
هل خان العسكر الثورة؟
طاهر مختار
هل خان العسكر الثورة؟
انتهت الحلقة الأولى من هذه السلسة بطرح هذا التساؤل: هل خان العسكر الثورة؟ هل خان الإخوان المسلمون الثورة؟
فهل خان العسكر الثورة؟
بالرجوع إلى بدايات ثورة يناير سنصل بسهولة لاستنتاج بسيط ومنطقي جدًا مفاده أن العسكر أيضًا لم يخنوا الثورة؛ فهم لم يكونوا في صفها من الأساس حتى يخونوها، بل كان الجيش هو القلب الصلب للثورة المضادة منذ البداية.
الجيش هو القلب الذي حاولت الثورة الاصطدام به وهزيمته ـ كمسيطر على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية ـ بعد خلع مبارك، ولكن البعض اختار طواعية الانخداع بخطابه المضل بأنه قام بحماية الثورة!
الجيش لم يدعُ للثورة، لم يشترك في الحشد من أجلها، لم ينزل الجنود الميادين ليرددوا خلف قادتهم هتافات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية" ولا "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي قياداتهم هم جزء منه، ولا حتى ظهر أي خلاف لقيادات الجيش مع نظام مبارك فيما يخص استبداد وفساد نظامه.
كل ما فعلوه هو أنهم خفضوا رؤوسهم أمام موج الثورة الهادر وخدعوا الثورة بالادعاء أنهم معها ويحمونها، عندما وجدوا بعد أن نزلت دباباتهم الميادين أنهم لا قبل لهم ـ وقد حاولوا ـ بمواجهة الجماهير المنتفضة في الشوارع والميادين وأن ذلك سيكبدهم خسائر ثقيلة.
جاء بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقت موقعة الجمل ليطالب شباب الثورة بإخلاء الميادين وترك الشوارع من أجل تحقيق الأمن واستعادة الاستقرار، لنجد مانشيت الأهرام في اليوم التالي "القوات المسلحة تطالب المتظاهرين بالعودة إلى منازلهم"، ولم تختلف مانشتات باقي الصحف الرسمية عنه كثيرًا!
بعد أن خلعت الثورة مبارك، كان هم المجلس العسكري هو وأد الثورة عند مرحلة تغيير رأس النظام دون إحداث تغيير حقيقي في النظام، فقد سعى إلى منع استمرار أي اعتصام له علاقة بمطالب الثورة في أي من ميادين مصر، كما قام على الفور بتوجيه كل آلته الدعائية ضد الاحتجاجات العمالية من إضرابات واعتصامات ووصفها ب "الفئوية" خوفًا من تجذير الثورة حتى وصل الأمر أن أصدر المجلس العسكري بيانه الخامس بتاريخ 14 فبراير (بعد التنحي بثلاثة أيام) يحذر فيه من الاحتجاجات "الفئوية" لأنها تهدد أمن البلاد، ثم قام بعد ذلك بإصدار قانون تجريم الاعتصامات والإضرابات العمالية، وذلك بدلًا من تطهير الوزارات ومؤسسات الدولة والشركات من القيادات الفاسدة وإعادة توزيع الأجور بشكل أكثر عدلًا وهي المطالب التي كانت من أهم مطالب الثورة والاحتجاجات تلك!
لم يقم المجلس العسكري بتنفيذ مطالب الثورة التي ادّعى حمايتها، بل كان يتصدى لكل محاولات الضغط من أجل تحقيقها، لا قصاص من قتلة الشهداء، لا حرية سوى التي انتزعتها الجماهير انتزاعًا من فم النظام، لا عدالة اجتماعية بأي صورة من الصور؛ فنجد أن أبسط مطالب الثورة مثل قانون الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور يرفض المجلس العسكري إصداره، لا رفع لميزانيات الصحة ولا التعليم، لا تحقيق للكرامة للإنسانية؛ فالتعذيب استمر بنفس وتيرته إن لم تكن قد تضاعفت انتهاكات الجيش ضد المحتجزين من الثوار، وتضاعفت معدلات المحاكمات العسكرية الجائرة غير الشرعية للمدنيين.
قام الجيش بتنفيذ وترتيب العديد من المذابح ضد الثوار مثل محمد محمود ومجلس الوزراء ومذبحة ستاد بورسعيد ضد جماهير الأولتراس.. وهي المذابح التي سقط في كل منها عشرات الضحايا.
بقي الجيش هو المسيطر على مقاليد السلطة في مصر ووضع نفسه فوق الرئيس المنتخب ـ الذي رضي بذلك ـ وقد أدار الجيش بشكل كامل ومعلن المرحلة التي تلت الثورة حتى إتمام الانتخابات الرئاسية وفق استراتيجية وتكتيكات محكمة لإجهاض الثورة حتى حدث الانقلاب.
هل خان الإخوان المسلمون الثورة؟
الإجابة: نعم خان الإخوان الثورة، فقد كانوا جزءًا منها ومن المشاركين في ميادينها حتى تم خلع مبارك، ثم خانوها بالتحالف أو المهادنة على أقل تقدير مع العسكر قلب الثورة المضادة بعد خلع مبارك، خانوها بتزكيتهم شق الصف من خلال مشاركتهم الفاعلة والمستمرة في الاستقطاب الإسلامي – العلماني، وهو الاستقطاب الذي قسم جمهور الثورة التي شارك فيها إسلاميون وعلمانيون مما أضعف صفها أمام أعدائها، وأيضا خانوها بوقوفهم في صف مؤسسات الدولة القمعية عندما اصطدمت بها الثورة بعد تنحي مبارك.
تأييد خارطة طريق الثورة المضادة..
خان الإخوان المسلمون الثورة بتأييدهم التام ومشاركتهم في "خارطة الطريق" التي وضعها المجلس العسكري لإدارة المرحلة الانتقالية بهدف غير معلن ولكنه معروف للقوى الثورية وهو إجهاض الثورة ومن ثم الانقلاب عليها، لذا فقد اصطدمت الثورة بالمجلس العسكري مباشرة بعد التنحي عندما ظهرت نواياه.
خطيئة الإخوان الكبرى كانت بوقوفهم أمام المد الثوري الجماهيري في أوجه ـ بعد خلع مبارك ـ عندما كانت الميادين تنتفض ضد حكم العسكر، وقاموا بحماية مؤسسات الدولة القمعية من جيش وقضاء وداخلية تحت وهم أنهم يستطيعون السيطرة عليها تدريجيًا من خلال المسار الإصلاحي واتباع خارطة طريق المجلس العسكري أو اقتسام السلطة مع العسكر على أقل تقدير.
جريمة الإخوان الحقيقية هي أنهم وقفوا ضد "يسقط يسقط حكم العسكر" عندما كان هناك مد ثوري يستطيع إسقاط حكم العسكر الذي يمثل القلب الصلب للثورة المضادة في مصر أو تقليصه على الأقل.
الإخوان إصلاحيون وليسوا ثوريين فيما يخص موقفهم من الدولة وأجهزتها، وقد حملوا على عاتقهم القيام بمهمة الثورة المضادة في الحفاظ على مؤسسات الدولة القمعية بل والوقوف أمام الثورة عندما اختارت مسارًا أكثر راديكالية من مؤسسات الدولة تلك وطالبت بإسقاطها، واختيار المسار الإصلاحي وقت الثورة هو خيانة لها، والتخلي عن شركاء الميدان الذين قرروا استكمال النضال ضد حكم العسكر بل والترحيب بقمعهم لأنهم رفضوا خارطة طريق إجهاض الثورة هو الخيانة ذاتها.
الإخوان في السلطة..
الإخوان إصلاحيون أيضًا فيما يخص مشروعهم السياسي، فكل ما يريدونه هو إجراء بعض الإصلاحات والتحسينات على النظام، ربما تقليل الفساد والقمع لتحسين صورة النظام والمزيد من الحماية له، ولكن بدون تغيير حقيقي على جوهر النظام يحقق مصالح الجماهير، فلا توزيع عادل للثروة، ولا تغيير لتركيبة النظام السلطوي، أضف إلى ذلك الرجعية التي يمتاز بها خطابهم كتيار من تيارات الإسلام السياسي.
ولأن الإخوان إصلاحيون جاءوا وقت ثورة فلم يلبوا مطالب الجماهير التي بلغ سقف توقعاتها عنان السماء وقت وصولهم منفردين للسلطة، ولم لا يرتفع سقف توقعاتهم ومحمد مرسي هو أول رئيس منتخب بعد ثورة ضحى فيها المصريون بالغالي والنفيس من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟ وقد ازداد وعي الشعب بحقوقه مع انتزاعه لمساحات من الحرية السياسية بالثورة، وعلم الكثيرون أن الأزمة الاقتصادية أساسها اللامساواة في توزيع الثروة والتفاوت الطبقي الكبير وليس قلة الموارد كما كان يصور نظام مبارك سابقًا، ولكن الإخوان لم يريدوا الصدام بمن في يدهم السلطة ولا الثروة بشكل حقيقي؛ فلم يريدوا إغضابهم وكل همهم في هذه المرحلة هو تقاسم السلطة والثروة مع من يستحوذون عليها ويثبتوا أقدامهم في الدولة.
ومع عدم تحقيقهم لمطالب الجماهير نتيجة خيانتهم لمطالب الثورة، انفجرت الاحتجاجات السياسية ضدهم بسبب ما بدا للجميع من محاولة انفرادهم بالسلطة وعدم وجود شفافية في التعامل مع القوى الأخرى، وقد تجلى ذلك في أزمة الإعلان الدستوري وأزمة دستور 2012 الذي أعطى التنازلات للعسكر وغازل تيارات الإسلام السياسي شديدة الرجعية، في حين أنه تجاهل مطالب الثورة.
وقد تصاعدت أيضًا الاحتجاجات العمالية والاجتماعية بشكل كبير ومتصاعد طوال فترة حكم مرسي نتيجة عدم تلبيته لمطالب المحتجين المنطقية التي هي من صميم مطالب الثورة، ومع ازدياد الاحتجاجات قامت أجهزة الدولة باعتقال العديد من الثوار والمحتجين مما رفع من حدة الغضب ضد نظام الإخوان.
وكل ما سبق تمكنت الثورة المضادة من استغلاله جيدًا لإنجاح الانقلاب على ثورة يناير..
ولكن يجب فهم الفرق جيدًا بين العسكر القلب الصلب للثورة المضادة الأعداء الطبيعيين لثورة يناير، وبين الإخوان المسلمين الذين كانوا في صف الثورة ثم خانوها لإصلاحيتهم وانتهازيتهم بالوقوف في نفس خندق إخماد الثورة مع الثورة المضادة بعد خلع مبارك، فرغم تشابه المواقف بينهما إلا أنه يجب فهم سياق تحركات كل الأطراف في سياق الثورة المصرية وأطرافها المتشابكة وتطوراتها لفهم السياق الذي حدث في الانقلاب وعند مناقشة التكتيكات المطروحة.
فكيف حدث الانقلاب؟ للمقال بقية،،
انتظروا غدًا الحلقة الثالثة من سلسلة "في ذكرى 30 يونيو: لا ثورة إلا ثورة يناير" بعنوان: "كيف حدث الانقلاب؟".
الحلقة الأولى: في ذكرى 30 يونيو: لا ثورة إلا ثورة يناير