
تطبيع عكاشة وتطبيع النظام !
أحمد ماهر
تطبيع عكاشة وتطبيع النظام !
حقيقةً لا أستطيع تحديد شعوري وانطباعي النهائي حول هذه القضية، العديد من الأفكار والمشاعر المربكة التى يصعب توصيفها في عبارة واحدة، فلا أعتقد أنه تعاطف وأيضًا لا أعتقد أنه شماتة، ولا أعرف تحديدًا هل كان ذلك متوقعًا أم مفاجأة، ولا أعلم ما عو عجيب.. موقفي أم الحدث؟
إني أتحدث - ويا للعجب - عن توفيق عكاشة، وربما أتعجب أنا شخصيًا من نفسي عندما أتحدث عن العكش بدون مشاعر غيظ أو حنق أو كراهية، ولكن فعلًا الانطباع معقد ويصعب وصفه بشكل واضح أو دقيق، فأنا أعتقد أن ما حدث ويحدث وسيحدث معه هو "تلاكيك" وعقاب بعد "الهرتلة" والغرور والجنون الذين أصابوه، وهو ما ينطبق عليه المثل المصري "آخر خدمة الغز علقة" أو كما قال هو شخصيًا "أخذوني لحم ورمونى عظم"، ولكن هل أتعاطف معه فعلًا بعد كل ما عمله وقاله؟ هل من الممكن أن أتعاطف مع من سب وشوّه ثورة 25 يناير وشيطن حركة 6 إبريل، وكان يقوم في كل تلك السنوات بسبي وتشويه سمعتي بالباطل على المستوى الشخصي؟.
الآن هناك حملات ضده في جميع وسائل الإعلام، إنها نفس الجهات الأمنية التي كانت تعطيه أوامر تشويه وتخوين الآخرين، إنها نفس الجهات التي كانت "تسرحه" لمهاجمة الآخرين إلى أن أصبح عديم الجدوى الآن، وأصبح عبئًا عليهم فلفظوه وأعطوا الأوامر للآخرين للإجهاز عليه.
هل ما أشعر به شماتة؟ اللهم لا شماتة، فالشماتة شعور سيء وشرير، ولا يجب أن نفعل ما ننكره على الآخرين، ولا يجوز أن نشمت في أحد طالما نلوم من يشمت فينا، ولكن حقيقي "صعبان علىّ"، فعكاشة لم يجد متضامن معه ولا متعاطف إلا ما ندر، فمن النادر الذي قد يصل لدرجة المستحيل أن يجد تضامن من شباب الثورة بعد الكذب والشائعات والتخوين والسب والقذف والخوض في الأعراض كما فعل منذ بداية 2011 تنفيذًا لأوامر الأجهزة الأمنية بهدف تشويه الثورة وشبابها وإضعاف التأييد الجماهيري للثورة أو تقليل القدرة على الحشد للقوى الثورية.
لم يجد عكاشة مساندة من الجهات الأمنية التي كانت تحركه، فمهمته انتهت، ولن يجد مساندة أو تعاطف من باقي أبواق النظام أو أعضاء مجلس النواب أو الفلول، فهم زملاؤه في تلقى الأوامر من نفس الجهات والأجهزة، إنهم شركاؤه السابقون في التشويه والتخوين ونظرية المؤامرة الفارغة، لن يساندوه فلا تجمعهم جميعًا إلا لغة المصالح الشخصية ونفاق السلطة والأجهزة التي تحركهم كالعرائس، لن يتوقفوا عن تخوينه والهجوم عليه فقد صدرت لهم الأوامر وهم لا ضمير ولا وازع لهم.
عكاشة الآن يذوق مما فعله في الناس من قبل، لن يجد مساندًا أو متعاطفًا، فقد عادى كل الأطراف، ولكن هل انتهت قصة عكاشة عند هذا الحد؟ هل انتهى؟ هل سيبذل مجهودًا مضاعفًا ويتذلل للأجهزة ويقبل الأيادي حتى يعود الرجل الوطني مرة أخرى، فهو مفجر ثورة 30 يونيو المجيدة كما يقول، البعض يزعم أن كل ما يحدث هو مجرد تمثيلية أو عصفورة جديدة لإلهاء الناس، ولكن لا أميل لهذا التفسير والله أعلم.
ولكن هل يمكن لأحد أن يناقش أصل الموضوع بدون أن يتعرض للتخوين والتشويه؟، فهل إسقاط عضوية عكاشة أمر دستوري وقانوني؟ وكيف يتم معاقبته على أمر تفعله الحكومة والجيش والمخابرات وبعض المسئولين، وبعض رجال الأعمال بشكل شبه دوري، لا أعرف لماذا تذكرت واقعة حدثت في 2011 عندما رفضت المخابرات العامة تعيين أحد المهندسين في منصب وزير الاتصالات لأنه تعامل يومًا ما مع أحد رجال الأعمال الإسرائيليين، يومها قال مدير جهاز المخابرات العامة "لا أحد غيري مسموح له أن يتعامل مع إسرائيليين"!
والمثير للسخرية أن هذا المهندس بدأ في نفاق الأجهزة الأمنية وتنفيذ أوامرها في تشويه وتخوين الثورة وشبابها حتى أصبح مسؤول الشباب في حملة مرشح الضرورة، وها هو أيضًا يخرج من "المولد بلا حمص" ليبدأ في كشف ما وراء الكواليس، ذكّرني موقف عكاشة وما يحدث له الآن وما يصرح به بهذا المهندس الذي عاد لمهاجمة الأجهزة بعد تجاهله في البرلمان.
وأعود مرة أخرى لجوهر القضية، لماذا تتعامل الأجهزة دائمًا على أنها المُدرك الوحيد لكل شيء، وأنها أذكى من الجميع، وأن من لديه ختم النسر هو فقط الوطني والآخر هو المشكوك فيه، بمعنى أكثر وضوحًا.. إننا نعلم جميعًا أن إسرائيل هي العدو الذي لا يريد لمصر خيرًا، وكلنا نتفق على أن التطبيع مرفوض، وأنه لا سلام حقيقي بدون حل للقضية الفلسطينية، ولا تعايش بدون عودة الحقوق إلى أصحابها، لا خلاف على ذلك بالتأكيد، ولكن ماذا عن تطبيع الحكومة.. ما الفارق بينه وبين تطبيع عكاشة، ماذا عن اتفاقية الكويز التي يتم من خلالها صناعة منسوجات بخامات ومكونات إسرائيلية بخلاف التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات، ماذا عن مئات المصانع المصرية التي تتعامل من خلال تلك المنظومة؟
ماذا عن عشرات الشركات السياحية المصرية التي تفتخر بثبات معدلات السياحة الإسرائيلية لسيناء؟ ماذا عن مئات الأنشطة والمنشآت السياحية في سيناء التي تقوم على السياحة الإسرائيلية؟
ماذا عن التعاون في المجال الزراعي منذ أيام يوسف والي حتى اليوم؟
ماذا عن رجل الأعمال حسين سالم وتصدير الغاز لإسرائيل؟ وهل فعل ذلك من نفسه؟ وماذا عن شهادة اللواء عمر سليمان في قضية الغاز بعد الثورة عندما اعترف أن أرباح صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل كانت تهدف إلى إيجاد موارد جديدة لجهاز المخابرات العامة المصرية؟!
وأخيرًا وعودة لما حدث مع عكاشة من استغلال الأجهزة له وتكليفه لتشويه الآخرين من أجل هدف، وسرعان ما تم إلقاءه بعد ذلك في سلة المهملات والتنكيل به بعد أداء مهمته، فهل عكاشة هو الوحيد؟ ومن القادم؟