رئيس التحرير: عادل صبري 07:01 مساءً | الأحد 06 يوليو 2025 م | 10 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

الأزهر.. يستاهل!

الأزهر.. يستاهل!
18 أبريل 2017

الأزهر.. يستاهل!

عبدالناصر توفيق

 

الهجمة الأخيرة على مؤسسة الأزهر فجة وغير مبررة وغير مفيدة لأحد. هذه الهجمة لا تدل إلا علي فشل مؤسسات الدولة ذات الصلة فى مجابهة الإرهاب. فبدلا عن التفكير فى آليات ناجحة لمقاومة التيارات الإرهابية وبدلا من ابتكار أكواد أمنية لتمنع الفشل الأمني المتكرر ولتحصن المجتمع وجهت السهام السامة الى الجهة الخطأ, الى الأزهر.

 

مال الأزهر ومال مقاومة الإرهاب؟! هل سمعنا عمن يطلب من الفاتيكان الإسهام في مقاومة الإرهاب الذي يقوم به المواطنون الأوروبييون الكاثولوكيين؟ حضرتك ما تعرفش أنه فيه إرهاب كاثولوكي؟! الألوية الحمراء, القمصان الزرق, الجيش الإرلندي, وغيرهم مجرد أمثلة. هناك أيضا إرهابا بروتوستانيا. خد عندك النازيين الجدد فى ألمانيا وقبلهم العديد من الجماعات اليسارية المسلحة.

 

وهل تتهم الحوزة الشيعية علي سبيل المثال بأنها هي من قصرت في مقاومة التطرف الذي يقوم به بعض من أعضاء الطائفة الشيعية؟ وهل سمعت بأن أحدهم قد طلب من الدالاي لاما تغيير المناهج التي تقدمها الأديرة البوذية المنتشرة فى الصين والهند وغيرهما؟ وهل الأرهاب السيخي قيل لأنه هو الذي يلطخ سمعة المؤسسات الدينية السيخية؟

 

الحقيقة هي أن الأزهر مجرد مؤسسة أكاديمية دينية. وليتها تقوم بهذه المهام خير قيام! الأزهر مجرد مسجد كبير وقد لا يكون أكبر مساجد العالم, وهو ليس المسجد الأقدم فى مصر والعالم! الأزهر مجرد جامعة دينية ودنيوية, وهو ليس الجامعة الأكبر ولا الأشهر ولا الأجود ولا الأرصن فى مصر والعالم. الأزهر مؤسسة كبري للتعليم قبل الجامعي, وهو ليس الجهة الدينية الوحيدة فى العالم التي تدير عددا كبير من المدارس والمعاهد والروضات فى العالم.

 

الهجمة الأخيرة على مؤسسة الأزهر فجة وغير مبررة وغير مفيدة لأحد. هذه الهجمة لا تدل إلا علي فشل مؤسسات الدولة ذات الصلة فى مجابهة الإرهاب.

 

وعليه فليس هناك ميزة كبري للأزهر. ميزته الوحيدة –وهي من عجائب الدهر فى مصر المحروسة - انه يمارس إحتكارا للشؤون الدينية السنية فى مصر (بعض النظر عن الدور المشوش الذي تقوم به وزارة الأوقاف). بالمناسبة شيخ الأزهر هو أيضا وزير فى الحكومة المصرية (ما يعرف بوزراة شؤون الأزهر). الأكثر من ذلك يعتبر شيخ الأزهر بروتوكوليا وإداريا نائبا لرئيس مجلس الوزراء المصري, لكنه وللعجب لا يجوز – دستوريا - عزله. جميع الوزراء وجميع رؤساء مجلس الوزراء وحتي رؤساء الجمهورية المصرية يجوز عزلهم ويجوز إقالتهم ولهم مددا دستويا محددة, إلا هذا الوزير الشيخ الإمام – وزير وإمام بشرطة!

 

أيضا الأزهر يفترض أنه يحتكر شؤون الفتوي السنية, وليته – كما قالها شيخه مؤخرا -"ملو هدومه"! نحن نري أن كل من هب ودب بيفتي فى البلد دي! حتي فى المجال ده لم نجده يقوم على دوره خير القيام. كيف نصف هذه الحالة المزرية؟

 

لكن السؤال الهام هو كان يصح ان تسند الي الأزهر كل هذه المهام؟! وهل كان يصح أن يمكن الأزهر من ممارسة الإحتكار الديني؟ والسؤال الأهم من سابقين هو هل أثبت الأزهر يوما أنه كان أو سيكون قادرا على القيام بهذه الأدوار الكبري؟

 

قبل الإجابة عن كل هذه التساؤلات الهامة والبريئة والغير مسيسة, نقرر أن مأساة الأزهر الأخيرة وحرب السهام السامة التي تصوب نحوه – بالباطل -  ليست إلا عرضا لمرض مزمن هو ببساطة "قربه الشديد من مؤسسة الحكم فى مصر". من خلال هذا القرب حظي الأزهر بما حظي به وهو ما فصلنا بعضه أنفا. أيضا بسبب هذا القرب ستتم محاربة الأزهر وخاصة فى فترات الحكم الإستبدادية والتي لا تطيق لها منافسا حتي ولو كان "محتملا", حتى ولو كان من صفوف المعسكر الذي يدعمها والذي لن يقوي على مقاومتها أو معارضتها.  تلك هي قوانين أو باللغة الدينية "سنن كونية" فى الحكم والسياسة قدرها الله بحكمته.

 

الأزهر هو المؤسسة المدنية الوحيدة التي حظيت بالذكر فى دساتير مصر. آخر هذه الدساتير يذكر فى المادة 7 أن: "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة, يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه, وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية, ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل, وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".

 

هيئة إسلامية علمية مستقلة لكن بشرطة! هذا هو العجب فى مصر بلدنا الحبيب. لماذا هذا الإحتكار؟! لماذا لم تذكر مؤسسة علمية وأكاديمية أخري؟! ما الذي يمييز دور الأزهر عن الأدوار التنويرية لمكتبة الإسكندرية أو لجامعة القاهرة أو لغيرهما. لماذا لم ينص الدستور المصري على الدور الواقعي الذي تقوم به مثلا "مشيخة الطرق الصوفية" وهي التي يعود تاريخها الى الدولة الأيوبية, ولم تزل تحافظ على عهدها أمام الدولة المصرية على مدي كل هذه القرون الطويلة؟

 

تداخل الأزهر فى الدساتير المصرية يعود الي دستور 1923 عندما ظهر ولأول مرة ذكر لما يعرف بالمادة الثانية فجاءت مادة الدين في نهايته إذ تقول المادة 149 "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية" وهي مادة خلا منها دستور 1930. ولكن دستوري 1954 و1956 أعادا نص مادة الدين التي كانت في دستور 1923. أما دستور 1971 فنص فى مادته المادة الثانية على أن "الإسلام دين الدولة. واللغة العربية لغتها الرسمية. ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

 

وفي كلتا الحالتين أي 1923 و 1971 كان الأغراض السياسية لحكام مصر واضحة للعيان. ففي 1923 كانت الخلافة العثمانية قد أنهارت فى العام السابق وأعلت فى تركيا جمهورية "كمال أتاتورك". وعليه أزداد طموح الملك فؤاد الأول أن يصبح "أميرا للمؤمنين".  فتطوع المشايخ بإقتراح إضافة هذه المادة المفخخة. للعلم فؤاد الأول كان سلطانا من 1917 إلى 1922 ثم غير لقبه ليصبح "ملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفور" وبقي فى الحكم حتي عام 1936.

 

أما فى العام 1971 فقد كان يحكم مصر الرئيس السادات والذي أطلق علي نفسه لقب "الرئيس المؤمن محمد". ليحتفظ الريس التالي له بإضافة إسم "محمد" الى اسمه الأول. لكن وبالصدفة كان الإسم الكامل للرئيس مرسي "محمد محمد مرسي ...".

 

أعتقد أن استرجاع تاريخ الأزهر منذ نشأته لن يقود الي الأعتقاد الذي يراد لنا أن نتشربه بلا نقاش أو تفكير ألا وهو أنه كان صرحا أكاديميا راسخيا ذي رؤي تنويرية وتطلعات ثاقبة. الحقيقة أنه نشأ كمؤسسة سياسية, أو بالأحري كان مسجدا بدور سياسي بأتجاه تعميق والعمل على تغلغل المذهب الشيعي الإسماعيلي للدولة الفاطمية بين جموع المصريين.

 

أعطي منذ اليوم الأول دورا يتناسب مع مكانة القائد الفاطمي – أو الشيعي -  جوهر الصقلي وأسياده من الولاة الفاطميين. حتي أن إسم الأزهر يشير الى اللقب الشهير للسيدة فاطمة كريمة الرسول الكريم "الزهراء".  خلال الدروس الدينية سمح لعوام الناس أو للدارسين بالإضطلاع على التعاليم السرية للمذهب الإسماعيلي. ومن خلال هذا الدور "الرسمي" بزع الدول التعليمي للأزهر. أي انه ببساطة لم يكن تعليما حرا بل كان موجها لغرض سياسي محدد.

 

استمر هذا لقرنين متتاليين حتي أطاح صلاح الدين بالدولة الفاطمية. هل لنا أن نتصور الآن مؤسسة تلقي رعاية من الدولة لمدة قرنين متتاليين؟ وهي ليست مجرد رعاية عادية بل إحتكار علمي ومالي وإداري فج.

 

تبدلت أحوال الأزهر مع قدوم صلاح الدين للحكم عام 1171. فقد كان صلاح الدين معادياً لمبادئ التعاليم الشيعية التي أشربها الأزهر للمصريين أثناء الخلافة الفاطمية كما أشرنا, ولهذا أهمل المسجد خلال حكم السلالة الأيوبية لمصر, وحُظرت الصلاة فيه وتم تجريده من كونه مسجدا رسميا لصلاة الجماعة الرسمية. وقد دمرت المخطوطات التي تحوي تعاليم المذهب الفاطمي الشيعي. كما شجع الأيوبيون تدريس الفقه السني في العديد من المدارس التي بنيت في جميع أنحاء القاهرة والتي توسعت كثيرا, وتم سحب تمويل الطلاب الأزهريين. حتي أن الأساتذة الذين ازدهروا في ظل الفاطميين اضطروا إلى البحث عن وسائل أخرى لكسب عيشهم.  تلك هي عاديات السياسة.

 

من أجل مجاراة الحكام الجدد, بدأ الأزهر أيضا فى تدريس المذهب السني. يالا العجب! لكن الصلاة الجامعة لو تعد للأزهر إلا أثناء حكم المماليك وذلك بأمر من السلطان بيبرس وذلك فى العام 1266.  طوال فترة حكم المماليك لعب الأزهر أدوارا متنوعة, لكنه حافظ على الخط السياسي التي يربطه بنظام الحكم. وتزخر كتب التاريخ بالعديد من الوقائع التي تدل بوضوع على أن دور المشايخ – من الأزهر وغيره – لم يزيد عن دور "السنيد" للحاكم أو "الوسيط" بينه وبين جموع البؤساء من المصريين. الحاكم بفرض الضرائب الباهظة على العوام. يتزمر العوام وينفسون عن خنقهم أمام المشايخ, والذين – في كثير من الأحيان – لا يؤدون إلا الدور الشهير فى فيلم "الزوجة التانية" بغض النظر على الخطأ فى الآية ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ النساء الأية 59.

 

لو أنا قفزنا بالتاريخ الى القرن العشرين والأدوار السياسية التي لعبها "مشايخ الأزهر", لنأتي الى دولة يوليو وسماحها للأزهر أن يفتتح له جامعة دنيويا. لا نريد أن نعلق على ذلك سوي أن تلك المؤسسة الدينية يبدو أنها لم تستطع أن تزرع فى نفوس المنتمين لها – ولا نقول عموم المصريين - أخلاقا حميدة تقودهم الى جعل "جامعتهم" تلك واحدة من كبريات الجامعات المصرية والدولية. "الغش", و"التدليس", وحتي "السرقات العلمية" لم يسلم منها الأزهرييون الطلاب ولا الأساتذة فى هذه الجامعة التي تنتمي الى تلك المؤسسة والتي دائما ما يشار إليها ب "الشرف".  منوط بالأزهر " ... تولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم". هل قام بهذا الدور؟!

 

الفشل فى أداء المهمة يتمثل فى مظاهر أخري أكثر خطورة ولها علاقة بأنتشار ظواهر وثقافات الأرهاب فى مصر والمنطقة. ذكرنا إنهيار الخلافة العثمانية فى العام 1922. كما ذكرنا أعلان "كمال أتاتورك" لقيام جمهورية علمانية فى بلد الخلافة ذاتها. لقد عمت جراء ذلك حالة من الفراغ السياسي والديني فى المنطقة العربية والإسلامية.

 

فترات الفراغ الديني تلك لم يستطع "الأزهر" ذو الألف عام من التاريخ السني العتيد أن يملئها! تلك حقيقة لا تقبل جدلا أو سفسطتا. أليست هذه عجيبة وهي إشارة علي أن "الأزهر" ليس فقط مغرقا فى المحلية – بمعني أنه مهتم فقط بالحالة المصرية. لكن الأدهي أنه علي ما يبدو لا يهمه من كل مصر إلا حاكمها أو حكومتها؟!

 

أستمر الفراغ التي خلفه إنهيار "الخلافة العثمانية" والتي لعبت دورا دينيا استمر منذ إنهيار الدولة المملوكية في مصر قبل خمسة قرون. لا الأزهر ولا القيروان ولا الحوزات العلمية الشيعية استطاعت ملئ الفراغ الديني. من الذي جاء من الصفوف الخلفية لملئ الفراغ التي نجم عن إنهيار الخلافة العثمانية؟ "الإخوان المسلمون" تلك الجماعة التي أنشأها "حسن البنا" فى العام 1928 بمدينة الإسماعيلية المصرية هي التي فعلت ذلك. تلك حقيقة تاريخية لا ينكرها إلا جاهل أو موتور.

 

منذ هذا التاريخ ملئت هذه الجماعة الكبري الفراغ الديني فى المنطقة, حتي انها وصلت للحكم فى مصر وقبلها في الأردن, وبعدها في المغرب وحاليا فى دولة إردوغان فى تركيا. تركيا التي عاشت "تشنجا" ناجما عن التوجهات العلمانية المتطرفة لم تتعرف على إرثها الثقافي إلا فقط قبل عقدين من الزمان. لتركيا أن تستقر أخيرا! ولمصر مزيد من عدم الإستقرار وعدم الإنسجام مع الإرث الثقافي ومع الهوية الدينية لشعبها البائس.

 

في مصر الأزهر نعيش حاليا حالة – للحقيقة ليست فريدة لو انا نحب أن نسترجع التاريخ - توجه فيها الدولة المصرية التي تحالف معها الأزهر منذ نشأته سهامها السامة نحوه. الخلاصة هي أن الأزهر لم يفشل فى دوره الديني الأخلاقي بين المنتمين إليه, وبالأحري بين أفراد المجتمع المصري الذي طالما بجله وأنتظر منه الكثير, لكنه أيضا فشل فى صراعه الثقافي أو الديني مع "الإخوان المسلمون" علي سبيل المثال. ويبدوا الآن أنه يواجه فشلا مع حليفه التاريخي – مع الدولة المصرية. فلا هو حافظ علي قوته الناعمة كما تفعل الطرق الصوفية, ولا هو يضمن مستقبلا لتحالفه مع حكام مصر. لكنه علي ما يبدو لم ولن يستطيع الوقوف أمام "غضب" الدولة المصرية عليه وعلي  "مقاومة" رغبة الأخيرة فى تغيير دوره الديني فى المقام الأول. سيغره و"ح تنزل المرة ده" كما كان يصدع القبطان الشهير فى أحد أشهر الأفلام المصرية.  

 

فشل الأزهر لم يتمثل فقط في المواجهة "غير المتكافئة" أمام الجماعة الفتية "الإخوان المسلمون". بل أمام تيارات دينية أقل شأنا وأضعف بنيانا مثل الجماعات الأسلامية التي ملئت وتملئ المجال المصري منذ عدة عقود. هذه عجيبة العجائب من ذي الألف عام وفشله أمام عصابات متطرفة أغرقت المجتمع المصري فى أتون أعمال إرهابية بغيضة. 

 

قبلها فشل الأزهر فى إثبات وجده أمام تيارات أخري أصبحت الآن ملئ السمع والبصر. خذ علي سبيل المثال, الحركة الوهابية فى الجزيرة العربية والتي أصبحت تقود الدولة والمجتمع المصري كما تسيطر على أنظمة الحكم وعلى شعوب العديد من الدول المجاورة. هذه الحركة واجهت مقاومة مهلكة من حاكم مصر القوي "محمد علي باشا", والذي لم يعتمد على أي دور للأزهر. إذ علي ما يبدو لم يكن يري له ولمشايخه دورا ذي شأن. سلام على جنود مصر وقادتهم من طوسون إلي القائد الأعظم إبراهيم باشا.

 

الحركة الوهابية لم ولن تنسى أن محمد على والجنود المصري دمروا دولتهم وسحقوها تحت سنابك خيولهم, فجاؤوا مجددا مع الطفرة النفطية للثأر من أحفادهم. فى هذه المعركة الجديدة لم تصلح المواجهة المسلحة. وهذا فشل آخر. لكن الفشل فى المواجهة الفكرية كان أفدح من نتحمل أثمانه. نعم حاسبوا الأزهر على فشله أمام الحركة الوهابية! فهي المفرخة الكبري للإرهابيين.

 

إن تشنج الدولة فى معارضة قيام علاقات طبيعية مع إيران ليس له تبرير ألا خشيتها من أن تستطيع "الثورة الأسلامية الإيرانية" فى أيقاظ الإرث الشيعي المصري. يقال أن عدد الشيعة المضطهدين فى مصر يصل لعدة ملايين.

 

ثم ألم يحصد "حزب الله" الشيعي فى جنوب لبنان تعاطفا هائلا بين جموع الشعب العربي؟أ ليس هذه دليلا على هشاشة المكانة التي يحتلها الأزهر السني أمام تنظيمات شيعية بعد فشله فى مقارعة أي من التيارات السنية.

 

ويعتقد البعض أن القاعدة وبناتها مثل داعش لم ولن تجد مقاومة فاعلة فى سعيها للتوغل فى وادي النيل – كما لم تجد مقاومة فى بقية بلدان العالم العربي. كما يعتقد البعض أن "المندبة" المعقودة مؤخرا فى أعقاب التفجيرات الأجرامية لبعض الكنائس المسيحية القبطية ليست إلا دليلا فى قلة "حيلة" المجتمع المصري الذي يعتنق "الدين الإسلامي الوسطي".  أنا لا أعرف توصيفا أكاديميا لمعني "الوسطي"! أهو الدين الكاجوال؟ لست أدري ماهية الدين اللي أولاد الذين عايزينا نعتنقه؟!

 

وأخيرا أصدح بالقول الفصل وهو أن الأزهر لم ولن ينشر الأرهاب. ليس قادرا على ذلك. ليس مهتما بذلك. من الناحية الأخري أقولها صريحة: "الأزهر مؤسسة أكاديمية غير مجبر على تغيير مناهجه." وأنصح أبناؤه أن يقاوموا من يطلب منهم ويحاربوه. إن طلب تغيير المناهج قال به لأول مرة "جورج بوش الإبن" إبان تفجيرات نيويورك وواشنطن فى العام 2001. وذلك قبل أن يدمر بخسة أفغانسان والعراق وغيرهما من الدول الإسلامية. لقد عارضنا جورج بوش منذ اليوم الأول واليوم نعارض ذات المطلب, لأنا كأديميين لم تلوثنا السياسة لا يغيير رأينا إسم الذي يرفع هذا الطلب البغيض.

 

الأزهر مثله مثل أية جامعة أخري له مطلق الحرية فى وضع المناهج التي يشاء. القول بأن تلك الحرية الأكاديمية هي تفرخ إرهابيين ليس إلا خبلا وجهلا وعوارا وخيانة وعمالة.

 

الحركة الوهابية لم ولن تنسى أن محمد على والجنود المصري دمروا دولتهم وسحقوها تحت سنابك خيولهم, فجاؤوا مجددا مع الطفرة النفطية للثأر من أحفادهم.

 

وأنا كأديمي لا أقبل من كائن من كان أن يحد من حريتي الأكاديمية. هل الفيزياء أكثر قدسية من العلوم الدينية؟! الأمر في حقيقته و كما أشرنا ليس إلا خللا فى التحالف البغيض الذي دخل فيه الأزهر مع السياسة الداخلية المصرية.

 

الأزهر كما أشرنا يستأهل ما يحدث معه وله, وإن كنت أنا كما أطالب الأحرار والاكاديمية والمتدينين بأن يدافعوا عنه دفاعا مستميتا, لعله يوما يفيق من "سكرة" الإقتراب من السلطة لكي يتولي يوما القيام بالأدوار الدينية الكبري التي يتوقع منه أن يؤديها.

 

في غمرة النشوة التي ينعم بها كبار مشايخ الآزهر جراء السلطات – المفتنة – التي منحت لهم فى دساتير وفى ممارسات حكام مصر, فشل الأزهر المؤسسة المترهلة فى القيام بدوره الديني الأهم.

 

لقد ترك الأزهر الساحة مباحة أمام – كل من هب ودب – من الدعاة وغير الدعاة. يا سيدنا ألست تري معي أنه فى "بلد الأزهر" قد ازدهرت تجارة "دعاة التيك أواي"؟! أليس هذا دليلا على فشل مركب وعلي مرض مزمن أصاب المؤسسة العتيقة وضربها فى جذورها العميقة؟! ثم بعد ذلك تقولون لنا أن "مناهج الأزهر" هي من تفرخ الإرهابيين؟! ياليتها تخرج لنا "متطرفين" بمعني مؤمنين ومعتقدين بجميع المحتويات التي تضمنتها المناهج المشار إليها!

 

أقولها وأجري على الله. لعلها تكون فرصة أمام قادة "الأزهر" أن يعيدوا التفكير وأن يعملوا على إعادة هيكلة مؤسستهم, وأن يرتبوا أولوياتهم, هل هي السياسة والحكم, أم دين الله وفائدة المؤمنين من المسلمين السنة؟! 

 

تجربة ألف عام كانت – كما أري – غير ناجحة. لعل الأزهر فى المقبل من الأيام يتواضع أمام الله ويتخلي عن الإحتكارات التي منحت له أو حصل عليها بسعي منه (فإنَّما أقطع له قطعة من النار), وأن يعمل على النهوض بالمؤسسات الأخري حتي يواجهوا معا التحديات الحضارية الكبري التي تجابه الجميع.

 

إن تخلي الأزهر عن دوره السياسي في مساندة الحكم والحكومة فى مصر, وعمله الحسيس على التوسع فى العلمين العربي والإسلامي من منطلق الدورين الأكاديمي والديني سيكونان طوق تجاته. لا نجاة له بدونهما. 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية