
«سترونج اندبندنت وومان» على ما تُفرج!
آلاء الكسباني
«سترونج اندبندنت وومان» على ما تُفرج!
"تحبى أغيرلك العجلة يا أبلة ولا هتقوليلي سترونج اندبندنت وومان… هاهاهاها"!
يرميها الشاب على سمع صديقتى بينما تقوم بتغيير كاوتش سيارتها فى الشارع، وهو يتضاحك مع أصدقائه، ويتركها وحدها دون أن يفعل لها شيئاً، جملة استفزتنى كثيراً حين حكت هى لى، ليس لما تحتويه من سخرية فحسب، بل لإنه أصلاً لم يقف حتى ليساعدها فيما تفعل، بل هو قرر أن يهينها باعتباره سترونج، واندبندنت، بل وومان حتى، ومع هذا لم يفكر جدياً إذا كانت تحتاج المساعدة أم لا!
وحقيقة الأمر لا أعرف ما وجه الإهانة تحديداً فى كلامه من وجهة نظره لدرجة أن يلقى مثل هذا الإفيه، هل كونها قوية، أم مستقلة، أم امرأة فى حد ذاتها؟! لإنه من الطبيعى ألا تكون أياً من هذه الصفات مصدر للإهانة، على حسب علمى، ومع هذا كان يتضاحك مع أصدقائه كأنه نعتها بصفة تُلحِق بها العار، ولن تستطيع التملُص منها أبداً!
لم يكن هذا الموقف هو أول موقف يلفت انتباهى لتعامل المجتمع مع مصطلح "امرأة قوية مستقلة" بهذا الكم من الاستهزاء، حيث يمتلئ الفيسبوك بكوميكس ومنشورات عن هذا الموضوع تحديداً، ليتم تناوله كأى "تريند" بكمية رهيبة من السخرية، لإنه فى النهاية ليس هناك ما يُسمى بالمرأة القوية المستقلة، فكلهن يتقابلن بحمام العمل ليبكين، أو لإنه بالنهاية هذه السترونج اندبندنت وومان لا تستطيع مطاردة الحشرات، أو فتح البرطمانات، أو الوقوف مع الصنايعية أثناء قيامهم بأعمال الصيانة فى المنزل، لا تستطيع الذهاب إلى السوق وحدها لإنها لن تتحمل حمل كل هذه المشتروات، لا تستطيع حمل الأشياء الثقيلة، لا تستطيع أن تُغير كاوتش سيارتها وحدها، وبالطبع لا تستطيع أن تتعامل مع الكلاب فالشارع أو تعود متأخرة لمنزلها بعد يوم عمل شاق.
ولأننى أدرك جيداً إننا لسنا فى مسابقة "من الأقوى فى الثبات الانفعالى"، لن أقول إنه من الطبيعى جداً أن يخاف الرجال من الحشرات والكلاب والظلمة أو أن يكون لديهم أى نوع من أنواع الفوبيا لإن هذا طبيعى فى البشر عامةً، لن يكون مبررى هو إننى أحب الكلاب أصلاً لولا حساسيتى منها، أو إننى رأيت مرة شاباً يقفز من على كرسيه بسبب مرور قطة تحته، لإن المعارك الجندرية ليست بهذا القدر من التفاهة، فكونى امرأة قوية مستقلة لا يحتاج لأن اُثبِت إننى قادرة على فتح برطمان الصلصة وحدى باستخدام سكين مثلاً، أو إننى قادرة على حمل أكياس لأن هناك غيرى قادات على حمل أنبوبة، أو أن أثبت إن أمى ظلت تسع سنوات بعد وفاة والدى تقوم بأعمال السباكة والكهرباء والمحارة والبوهيات بالمنزل توفيراً لثمن يد الصنايعى، حتى إنها أصبحت أجدع أسطى، فى ظل اشتغالها بالمحاماة وتربيتها لفتاتين دون أن يتدخل رجل واحد من العائلة فى هذا!
نحن لسنا مضطرات بالمرة أن نُثبِت أننا قادرات على أن نقوم بكل هذا وأكثر، ولسنا مضطرات لأن نتعامل بمبدأ الواحدة بالواحدة، ليكون الاختبار هنا حول القدرة على الصمود أمام آلام الحمل والولادة والرضاعة، أو القدرة على احتمال كلمة ماما ستين مرة فى الثانية الواحدة، أو مواجهة التحرش اليومى داخل العمل وخارجه وبالشارع والنادى وأحياناً المنزل، أو محاولة تحطيم عراقيل اعتبارك كائن ناقص العقل والأهلية غير قادر على القيام بعملك على أكمل وجه، أو مواجهة تفاوت الأجور أو كون المرأة أم عاملة وأحياناً كثيرة المعيلة الوحيدة، أو مواجهة وصف العاهرة الذى يلتصق بك عند العودة من العمل متأخراً بعد يوم شاق جداً!
لسنا مضطرات اطلاقاً للفت أنظار البشرية إلى كون الحاجة للبكاء أو الإحساس بالضغط جرّاء العمل والمسئوليات هو شىء عادى جداً، وعدم قدرة الرجال على التعبير عن هذا تخصهم وحدهم، فأن يكون المرء مشوهاً عير قادر على التعبير عن إنه مضغوط، كابتاً لكل مشاعره أسفل قناع حديدى هو شىء لا ينم عن القوة، بل عن التشوه النفسى، ولسنا مضطرات لنخبئ إننا نتقابل فى حمام العمل لنبكى لإننا مضغوطات، أو لإننا نحاول اللحق بركب المجتمع الذى يجرى ولا يعبأ بنا، مهمشاً إيانا بكل وسيلة ممكنة، فقبل أن نصل لمقر العمل ألقى أحدهم نكتة عن أجسادنا ظنها خفيفة الظل، احتاجنا الكثير من المجهود العضلى والنفسى لنظل متيقظات لأى نوع من أنواع التحرش!
لسنا مضطرات إلى توضيح إن رحلة العودة للمنزل تحتمل نفس القدر من السخافة والخوف، وإنه من الممكن جداً أن تلتفت كأى إنسان عادى فى الشارع لتجد رجلاً قد أخرج لك أعضائه التناسلية مداعباً إياها، أو أحدهم قد وضع يده على جسدك واختفى بين الحشود، عادى جداً فى وضح النهار!
لسنا مضطرات لأن نثبت إننا نساء قويات فعلاً، أو ليكون معيار تقييم قوتنا هو عدم البكاء وقتل الصرصار فى صمت، أو عدم الشكوى!
لسنا مضطرات لأن يكون هناك معيار لتقييمنا أصلاً، المضطر فعلاً لتبرير موقفه هم الرجال الساخرون من هذا، ما الصعب فى اعتبار امرأة قوية فعلاً؟ الخوف من أن تكون نداً لكم أم الخوف من ألا يرتبط كيانكم بأحد بعد الآن؟!
يحتاج المازحون بهذا الشأن جداً للشعور بإن أحدهم أكثر ضعفاً ينتمى إليكم، يحتاج إلى أحد ليحمل عنه حقائبه أو يقتل له صرصاراً، يحتاج المقللون من قدر المرأة لأحد يربطون فيه شعورهم بكيانهم، برجولتهم، القائمة فى الأساس على انتقاص الفرص من النساء وربطهن بتحقيق الدور فى المنزل فحسب، الذى هو مسرحاً هم غير قادرين فيه على إثبات وجودهم أساساً، سواء بالتكاسُل أو التخاذُل، يحتاجون جداً لأن يلقبونا بـ "سترونج اندبندنت وومان" على سبيل المزح، خوفاً من أن نكون بالفعل حقيقيات، مستقلات مادياً ومعنوياً وعاطفياً ونفسياً غير محتاجات لرجل يلعب دور المرشد الروحى فى حياتنا، لإنه إذا تحقق هذا أصبح للمرأة رأى فى رسم حياتها، فى اختيار شريكها، وأصبحت لا تساوم على حريتها.
مدركة جداً إن هذا نوع من عدم الأمان، واتفهمه، لذا لن أزعجكم بمحاولات إثبات قوة المرأة، بل سأحاول جاهدةً الابتسامة فى وجه الإفيه السخيف، عل من يلقيه يدرك يوماً إن العلاقة التكافؤية هى بمثابة استرداد لحقوقه فى مجتمع ذكورى نمّطه فى دور عضلى ومادى ألغى انسانيته كلياً، تماماً كما نمّطنى، وسنظل "سترونج اندبندنت وومان، حتى تُفرَج.