مشيخة الأزهر وعلي وزارة الأوقاف.
الإشاعات المتناثرة هنا وهناك تقول بأنه لم يعد بهذه الوزراة سوي 51 واحد وخمسون موظفا. وقد صدر قرار جمهوري بإلحاق باقي الموظفين بجامعة الأزهر وبتفريغ المبني من جميع موظفيه, لدرجة أن البعض بدأ يساوره الشك في أن قرار الغاء وزارة شئون الأزهر قد بدأ في تنفيذه.
بعيدا عن تلك العلاقة العضوية بالحكومة المصرية تتبع "الأزهر" العديد من الهيئات وهى مشيخة الأزهر, مجمع البحوث الإسلامية, جامعة الأزهر, قطاع المعاهد الأزهرية, المجلس الأعلى للشئون الإسلامية, دار الإفتاء المصرية, مدينة البحوث الإسلامية, والرابطة العالمية لخريجى الأزهر.
أما عن تمويل "الأزهر" يقال أن أوقاف الأزهر تدر عليه ما يصل إلى 150 مليونا سنويا, أما الميزانية الرسمية المعلنة للأزهر فقد وصلت فى العام 2004 الى مليار ونصف أما في العام 2010 فقفزت الى 4.7 مليارا. هذا عدا التبرعات المالية والعينية والخدمية التي لم تنقطع يوما عن الأزهر من داخل مصر ومن خارجها.
لنأتي الأن علي دور ومكانة الشخص "شيخ الأزهر". ولتنفق أولا على المكانة الإدارية والوظيفية لهذا الموظف الرسمي الكبير جدا. أولا مكانته البروتوكولية تتساوي مع مكانة "رئيس مجلس الوزراء المصري". ثانيا هو "القائم بأعمال" وزير شئون الأزهر. ثالثا هو الرئيس الأعلي لمؤسسة الأزهر بما يتبعها من مجمع البحوث الإسلامية, جامعة الأزهر, قطاع المعاهد الأزهرية, المجلس الأعلى للشئون الإسلامية, دار الإفتاء المصرية, مدينة البحوث الإسلامية, والرابطة العالمية لخريجى الأزهر.
الجانب الآخر من دور ومكانة الشخص "شيخ الأزهر" هو الدور والمكانة الخلافية المفتعلة, هي تلك الصورة الدينية "المتوهمة" والتي ما أنزل الله بها من سلطان, حيث يلتبث في أذهان عوام الناس أو أريد لهم أن يتمثلوها من خلال إستدعاء دور كهنوتي للإمام الأكبر ليس له أن أن يدعيه أو أن يوهمنا به أو أن يقبل منا أن نتلبسه وعيا أو حتي وهما.
الإمام الأكبر ليس رئيسا للمسلمين المصريين أو غير المسلمين. الإمام الأكبر ليس نائبا عن المسلمين المصريين أو غير المسلمين. ليس للإمام الأكبر "سطوة أو سلطة" دينية على شخوص المسلمين السنة. علي سبيل المثال قد يتحاور – وتلك هي الخزعبلات السياسية – الإمام الأكبر مع "بابا" الفاتيكان, وقد يتحاور الأزهر مع كنائس الأرض, وقد يتفقون معهم على ما يشاؤون من شؤون الدين والسياسية والدنيا أو حتي الآخرة. كل هذا لا يلزم فردا مسلما واحدا. فالمسلم فى مزاولته لشعائره غير ملزم بالإنصياع للإمام الأكبر أو الأصغر. تلك هي القواعد التي يجب علينا أن نتبناها فى مناقشة الأمر.
لا يقبل الدين الإسلامي السني بوجود "واسطة" بين الله الرب العلي القدير وبين "عباده" المسلمين. يستطيع المسلم التوجه الى ربه بدون أية واسطة. يستطيع المسلم السني مناجاة ربه فى أي وقت شاء وفي أي مكان أحب. ويستطيع المسلم السني إقامة صلواته أني ومتي وأين شاء بالكيفية التي شاء. قبول الله لعبده لا يرتبط بشخص أيا كان أو بفتوي بغض النظر عنها أو عن مقترحها. حتي المساجد لا مكانة متميزة لها في صلوات وأدعية العبد المسلم السني. يستطيع أن يصلي فى أي بقاع الأرض. يستطيع أن يصلي قائما أو قاعدا أو راقدا أو جالسا. كل صلواتك وأدعيتك تقع بينك وبين ربك الذي تتوجه له.
من الناحية الأخرى – وكما أوضحنا فى مقالات سابقة - لم يحتل الأزهر ولا شيخه أية مكانة معنوية فى قلوب المسلمين السنة. هذه المكانة المعنوية يتبوؤها عادة العلماء والمخترعون والمبدعون. هذه مكانة أكاديمية وعلمية يحفرها الناس بأنفسهم طواعية وحبا فى أفذاذ قلوبهم وفي ضمائرهم الحية للعلماء وللأفذاذ من المبدعين. الأزهر تلك المؤسسة الإسطورية في طول بقائها علي مر القرون لم تحتل مثل هذه المكانة, إلا من خلال العوز والاحتكار.
العوز هو حاجة الناس لملئ الجانبين الديني والروحي فى حياتهم الدنيا. أما الإحتكار فقد مارسه الأزهر عنوة أو بحكم الامر الواقع. كان عنوة من خلال إلتصاقه بالحكم فى مصر علي مدي العصور ومع تبدل الدول والديانات. البداية كانت في الدولة الفاطمية, بأستثناء الحقبة الأيوبية, عاد الأزهر مجدد للعمل متعهدا ومتقمصا لدور الوسيط بين الحاكم والرعايا. دور لم يكن يوما "عدلا" أو "قسطا" بل "منحازا" لمن بيده الامر, لولي الأمر ساكن القصر قائد الجيش. دور لم يكن إلا ترويضا للرعايا لكي يتمثلوا دور الطاعة ولكي يظهروا الإنصياع للحاكم حتى وإن كان ظالما. بإستثناء فترة حكم الرئيس محمد مرسي لم يخرج الأزهر عن حاكم مصري قط, حتي عن حكم ذلك الفاطمي الأرعن الذي إدعي الاولهية! هل لك تصور ذلك؟!
إنه الحاكم بأمر الله سادس حكام الدولة الفاطمية وهو المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله معد الفاطمي حكم من 996 إلى 1021 ميلاديًا الذي حرم أكل الملوخية وأمر الناس بأن يعملوا ليلًا وأن يسترحوا نهارًا, وكان سفاكًا للدماء بصورة غير مبررة, وهدم الكنائس وأجبر النصارى على دخول الحمامات بالأجراس لتميزهم عن المسلمين. كما أدعى الألوهية ومعرفته الغيب. بحسب ساوير بن المقفع المؤرخ القبطي قتل الحاكم بأمر الله 18 ألف إنسانا وإبتدأ من أكابر وأعيان الدوله وكتبته وقطع أيادى كثير من الناس وأول من قتل هو أستاذه برجوان الذي رباه. كل هذا ولم نعرف "للأزهر" دورا معارضا لهذا الحاكم الذي ضرب بالدين وبالناس وبأموالهم وأرواحهم عرض الحائط. بقي الأزهر وفيا للحاكم المخبول وللمذهب الشيعي التي يعتقه. بقي الأزهر يعمل على ترويج وترسيخ الولاء لهذه الدولة الفاسدة ولمذهبها الرسمي. ثم يأتي من يقول لنا أن "لأزهر له دور فى مكافحة الإرهاب؟!" لنتقي الله العليم الخير!
لو أنا قفزنا الى العصر الحديث لوجدنا "الأزهر" ملتصقا إلتصاقا مزمنا بالحكم وبالحكام في مصر بغض النظر عن المصلحة الدينية أو الدنيوية لعموم المصريين. طوال القرنين الماضيين إعترت العالم الإسلامي والعربي تغيرات جمة, منها السياسي الداخلي ومنها الإحتلالات الإمبريالية ثم الإستقلاليات الصورية. طوال هذا المدة لم نجد للأزهر إلا أدوار حددتها "طبائع الأمور",
قام بها بعض من خريجي الأزهر ومنتسبيه. علي سبيل المثال القول بأن "سعد زغلول" قائد ثورة 1919 كان أحد خريجي الأزهر ومن خلاله يريد الأزاهرة إثبات انغماثهم فى الحركات الوطنية يجب أن يعاد النظر فيه من خلال فلسفة "الإتاحة والعوز". فكما أشرنا لم ينافس الأزهر فى شؤون التعليم سوي عدد قليل من المدارس الحديثة التي انشأتها دولة محمد على باشا وخلفاؤه من بعده. وعليه لا "فضل" كبير يحسب لمن كان يحتكر الفضاء التعليمي. فمن طبائع الأمور أن يكون أحدهم منغمثا فى السياسية صدفة أو بنية مبيتة, لا إبداع في ذلك.
لو أن جورا يمكن أن يوصف به حكمنا السالف, لاستطاع أحدهم إثبات إنجازات أزهرية فى مجالات أخري يفترض اليوم أن وجوده مرتبط بها. هل قاوم الأزهر الحركة الوهابية التي أصبحت اليوم تسيطر على الحكم فى العديد من الدول أكبرها المملكة السعودية وأضحت ثقافة يعتنقها ملايين المسلمين حول العالم وخاصة فى المنطقة العربية والإسلامية وأيضا المصرية ذلك البلد العزيز الذي يضاف للأزهر تنطعا بحسب ما تبثه الدعاية الجوبلزية الموجهة؟
الذي حدث هو أن الغالبية العظمي من الأزاهرة أصبحوا يعتنقون المذهب الوهابي إما تنظيميا أو غفلة أو من خلال مجاراتهم الواعية للرائج على الساحة أو كثقافة حياتية أصبحوا يعتنقونها كما يفعل الملايين من عوام الناس الطيبين بيننا. إن انتشار الثقافة "الوهابية" بين الأزاهرة قد يمثل صدي لتلك الثقافة الأزهرية العتيقة والمزمنة والتي تجعل من كل ما يعتنقه الحكام الجبابرة "دين" يجب ما يخالفه, ولله الامر من قبل ومن بعد! في الحالة الراهنة أباطرة الخليج الذين يمتلكون المال الوفير جدا.
إن قبول الأزهر للتبرعات المغرضة من سلاطين هذا المذهب ليس إلا دليلا على: قبول بالإكراه أو بالرضي أو فقط كمن "تبيع بثدييها", أو إقرار بالأمر الواقع وهي كما أشرنا ثقافة أزهرية متأصلة, أو مظهر من مظاهر المرونة التي تتمتع بها المؤسسة الألفية ومارستها من خلال تعاقداتها المريبة على بيع "بضاعة" المذهب الشيعي ومن بعده المذهب السني, واليوم المذهب الوهابي "السلفي". المذهب الأخير يلغي كل ما سبقه (الشيعي والسني) ويعيد لنا تفسير الدين الإسلامي, " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ", والأزهر يتقلب بين معتركات "السياسة الدنيونية" تلك ولا يهتز له طرف.
لندع الحركة الوهابية جانبا لعلها من الضخامة والسيطرة بحيث أن "الازهر" أقل وأضعف من مقاومتها, ولتأخذ مثالا آخرا "الإخوان المسلمون" تلك الجماعة الإسطورية التي بزغت فى العام 1928 أي قبل ما يصل لتسعين عاما من الزمان. بغض النظر عن الرؤية السياسية لدور هذه الجماعة, فلن نتوقف أمامه كثيرا. ولنتمعن فى جانب آخر. اليوم يردد الجميع كالببغاوات أن الإخوان المسلمون جماعة إرهابية أرادت بيع "الوطن المصري" وإقامة "الخلافة الإسلامية" والقضاء على "الدولة المصرية", ومنهم الأزاهرة باركهم الله العدل الحق! هذه المقولة قد تكون حق. القضية ليست فى إرهابية الجماعة السياسية أو في وداعتها!
وهنا العجب العجاب فى بلد لم تبرع فى إختلاق كل عجيب ومثير. هل هبطت تلك الجماعة من السماء؟ ألم تكبر أمام أعيننا وأمام أعين الأزهر العتيق؟ هل يستطيع الأزاهرة مجرد فرز زملائهم ذوي الهوي الإخواني, او أولئك الأزهريين التنظيميين الإخوان, أو المتعاطفين الإخوان؟ أو هل يستطيعوا مجرد إنكار وجودهم بين ظهرانيهم؟ ويبقي التساؤل الذي طرحناه سابقا بدون إجابة. ما هي الجهود الأزهرية "أيا كانت" التي بذلت من هذه المؤسسة الألفية اللصيقة بالحكم وبالسياسة المصرية في مقاومة الفكر الإخواني الذي يتم اليوم شيطنته بعدما تبدل الحكم برجالات تقوم شرعيتهم على نبذ هذه الحركة المثيرة للجدل.
إن ما تضمنته نظريتنا هو ان الأزهر لم يقارع يوما أية حركة فكرية مهما صغرت أو كبرت ليقال عنه اليوم – بالزور وبالباطل – أنه بات يزرع الإرهاب! لعن الله الجهل والجهال وكل من يتبعهم غفلة أو بنية مبيتة! ليته كان يستطيع, ليته استطاعها يوما وإلا لأمكننا اليوم الإستفادة به في مقاوتنا لجماعات تعادي الحياة وتعمل على هدم الدين الحنيف!
لا "الازهر" ولا "شيخه" الطيب أو أيا من سابقيه كانت لهم من سلطة دينية أو معنوية - ولن يكون- تبوئهم في القيام بالأدوار التي يدعون – حقا أو باطلا - أو تلك التي يتوهمها السذج من عوام الناس منهم لكي يشمروا عن سواعد الجد مقاومة لجماعات باتت متغولة ومتغللة بين ظهرانينا ذات أهداف لا تقل عن نزع الدين الحنيف من صدور المؤمنين وعن تجييش الناس فى صفوف جيوشهم الخبيثة تحقيقا لأهدافهم الشيطانية! كنا نتمني أن يكون الازهر الألفي قادرا على مساندتنا فى مواجهتها أو فى الإنطلاق نحو التطور الحضاري والتقدم العلمي! لكنه ولسوء حظنا وحظه لم ولن يقدم أية مساندة عن عجز ووهن ودونية ارتضاها لنفسه أو أجبر عليها أو وجد نفسه يرزخ في براثنها جراء علاقته المرضية بالسلطة السياسية طوال القرون السالفة, والتي أصابته بالشلل والخمول وبقدر كبيرا من إجترار الفشل وراء الفشل.
وبما أن الأزهر ليس نائبا عن المسلمين السنة المصريين أو غير المصريين وبما أن الإمام الأكبر ليس رئيسا للمسلمين السنة المصريين أو غير المصريين أو متحدثا بإسمهم ليتهما يتفهما تلك الحقيقة الناصعة, وليتنا نحن نعيها ونصرف أمورنا بناءا عليها! الإرهاب وباء يجابهنا نحن, ولا يجب أن نتوهم أن يكون الأزهر مسؤولا عن توليده. فلنترك الأزهر وشأنه ولنجابه نحن الإرهاب بشجاعة الرجال وبمفردنا! هذا هو لب "النظرية" التي نتبناها.