رئيس التحرير: عادل صبري 01:26 مساءً | الأحد 22 يونيو 2025 م | 25 ذو الحجة 1446 هـ | الـقـاهـره °

"ميني جيب".. عقبال المايوه!

28 فبراير 2018

"ميني جيب".. عقبال المايوه!

آلاء الكسباني

"ميني جيب".. عقبال المايوه!

 

بين التهنئات والسلامات والطيبون، يخرج أحد الجالسين من أقاربي بالجمع العائلي المتوتر جدًا الذي أرغمتنى أمى على حضوره، والذى تصادف مع ميعاد صدور كتابى الجديد "مينى جيب" بمعرض الكتاب الماضى، بل وتصادف أيضًا مع إنترفيو للناشر مع إحدى القنوات الفضائية المشهورة جدًا في نفس يوم التجمع العائلي إياه، ليقول لي ضاحكًا بسماجة وفكاهة مصطنعة "مينى جيب…. عقبال المايوه بقى! من امتى بتكتبى في السفالة دى؟ ماعرفتيش تربى يا أمل"، وبأمل يقصد أمى طبعًا، لأنظر إليها، فتنظر إلىّ مستعطفةً بنظرة "زق معايا اليوم يا سامح" لأمتنع عن الرد وأكتفى بقولى إنه قد وصل الطبعة الثالثة، فلربما أصبح كل هؤلاء الناس يحبون السفالة الآن.

 

ليست هذه المرة الأولى التي ينتقد فيها أحدهم كتاباتى من الأقرباء أو الغرباء، ليس نقدًا هادفًا بنّاء طبعًا لا سمح الله، وإنما باعتبارها كتابات في منتهى قلة الحياء لا تصلح لأن تصدر من بنت، بل ليست هذه المرة الأولى التي ينتقد فيها الناس فكرة أن تكون الكتابة عن الحق والرغبة والمشاعر والحياة من امرأة، لإنه ليس من الطبيعي أن تكون هذه الكتابات صادرة من أنثى طبعًا، خصوصًا وإنها عن النساء، عن مشاعرهن ورغباتهن وأجسادهن وحياتهن وطموحهن، من المنطقى جدًا أن يكتبها رجل، كلام بديهى يعنى!

 

من الطبيعى جدًا أن يناقش وضع المرأة في المجتمع خصوصًا فيما يتعلق بتابوهات الخطوط الحمراء من الجنس والعلاقات والختان والدورة الشهرية والطموح والألم هو رجل، يقدر على افتراش مشاعرها على الورق، وتصويرها بدقة، لتصل لكل قلب وعقل قارئ، أيًا كان جنسه!

 

أنا بالطبع لا أنكر مدى مهارة بعض الرجال في الحديث عن معاناة المرأة وقدرتهم على تصوير وضعها، ولا أقول إن الحديث عن مشاعر النساء وتابوهاتهم حكرًا على النساء من بنات جنسهن فقط، لإننا بالضرورة كنساء نحكى عن الرجال في أوراقنا، واقتراب الجنسين واحتكاكهما ببعض يودى في النهاية لسلسة من الخبرات والعلاقات يقدر الكثيرون على تصويرها أبلغ تصوير، إنما أنا فقط أنكر قدرة المجتمع على إقناع نفسه باستمرار بإن هذا الكلام لا يجب أن يصدر من نساء، لا يجب أن يكون المُعبِر عنه نساء، خصوصًا لو كان في عمل أدبى أو فنى يصل للكثيرين، وهو ما كان سببًا رئيسيًا في سب المخرجات والمؤلفات الثلاث لمسلسل سابع جار، واتهامهن بتهم يعجز قلمى عن ذكرها، باعتبارهن فاسقات يتناولن أشكال من العلاقات لفتيات منحلات يخلو منهن مجتمعنا الفاضل، مصحوبةً بدعوات لوقف المسلسل تحت مسمى "الشرف يا بنت الكلب الشرف"، وهو ما يودى في النهاية لإن الناس في مجتمعنا غير مقتنعين بالمرة إن للنساء خبرات جنسية وعاطفية وعلمية وحياتية يستطعن التعبير عنها بكل بساطة، أو إنهن يقدرن على إبراز هذه المشاعر في شكل عمل فنى يتناول شرائح مختلفة من المجتمع لكل منهن تجربة حقيقية مستمدة من صلب المجتمع، وليس بالضرورة من حياة الكاتبة أو المؤلفة، لذلك نرى إن الرويات الايروتيكية على سبيل المثال -رغم عدم اقتناعى بيها- تخرج غالبًا من أقلام الرجال، والمقالات الجريئة يُشاد بها إذا خُتِمَت بإمضاء رجل، لكن أن تكونى امرأة وتتحدثين عن مشاعر النساء الجنسية مثلًا، انتِ هتكفرى؟

 

يبرهن المجتمع باستمرار على عدم تقبله لفكرة إن النساء لسن مفعولات بهن فيه، وإنهن لسن أدوات لخدمة أغراض وأهداف بعينها، يبرهن على عدم قدرته على صوغ معادلة يكن فيها ركنًا من أركانه، يشكلن فيه فارقًا ضخمًا بما يشعرن به من خلال المعاملات اليومية والحياتية، يبرهن على إصراره على دفن رأسه في الرمال، ليتغافل قاصدًا عن فكرة إن للنساء طاقة، قدرة على العمل، رغبة في الطموح وتحقيق الإنجاز، ومشاعر عاطفية وجنسية، خصوصًا هذه الأخيرة، حيث يجب أن تخفيها النساء خلف كل الأسوار والأبواب المغلقة الممكنة، من العيب جدًا أن تفكر فيها أمام مرآتها حتى، فما بالك إذا صاغتها في شكل مسلسل يشاهد حلقاته الآلاف أو نص روائى يقرؤه المئات، لإنه ليس من المسموح أصلًا أن تسر بهذه المشاعر حتى لزوجها، وإلا اعتُبِرَت داعرة، فعليها دائمًا أن تنفض هذه التجارب والمشاعر عنها ولا تلتحم فيها أو تعتبرها جزءا منها، بل تمارسها في خفاء تام، ولا تحلم بأن ينظر إليها على إنها طرف فيها، مع إنه، وعلى الجهة المقابلة إذا عبّر عنها رجل، يتم الاحتفاء به واعتباره رجل الرجال، حسواء أكان هذا في جلسة أنس وفضفة أو في أى عمل فنى أو أدبى على الملأ، أليس من المفترض أن يكون العيب عيبًا للجميع، نساء ورجال؟

 

خرج "مينى جيب" إلى النور بأقلام ثلاثة بنات قررن أن يفترشن مشاعرهن على الأوراق، ووصلت ألامهن لقلوب الكثيرات، ولن يكون هذا أول أو آخر كتاب يناقش وضع النساء ومشاعرهن تكتبه امرأة، فمن الأفضل أن يبدأ المجتمع بتقبُل الأمر، بل يجب أن يحمدوا الله إنهم قد لاقوا منفذًا من أقلام النساء لفهم نفسياتهن ومشاعرهن التي تبدو لغالبية الرجال معقدة جدًا وإن أكدوا على فهمها وهي طايرة، لإنها للأسف تظل طايرة بعيدًا جدًا عنهم!

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية