رئيس التحرير: عادل صبري 09:00 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الخرطوش في صدورنا واللفافة لا تزال في عقولهم!

الخرطوش في صدورنا واللفافة لا تزال في عقولهم!
25 مارس 2015

الخرطوش في صدورنا واللفافة لا تزال في عقولهم!

طاهر مختار

الخرطوش في صدورنا واللفافة لا تزال في عقولهم!

"في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر" مقولة شهيرة تنسب للماهتما غاندي المناضل الهندي الشهير لوصف ما يحدث مع الثوار والمناضلين عندما يشرعون في مقاومة الأنظمة الظالمة، ولكن هل لاحظت عزيزي القارئ أن هذه المقولة يمكن أن تنطبق أيضا على شيء آخر؟ "خرطوش الداخلية" مثلا؟!

لقد تجاهلت وأنكرت الشرطة المصرية لوقت طويل أن يكون لديها خرطوش، بل واتهمت (طرفا ثالثا) بالمسئولية عنه، حتى جاءت المقولة الشهيرة في 2012 على لسان سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب المنتخب بعد الثورة "وزير الداخلية قال لي أن الداخلية لم تضرب خرطوش".

وبعد الإنكار التام السابق جاء حسام عيسى وزير التعليم العالي في حكومة الببلاوي بعد مقتل الطالب محمد رضا في جامعة القاهرة في نوفمبر 2013 ليسخر ويقلل من شأن الخرطوش الذي تطلقه الداخلية على معارضي النظام قائلا "وزير الداخلية قال لي أن الخرطوش اللي بتضربه الداخلية بيلسع بس مبيموتش"، مدعيا أن الخرطوش الذي يقتل يتم ضربه من أطراف أخرى.


وبعد مقتل الشهيدة شيماء الصباغ في يناير 2015 في شارع طلعت حرب جهارا نهارا وأمام الكاميرات وأمام أعين الشهود بخرطوش الداخلية في موقف لا يوجد فيه اي لبس، خرج علينا النائب العام في بيان رسمي له يقول فيه أن شيماء الصباغ تم توفيت إثر إصابتها بخرطوش (خفيف) وتم إحالة ضابط الأمن المركزي الذي قتلها بالخرطوش إلى الجنايات بتهمة (ضرب أفضى إلى موت) وليس القتل العمد وهو ما أثار اندهاش واستياء المتابعين لأن الضرب بسلاح ناري من مسافة قريبة هو قتل عمد بلا شك!

ليخرج علينا بعد ذلك د.هشام عبدالحميد المتحدث الرسمي باسم مصلحة الطب الشرعي ـ قبل عزله من منصبه أمس بعد التحقيق معه في تصريحاته ـ خلال حواره مع مقدم برنامج "على مسئوليتي" الذي يذاع على قناة صدى البلد أحمد موسى المعروف بالعداء للثورة ليفسر لماذا كيفت النيابة العامة قضية قتل شيماء الصباغ بأنها ضرب أفضى إلى موت وليست قتلا عمدا قائلا بإن الخرطوش الذي تستخدمه الداخلية هو خرطوش (خفيف) وأنه  نادرا ما يقتل أحدا، وأن شيماء ماتت بعد ضربها بخرطوش الداخلية بسبب "نحافتها"!!

أترك لكم التعليق على هذا الكلام وعلى الاستخفاف بالعقول الذي فيه، ولكن يجب الانتباه أيضا أن نفس الكلام يحمل في الوقت ذاته اعترافا صريحا بان الداخلية لديها خرطوش تطلقه على المتظاهرين، فهذه هي المرة الأولى، رغم السخرية من الخرطوش والتقليل من شأنه وقوته، التي يتم فيها "إثبات نسب" الخرطوش للشرطة المصرية في حالة قتل متظاهر، ويمكن حصر ولو بشكل تقريبي أعداد المتظاهرين الذين تم قتلهم بالخرطوش من أول الثورة ـ بعد أن علمنا الطرف الذي يملك الخرطوش ويقتل به ـ لنقوم بعمل إحصائية  لنعرف ما هي النسبة التي يقصدها د.هشام ب "نادراً" التي قالها للتعبير عن نسبة احتمالية قتل الخرطوش للمتظاهرين، فربما يقصد أن نادراً هذه تعني 50% أو 80% نسبة قتل مثلا في مقابل نسبة أعلى عند إصابة الرصاص الحي لنفس المنطقة القاتلة من الجسم؟!

القصة لن تنتهي هنا بالتأكيد، فيوما ما مع استمرار استخدامه وفضح دوره سوف ينتزع الخرطوش اعترافا آخر بقوته بعدما استطاع انتزاع اعتراف سابق بنسبه للداخلية، عاجلا أو آجلا سوف ينتزع الخرطوش اعترافا صريحا من النظام بأنه "بطل الثورة المضادة" الذي أراق دماء العديد من الثوار، يوما ما سوف تعلن الثورة المضادة أن الخرطوش هو سلاحها من أجل قتل كل من يحاول تغيير الوضع القبيح القائم، ولكن تذكر أيها الخرطوش أن بطولتك هذه هي بطولة في الإجرام وأن اليوم الذي سوف يتم فيه الاعتراف بك بشكل كامل والفخر بجرائمك سوف يكون هو بداية العد التنازلي لحساب كل من استخدمك وكل من أجرم ضد البشرية من خلالك، سوف يكون هو بداية العد التنازلي لليوم الذي سوف تكون فيه مجرد أداة أثرية موجودة في المتحف في عالم جديد لا قتل فيه!

اللفافة لا تزال في عقولهم!

لم يكن التصريح حول أن نحافة الشهيدة شيماء الصباغ هو سبب وفاتها بعد ضربها بالخرطوش هو التصريح الوحيد المثير للجدل بل والاشمئزاز عند الكثيرين في حوار د.هشام عبدالحميد مع أحمد موسى، فقد قال أيضا في نفس الحوار أن التقرير الأول الذي كتبه الطبيب الشرعي محمد عبدالعزيز بخصوص مقتل خالد سعيد كان تقريرا صحيحا وهو التقرير الذي جاء فيه أن هناك لفافة كانت موجودة في حلق خالد سعيد هي سبب الوفاة، وأن الخطأ الذي ارتكبه الطبيب الشرعي وقتها كان هو فقط عدم توثيق ذلك!

يعود المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي بتصريحه الأخير حول قضية مقتل خالد سعيد إلى تبني الرواية القديمة للدولة حول أن وفاة خالد سعيد سببها ابتلاعه للفافة بانجو وهي الرواية التي صدر بها بيان من وزارة الداخلية (قبل أن تُدين محكمة الجنايات أفرادها بقتل خالد سعيد ثم تؤيد محكمة النقض الحكم بعد ذلك)، وقد جاء تقرير الطب الشرعي الأول في هذه القضية ثم تقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعي ليتماشيا مع هذه الرواية حيث جاء بهما أن خالد سعيد قد توفي نتيجة "إسفيكسيا الاختناق" بلفافة بانجو وأقر التقريران أن به إصابات ـ لم يكن بيدهما إنكار ذلك بعدما انتشرت صور الجثمان في المشرحة وبها إصابات متعددة ـ ولكن جاء بهما أن هذه الإصابات ليست سبب الوفاة!

لم تنتهِ الأمور هنا، فقد جاء بعد ذلك تقرير الطب الشرعي الاستشاري والذي أعده د.أيمن فودة كبير الأطباء الشرعيين الأسبق ليفند التقريرين السابقين عندما أكد أن لفافة البانجو وضعت لخالد سعيد عنوة في فمه بعد وفاته وأنه لم يبتلعها وأنه قد تم قتله، وبعد أن قدم الاثباتات العلمية والمنطقية حول ذلك وصف تقرير الطب الشرعي الأول بأنه "فاسد".

 كل المشاركين والمتابعين للثورة المصرية يعلمون أن قضية مقتل خالد سعيد في يونيو 2010 كان لها دور محوري في تفجير ثورة يناير؛ حيث أنها كانت مثالا صارخا لانتهاكات الشرطة المتكررة ضد المصريين وتصاعد قمعها سواء ضد عموم المواطنين أو ضد معارضي النظام من النشطاء السياسيين، وقد قام معارضو نظام مبارك بالعديد من الفعاليات الاحتجاجية لمحاسبة أفراد وضباط الداخلية على جريمتهم ضد خالد سعيد وهي الفعاليات التي كانت تقابل بمزيد من القمع من قبل النظام وفي المقابل المزيد من تصاعد الاحتجاجات ضد النظام حتى قامت الثورة في 25 يناير 2011.

ولأن خالد سعيد هو أيقونتها الأهم فقد دأب النظام وأنصاره وكل أعدائها على التشكيك في الثورة من خلال التشكيك في قضية مقتل خالد سعيد ووصف خالد ب "شهيد البانجو"، في حين أن الثورة قالت أن خالد سعيد هو "شهيد التعذيب على أيدي الداخلية"، وهو الاعتراف الذي استطاعت الثورة انتزاعه من الدولة المصرية بالحكم بالحبس الذي أدان أفراد الشرطة الذين قتلوا خالد، وهو الحكم الذي لم تستطع الدولة التملص منه مع وضوح القضية ومع ضغط الثورة خلال السنوات الماضية، الضغط الذي وصل من القوة لدرجة أن جنرال الثورة المضادة الرئيس عبدالفتاح السيسي كان يتماهى مع الثورة في تلك المرحلة من أجل أن يحتويها بعد انقلابه عليها في يوليو 2013 ليقول أن 30 يونيو هو امتداد لثورة يناير!

وقد وضع المتحدث الرسمي باسم مصلحة الطب الشرعي بتصريحاته تلك، نفسه والمؤسسة التي يمثلها، في نفس خانة أحمد سبايدر وتوفيق عكاشة وعمرو مصطفى وإعلاميي النظام المعادين بشكل صريح للثورة، وقد سعت قيادات المصلحة لتخفيف وطأة الأمر نسبيا بعد هذه التصريحات بقرار عزله من منصبه كمتحدث باسم الطب الشرعي، ولكن هذا لن يغير من الأمر كثيرا فتقاريرهم الأولى المخزية في قضية خالد سعيد وتقريريهما الأخيرين في قضيتي محمد الجندي وشيماء الصباغ يكشفون بوضوح كيف أن مصلحة الطب الشرعي ما هي سوى أداة في أيدي الدولة لتلفيق القضايا و"تأييفها" حسب مصالح النظام.

***

اليوم وإذ يستقر خرطوش الداخلية في صدور معارضي السلطة ويقتلهم أمام الجميع، فإن حديث "لفافة البانجو" مازال يملؤ عقول رجال النظام ونسائه وهو الحديث الذي عادوا يتقيئونه علينا في تصريحاتهم، وفي نفس الوقت يقولون أن خرطوش الداخلية "خفيف" لا يقتل رغم أننا يتم قتلنا به أمام أعينهم ورغم كل القتلى الذين ماتوا به! فالنحافة هي اللفافة الجديدة في قضية شيماء، وغدا لفافة جديدة من نوع آخر لتبرير قتل آخر وإلقاء اللوم على ضحية جديدة، ليبقى الجاني بلا حساب، ولتستمر دولة الظلم في القتل بلا رادع، وستبقى بلا رادع .. طالما غابت الجماهير!

- فهل هناك شيء يدعو للعجب والسخرية أكثر من ذلك؟!

-نعم! .. ما سوف يُستَجد من أفعال وأقوال السلطة وأنصارها إن استمرت الثورة المضادة في الحكم!

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية