رئيس التحرير: عادل صبري 01:23 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

زيف مدنية الخطاب وإقامة دولة الانقلاب

زيف مدنية الخطاب وإقامة دولة الانقلاب
07 سبتمبر 2014

زيف مدنية الخطاب وإقامة دولة الانقلاب

سيف عبدالفتاح

زيف مدنية الخطاب وإقامة دولة الانقلاب

هل حقق دعاة الدولة المدنية غايتهم التي أقاموا الدنيا ولم يقعدوها باسمها، وحاربوا عليها، وشوّهوا وشيطنوا الآخر من أجلها، وبرّروا القتل والحرق والقمع والاعتقالات وكافة أشكال انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية تحت رايتها؟

هل هذه هي الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الدستورية الحديثة التي هرعوا إلى شيخ الأزهر لكي يخرجوا منها وثيقتهم؟ هل هذه الدولة التي رفضوا لأجلها الانتخابات وشرعية الصندوق والديمقراطية التي تأتي بغيرهم؟ فما هي دولتكم المدنية أيها المدنيون؟

هل الدولة التي تستبيح إزهاق الأرواح وتهدر حق الحياة لمواطنيها، تقتل أولادها بأي الاتهامات وبدون محاكمات عادلة، وتحول مئات الألوف من أنبلهم وأشرفهم إلى إرهابيين وخونة تستحل دماءهم وتقتل في ساعات المئات منهم في ظل دعاية سوداء من إعلامها وأبواقها وبلا فرصة للدفاع عن النفس، وتحرق العشرات منهم حرقًا في ساعة واحدة ثم لا تقدم مسئولا واحدا عن ذلك بل تبرئ ساحة من اتهموا بذلك في أسرع وقت، هل دولتكم تلك الصانعة للكراهية الزارعة للعداوة بين أبنائها القاطعة لوشائج تواصلها واتصالها فتهدم تماسك جماعتها الوطنية وتبدد لحمتها وتضرب الوطن في مقتل بدفعه إلى اقتتال يهدد سلامته ويقذف به في أتون حرب أهلية أو يكاد.. هل هذه هي دولتكم المدنية؟

هل الدولة التي تعتقل بمجرد إعلان انقلابها الشخصيات ثم العشرات فالمئات فالآلاف فعشرات الآلاف منهم لرفضهم ما جرى في 3 يوليو ورؤيتهم أنه انقلاب، وبعد شهور من الاختطاف أو الاعتقال تتوالى التهم التافهة والمحاكمات الهزلية ثم الأحكام العجيبة بالسنوات الطوال على طلبة وطالبات وأطفال قُصّر؛ لحمل شارة أو رفع شعار، وتقتل وتهان وتنتهك نساؤها وبناتها في الجامعات والمدارس والمستشفيات وأقسام الشرطة وفي الشوارع وفي المعتقلات لبالونة أو علم أو كلمة ردت بها إحداهن على شرطي أو مشاركة في مظاهرة نسائية، ثم الأحكام بالإعدام والمؤبد على المئات في غمضة عين؟ ثم تقتل الصحفيين وتعتقل منهم العشرات، وتضطهد من الإعلاميين المئات، وتغلق القنوات والصحف والأحزاب لرفضهم ما يجري ولو كان محل إجماع الآخرين... دولة التعذيب والتنكيل في كل مكان وبدون أي سقف أو حدود.. دولة الفعل المطلق من عتاب أو حساب أو عقاب..؟ هل هذه هي دولتكم المدنية؟

هل هي الدولة التي تطارد الفكر المختلف في الإعلام والجامعات والمساجد والمجلات والصحف والبرامج الساخرة والمسلسلات لأن أصحابها يعارضون نظامها الحاكم أو المتحكم، وتضع القيود على خطبة الجمعة وتطارد ورقة يكتب عليها تذكرة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتمنع خطباء لصالح آخرين، وتكفر وتفسق وتبدع فريقا من أهل الدين لأنهم مختلفون ومخالفون ورافضون، وقد كانوا من قبل بنفس فكرهم وخطابهم وتاريخهم وممارساتهم النخبوية والجماهيرية في كل مكان؛ في الإعلام والمساجد والجامعات وفي قلب الحياة السياسية، بل في رأس السلطة السياسية، وكل من يستأصلونهم اليوم يتفاعلون معهم ويتحالفون معهم ويلتقون معهم في سائر المواقف والمناسبات.. هل هذه هي دولتكم المدنية؟

هل هي الدولة التي تطيح رئيسًا مدنيًا منتخبا بل أول رئيس مدني منتخب انتخابا حرا نزيها بإجماع العالم وشهاداتكم وحضور شعبي معّبر ومنافسة شديدة لأول مرة في تاريخ مصر، وتطيح مجلسًا نيابيًا منتخبا كذلك انتخابًا حرًا نزيها، ودستورا مستفتى عليه من الشعب استفتاء حرا نزيها وحصل على موافقة الثلثين، لتحل محل الرئيس قاضيا معينا لا يملك من أمر نفسه شيئا ثم ليسلم المؤقت قائد الانقلاب العسكري السلطة بإجراءات هزلية مضحكة مبكية، بعد أن قمتم لتوضيب الدستور على مقاس الحكم العسكري، وأن يتحكم هذا الفرد في المشهد، ويعاد صناعة الفرعونية الطاغية على يديه.

كل ذلك قبل أن يظهر للعيان جيدا ويستمع إليه الشعب، حتى إذا تكلم أفصح عن ضحالة شديدة في الفكر والسياسة والاقتصاد والاتصال السياسي وفهم معنى الدولة والحياة السياسية والبرنامج الانتخابي والمالية العامة وقوانينها والعلاقات الدولية وبروتوكولات اللقاءات مع القادة وأصول الخطاب السياسي، ونكث بكل كلمة قالها من أول ظهوره وخاصة في 3 يوليو، وتركتموه يبدل ويعدل، ويغير ويحور، ويهمل ويحذف، ويخترع ويصنع أفلامًا ومسلسلات وهكذا..

واجتمع الشيخ والقسيس والعلماني والديني على تقديسه وتوصيله إلى مقامات النبيين ومبعوث العناية الإلهية .. كأنه المهدي المنتظر أو السوبر مان، وأنتم أدرى إلى أي مدى هو ضعيف ومفتقد لكل عناصر الموقف إلا أنه عسكري منتدب من قبل العسكر لحكم البلاد حكما مباشرا.. فهل هذه هي الدولة المدنية التي خربتم الدنيا لأجلها: دولة عسكرية يشارك في حكمها القسيس والشيخ؟

هل هي الدولة التي تتنكر لكل معنى للثورة إلا الثورة المضادة، فلا ثورة 25 يناير أبقت ولا ثورتكم المزعومة في 30 يونيو تحقق منها شيء، بل إن ثورة يناير المجيدة بنص دستوركم صارت ثورة "خساير" وتهان وتوصم بالمؤامرة في إعلامكم وإعلام دولتكم المدنية الجديدة، وينسب إليها الخراب والفوضى وضياع (الدولة الوطنية المصرية ومؤسساتها العتيقة)..؟

هل هي دولة مبارك ونظامه العائد بكل رموزه وشخصياته وسياساته وفساده واستبداده وتحالفاته الداخلية والإقليمية والدولية وبصورة أبشع وحقيقة أشنع، وصلت إلى درجة (بناء محور التصهين العربي الجديد)؟ هل هي دولة عودة أحمد نظيف وأحمد عز وحسين سالم؟ الدولة التي يعلن حبيب العادلي بيان عودتها في ساحة القضاء بكل أريحية ويبرئها من كل عيب وكأنها دولة الملاك الطاهر؟ هل هي دولة أمن الدولة ودولة هيمنة الشرطة ودولة رجال الأعمال ودولة الأجهزة الأمنية والمخابراتية؟ ونظام الدولة العميقة التي تدير كل شئون البلاد في الغرف المغلقة ومن خلال الشلل الحاكمة والعصابات المتحكمة والشبكات المستحكمة؟ هل هذه هي دولتكم المدنية؟

هل هي دولة لا وجود لكم فيها إلا على شاشات محكومة ومراقبة، وعلى صفحات جرائد لا تسمن ولا تغني من جوع، هل الدولة التي تجندكم في مواقع محددة ولتوظيفات معينة، وتضع لكم الخطوط الحمر والحدود المنيعة الممنوعة، ثم تترك لكم ملعبا أو سيركا كي تتقافزوا فيه كما القرود والنسانيس؟ هل هي دولة الأحزاب المدجنة الديكورية الكرتونية الوهمية والمكاتب السياسية الخيالية واللقاءات السياسية التي تعقد تحت عين الرقيب وتتهامس فيها الأصوات ولو بالنكات، دولة النقابات المعين أعضاؤها، والجامعات المعين قياداتها، والمؤسسات الدينية والمدنية المعين مدراؤها، والفعاليات السياسية المقموعة إلا إذا كانت للتأييد والتسبيح بحمد النظام والقائد الهمام، هل هي دولة الدكاكين والورش التي لا عامل فيها ولا عمل، ولا بضاعة إلا النطاعة؟ هل هذه هي مدنيتكم؟

هل هي دولة الجباية والمكوس لا دولة العدالة ورعاية المهمشين؟ دولة الانتظار بالإجبار حتى ينتهي من مهمته البطل الجبار؟ دولة التفويض من أجل التقويض؟ دولة الموافقة والمنافقة؟ دولة الصفقات مع العسكر والنظام القديم؟ دولة المواطنة المشروطة بالإذعان والاستسلام لشروط السلاح، دولة مسرحيات المشاريع والوعيد بعد الوعود: هاتدفع يعني هاتدفع؟ والتصفيق لكل قول صفيق؟

هل هذه هي دولتكم التي أردتم؟ والتي لأجلها فعلتم ما فعلتم؟ ألا بئس أنتم وبئس ما كنتم، وبئس ما إليه وصلتم. ألا خيبكم الله! ألا أذاقكم الله من النار التي أوقدتكم!

إن المدنية هي صميم الإنسانية والعمرانية والاجتماع البشري، وقد حولتموها إلى حيوانية متوحشة لا تعرف إلا الطغيان وقتل الإنسان. فسحقا لكم سحقا لكم.

هل لم تكن دولتكم المدنية إلا مدخلا للدولة الانقلابية العسكرية؟!



 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية