رئيس التحرير: عادل صبري 11:34 مساءً | الاثنين 05 مايو 2025 م | 07 ذو القعدة 1446 هـ | الـقـاهـره °

البنت لازم تكون "حشمة"

البنت لازم تكون
23 مارس 2015

البنت لازم تكون "حشمة"

ليلى حلاوة

البنت لازم تكون "حشمة"

تعليقا على المقال السابق بعنوان "عشرون فرقا بيني وبينها"، قالت إحدى الصديقات: "والله لو كل ست عملت نص اللى جارتك بتعمله مش هيفضوا ينكدوا على حد"، وتتبع كلامها بالقول: "أنا بستريح في التعامل مع الرجالة عن الستات.. أنا صحباتي البنات يتعدوا عالصوابع.. مع العلم أنني لست مسترجلة".

وفي تعليق آخر تقول صديقة أخرى: "ليلى تصادق إنسانة طبيعية" وكأننا نفتقد هذه الطبيعية حولنا.. وتتسائل الصديقة الأولى: ما الخطأ في تربيتنا الذي يجعلنا كفتيات وسيدات نحقد على بعضنا البعض أو نغير أو ننكد على بعض.

حقيقة إنني لا أدعي معرفة الإجابة على السؤال السابق. ولكن إن فتحنا الدعوة لجميع البنات لتعبر كل واحدة منهن عن موقف واحد فقط أزعجها وضايقها كونها بنتا منذ طفولتها وحتى أي مرحلة من مراحل حياتها الحالية، فلن تكفي جميع السطور المتاحة وغير المتاحة لفيض الكلام والمشاعر المخبأة هنا وهناك في الزوايا والحنايا وفي عمق الأدمغة، والتي أصبحت تغلف جميع الأفكار المنبثقة من ثقافة تربوية خاطئة تقوم جميعها على فكرة أن البنت عورة ويجب تخبئتها.

التخبئة هنا لا تعني بالطبع التخبئة أسفل الملابس، لأن هناك منهن من يكشفن أكثر مما يسترن.

أتذكر مثلا وأنا صغيرة جدا، عندما كنت أرتدي فستانا أو بنطلونا مزركشا وتعلق زوجة عمي قائلة لأمي: "عيب ياسميرة لبسي بنتك غامق وحشمة علشان تتعود على كده"، وعندما تأتي بائعة الملابس إلى منزل العائلة، تفرض زوجة عمي القوية البنية وقوية الشخصية رأيها وتقنع الجميع أنه يجب ولابد أن ترتدي البنات حتى الصغيرات منهن تلك الملابس الغامقة جدا لأنها تعبر عن "الحشمة".

ثم أنني أيضا لا أنسى كونهم كانوا يعايرون أمي بخلفة البنات دائما وأبدا، فها هي زوجة عمي تنجب الولد وراء الولد، أما أمي المسكينة الطيبة فلا تنجب سوى البنت تلو البنت، وها هي يتم الإثقال عليها بالعمل داخل منزل العائلة الكبير.. فقط لأنها أنجبت بناتا، أما زوجة العم فيجب أن ترتاح كي ترضع أطفالها الذكور.

ولا أنسى أنهم كانوا يقولون لها عندما حملت في أختي الصغيرة: بطنك كبيرة قوي شكلها بنت المرة دي كمان.. وكأنك رفعت حجرا صوانا وخبطته في دماغ أمي (منحها الله العفو والعافية والصحة والكرم).

ولن أنسى أبدا أنه عندما كانت تثار "خناقة" منزلية بين أمي وزوجة عمي، أنها كانت تنادي على أبنائها من الأولاد لتقول لهم: قفوا بجانب والدكم في الحقل ولا تتركوه أبدا وحده" في محاولة لإغاظة أمي منجبة البنات "المشينين".

ولن أنسى بالطبع أنه عندما كان جدي حي يرزق، كان لابد من أن يأكل جميع الرجال أولا ومعهم بالطبع أبناء عمي من الذكور والذين هم في نفس أعمارنا. ثم يأتي دورنا في المساعدة.. فيجب أن نرفع الطعام من عندهم وننظف المكان ثم نقوم بفعل الأكل الذي فقد مذاقه وسخونته.

وعندما يخرج الأعمام جميعا فيصطحبون الأولاد الذكور معهم للسهر داخل القرية أو للذهاب إلى أحد الأفراح، أما البنات فيجب أن يمكثوا في البيت.

أذكر أنني في إحدى المرات قد رددت على جدتي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، ردا صارخا وعاليا عندما طلبت مني تنظيف شىء ما، فقلت لها: "ألستم جميعا تفضلون الذكور، فلتطلبي منهم إذن فعل ما تريدين فلن أفعل شىء!". وكانت رحلة مراهقتي كلها تمرد ضد كل ما هو رجل.

أما عندما تكبرين قليلا منتقلة من عالم الطفولة إلى عالم لا تعرفين ماهيته، لن تجدي في كثير من الأحيان من يساعدك، فلتخبئي ما يحدث لك، ولا تتجرأي وتسألي عما أنت مقبلة عليه، ولتنكفأي قليلا إلى الأمام حتى لا يلاحظ أحد ما يحدث لك من تغييرات.

فربما أنت خجلة، وربما ليس هناك وقت من أحد ليجيبك على أسئلتك، فلتظلي تائهة حتى تأتيك إجابة من هنا أو من هناك ربما تكون صحيحة وربما تكون مليئة بالهراءات الاجتماعية عما يجب أن تفعليه وما لا يجب أن تقوليه.

وإذا حدث وجاءك الخطيب، فتأتيك النصائح: لا تقولي لأحد من زميلاتك: إنهن يردن بك شرا مستطيرا، انتظري حتى "نكتب الكتاب ونعلي الجواب" ووقتها سيعلم الجميع، والفأس تكون وقعت في الرأس.

أما إذا وزك عقلك الصغير، ورفضت عريسا ثريا، سيأتيك العتاب والعقاب قائلين لك: "بالتأكيد لقد وزتك صديقتك المقربة التي لا تحبك، نحن نعرف أنها السبب وأنها تفعل ذلك من باب الغيرة"، ثم تأتيك النصيحة التالية على طبق من ذهب: "ماحدش هاينفعك ياخايبة.. داري على شمعتك تقيد.. أنت تعرفي لو العريس ده راح لها بشحمه ولحمه هاترميك في أول سلة ذبالة".

ثم إذا حدث وتزوجتي قبل صديقتك، فيجب أن تقطعي علاقتك بها خوفا على زوجك منها، وخوفا من غيرتها، وخوفا من حقدها وحسدها وغلها"، هكذا يظنون.

ولا تنسي ألا تضحكي مع زوجك أمام أحد، فبمجرد أن تتزوجي فلتشتكي من الزواج وسنينه، هذا كله من أجل ألا يحسدك أحد. 

وإذا علمت بحملك فلا تذكري لأحد هذا الموضوع، إلا بعد أن تكبر بطنك ويكون الأمر على عينك ياتاجر، وإذا سألك أحد عن وجهك "المصفر" أو بطنك المتقلبة الغير مستقرة وأكلك الذي تغيرت عاداته، فلتقولي حبيبتي أنه لديك نزلة معوية حادة.

وإذا كنت حامل في ولد فلا تقولي أبدا، وتحججي بكونك تؤجلين معرفة جنس المولود بعد الولادة لأنك تريدينها مفاجأة.

 وبعد أن تنجبي أولادك عزيزتي، ولتسمعي مني أنا هذه المرة، ستجدين نفسك وحيدة بين أربعة من الجدران، ليس وراءك شىء سوى إرضاع هذا وإسكات ذاك، وإرضاء زوجك الذي لا يرضى، وتنظيف مطبخك الذي لا ينتهي أبدا تنظيفه، وستقومين بجمع "فردات" الشرابات من هنا وهناك، وتغسلين وتطبخين وتنشرين وتكوين.. وبالطبع ستكتئبين".

عندها فقط ستشتاقين لصديقة قديمة تجلسين معها، تفضفضين لها، تحكين عن أمور تسوءك كثيرا.. ولكنك للأسف لن تجدي.. ثم تكتئبين مرة أخرى فوق اكتئابك السابق.

وربما تلاحظين بعد ذلك تغير زوجك من ناحيتك، فقد أصبحت مشغولة مع الأبناء وقد أصبح مشغولا مع الأصدقاء وربما أصبح مدمنا للشات والإنترنت، وربما أصبحت هناك إحداهن.

وعندما تتفاجئين فلا تتفاجئين لأن هذا ما سيحدث. لقد فقدت كل نفسك من أجل أربعة جدران تختبئين بينهم وتتأرجحين بين أعمال كثيرة، ليس بينها ما تشعرين أنه يهون عليك.

فلا أنت تهتمين بنفسك، ولا تخرجين من منزلك إلا مع زوجك الذي ربما يخرج على مضض، أو يخرج ممسكا بتليفونا لا يسكت إلا بعد رجوعكم ومع موعد نومكم.

وإذا سألت إحدى معارفك من الصديقات أو القريبات ممن يخرجن كل يوم من أجل العمل، هل العمل مناسب لي في المرحلة الحالية؟ هل سأنجح في التوفيق بين أعباء البيت التي لا تنتهي وبين تربية الأولاد، ليأتيك الرد غير خجلا ولا مترددا: "أنت يابختك بقعدتك في البيت.. حد يطول الـ أنت فيه.. جوزك مستتك ومهنيك وبيصرف عليك وبيديك مصروف إيدك كمان.. ياريت جوزي يعمل معايا كده.. وإياك من أذية نفسك بالنزول للعمل".

كل هذه النصائح الواثقة المعتمدة تأتي من صديقة هي بالفعل تعمل، ولكنها ترى أن في عمل المرأة ظلم كبير وأن الأفضل لجميع السيدات أن يجلسن في البيوت للراحة ولتربية أبنائهن، ولكنها هي لظروف استثنائية خرجت من أجل العمل وياليتها تستطيع الراحة والجلوس في المنزل مثلك أنت.

اختصر حياة الفتيات والسيدات في كونهن يعشن في ظلام دامس، يعشن في الخفاء، يجب مداراتهن كما يجب مداراة أفكارهن ناهيك عما يبث في أدمغتهن.

إنها ثقافة العيش داخل الوطن العربي، الذي يخجل أن يذكر اسم أمه أو زوجته علنا، في حين كان نبينا وقدوتنا صلوات الله وسلامه عليه لا يتحرج أبدا أن ينادي زوجاته بأسمائهن، والأحب على قلبه يدللها ويناديها بـ"عائش" رضي الله عنها. فلم نعرف السيدة فاطمة الزهراء إبنة رسولنا الكريم إلا بإسمها، فلم تذكر في أي مكان بأنهم كانوا ينادونها بأم الحسن أو الحسين، ونحن نعرف أنها السيدة فاطمة رضي الله عنها. كما أن النساء وقتها لم يكن يتحرجن أن يسألن رسولنا الكريم عن أدق تفاصيل النساء وكيف يتطهرن، كما كن لا يخجلن أن يشكين أزواجهن واشتياقهن لهم أوقات الحروب الطويلة، فكان أن سأل سيدنا عمر إبنته حفصة كم تصبر الزوجة عن زوجها فقالت له ستة أشهر، لتصبح هذه هي المدة الزمنية الأقصى التي يقضيها الرجل في الجيش بعيدا عن أهل بيته. كما كان للنساء أنفسهن أدوار في الحروب لا تقل أهمية عن أدورا الفرسان.  

في ظني والله اعلم أننا يجب أن نُخرج بناتنا إلى عالم النور، فلا نبثهم أفكار مظلمة، ولا نلبسهن ملابس سوداء، ولا نحبسهن داخل المنازل.. ولتذهب مع أبيها إلى المسجد كما اعتاد أخوها أن يذهب. 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية