وقت أطفالك لا تقتله بالملل
ليلى حلاوة
وقت أطفالك لا تقتله بالملل
لا أعرف كيف توغلت هذه الثقافة في نفوسهم وأرواحهم وأجسادهم إلى هذا الحد، فجل من أعرفهم لديهم خطط لأبنائهم، فحينما نخرج سويا لتناول الغداء أجد أحد الأمهات وقد أخذت معها بعض الصور (قصتها من كتاب قديم لا تحتاجه واحتفظت بها في كيس صغير ملون) وأخذت تسأل طفلتها وهي تتحدث معنا في نفس الوقت: ما هذا الذي ترينه في الصورة وما هذا الذي في الأخرى، فإن زهدت في الصور، أعطتها الأوراق البيضاء وأقلام التلوين، وكأن لسان حالها يقول: إن أردت أن تستمتع فيجب أولا أن تشغل أطفالك وتجعلهم مستمتعين بما يقومون به.
كانوا على وشك السفر وسفرهم يستغرق خمس ساعات، وجدتها تكتب بالدقيقة الواحدة كيف ستشغل ابنتيها داخل الطائرة، فالتابلت لمدة ساعتين، وبعض الأوراق والأقلام لزوم التلوين ولا أتذكر باقي ما قالته من أفكار.
أما هذا الأب فأراه في نفس الموعد كل يوم يلعب مع ابنه، فمرة يجري معه، ومرة يعلمه أحد حركات اللعب بالكرة، وثالثة يجعله يقف على كتفيه في حمام السباحة ليقفز قفزة قوية في الماء وهكذا دواليك دون أن يمل أو يظهر على وجهه علامات الاستياء، فهو مرحب بأخطاءه وثقله فوق كتفيه وكل شىء (في حالة من القبول الشامل غير المشروط).
قضاء الوقت مع الأبناء، لتعليمهم شىء، للعب معهم، لتعديل أحد سلوكياتهم بشكل غير مباشر، للقراءة لهم، للضحك سويا. هي مهمة تستحق العناء وتستحق قليل إن لم يكن كثير من التخطيط.
راقبت نفسي، ماذا تفعلين لأبنائك؟ أقول لكم الحقيقة: أنا أريد أن أفعل كل شىء اجلس معهم اعلمهم شىء جديد اضحك معهم أنظم لهم وقتهم اجعلهم يستمتعون، ولكن الحقيقة الثانية هي أنني في النهاية لا أفعل شىء على الإطلاق إلا ما كان ضروريا.
قابلتني في أحد الأماكن صدفة، وسألتها عن أداءها مع الثلاثة أطفال، هل هم مزعجون، هل تشتكين من شىء معهم، قالت السيدة اليونانية التي تعمل أستاذ بالجامعة: أنا اعمل وزوجي يجلس مع الأطفال، لم نحتاج لأي مساعدة من أحد حتى الآن، قمت بارضاع أبنائي الثلاثة كل منهم لمدة ثلاث سنوات حتى يشبعوا مني وأشبع منهم، تكمل قائلة: لا شأن لي بالناس ولا شأن للناس بي فنحن كأسرة نفعل ما يناسبنا ويسعدنا وفقط.
أكملت قائلة: حينما أعود من العمل، نأخذ وقتا طويلا في الطهو أنا وأبنائي، قلت لها وماذا بشأن الخناقات اليومية بين الأبناء كيف تديرينها؟ قالت: حينما أكون مشغولة أضع لهم كثير من الأولوان المائية وامنحهم وقتا كافيا، فقد يجلسون للعب لمدة 3 ساعات دون ملل فهم يحبون الألوان. ثم أننا نقرأ سويا، ثم أننا نلعب سويا. ثم وثم ثم...
وبالصدفة قال الأب لابنته: ماذا عن تجربتك الخاصة التي فعلناها أمس: هل تتذكرين حينما وضعنا الشامبو على الألوان المائية الخاصة بك... ماذا حدث؟، فتذكرت الطفلة تجربتها الخاصة وأخذت بالحكي لنا عن عناصرها الخاصة التي ابتكرت في إضافتها إلى تجربتها.
إذن الأب لا يجلس وفقط مع الأبناء ماسكا جواله مثلا ويترك الأبناء يجولون حوله لا يعرفون ماذا يفعلون، بالعكس فهو يجعلهم يبتكرون الأشياء ويقومون بالتجارب ولا يتوقفون عن فعل شىء، الذي يحدث أنه يتعمد وضع الخطط والنشاطات التي سيفعلها مسبقا حتى لا يمل الأبناء ولا يضطر للصراخ في وجههم في لحظة من اللحظات.
الخلاصة تتعلق كلها باحترام وقت الأطفال والتخطيط لما يفعلونه ولما سيتعلمونه ولما سيستمتعون به، ولا نترك الوقت يقتلهم بملله وفعله الأفاعيل.
نصحني كثيرون بأهمية قضاء ساعة واحدة فقط مفيدة مع الأطفال يوميا، نفعل بها أشياء مخطط لها مسبقا، وبدوري قررت أن أقوم بتحدي العشر دقائق، حيث نقوم فيه بفعل أي شىء يخطر ببالنا شرط أن يتم في عشر دقائق فقط، فيبعد الملل قليلا عما يفعله الأطفال وعما يطلب منهم القيام به. فمثلا تحدي العشر دقائق لرسم أجمل لوحة، وتحدي العشر دقائق لاختراع تجربة، وتحدي العشر دقائق للانتهاء من تنظيم المكان الذي نجلس فيه، وتحدي العشر دقائق للانتهاء من تجهيز العشاء سويا. ربما نكسب بعض الوقت الممتع مع الأبناء وربما علمناهم أهمية الوقت وكيفية الاستفادة منه بدلا من الجلوس أمام التلفاز إلى ما لا نهاية.
