
السياسة بين السجن والمستشفى
هاني بشر
السياسة بين السجن والمستشفى
أصبحت أمنية معظم السجناء السياسيين أن يتم تحويلهم للمستشفى إما لتلقي العلاج أو الفحص الطبي لاكتشاف ما ألم بهم من أمراض تفرضها الظروف غير الآدمية التي يعيشون فيها، والأهم هو الهروب ولو قليلا من جحيم السجون التي لا تعرف الرحمة. ومستشفيات السجن ليست في الحقيقة مكانا للعلاج بقدر ما هي مكان أقل سوءا من الزنازين الرطبة المعزولة في عنابر العقرب والوادي الجديد وبرج العرب وغيرها من السجون. وإدارة السجن لا ترسل المسجون ليتلقى العلاج في المستشفى بقدر ما هو ترحيل مؤقت لعدم تحمل مسئولية أي تدهور في صحته ويعاد ثانية إلى السجن مهما كانت حالته الصحية. وهو الأمر الذي حدث مؤخرا مع الباحث والصحفي هشام جعفر وغيره من السجناء المرضى الذي أجبروا على ترك مستشفى السجن قبل استكمال تلقي العلاج.
السياسة في مصر لا يختلف حالها كثيرا عن أي مسجون سياسي يقبع في سجن العقرب بقضية ملفقة. فهي مؤممة محاصرة مطاردة مظلومة. وبعد فقدان الأمل في عدالة ناجزة أو حرية كاملة، أصبحت الآمال معقودة على أن ترتاح السياسة ولو لبرهة في المستشفى، حيث تداوي بعض جراحها وتهرب من حالة التأميم. وحين تسترد السياسة شيئا من عافيتها يمكن أن يتنفس الناس بعضا من أوكسجين الحرية ويفكرون في المضي قدما خطوة أخرى. ولا لوم على كل من يرى في أي استحقاق انتخابي قادم أو مظهر من مظاهر الحراك الشعبي غير المتوقع أنه نوع من الاستشفاء السياسي لكسر حدة الجمود الراهن.
تحتاج السياسة لمثل هذه الاستشفاء بين وقت وآخر حتى لا تموت لأنها إن ماتت فضريبة إحيائها من جديد فادحة جدا. ولذا ينظر كثيرون لانتخابات الرئاسة العام القادم ببعض الأمل في تحريك المياه السياسية الراكدة. والرئاسة، في دولة لا يختلف بناؤها عن هرم خوفو، شيء جلل ومهم لأنها تقبع في قمة الهرم وتعد مؤشرا ومفتاحا كثير من التغيرات في البلاد. وهي امتحان لأي رئيس، تختلف أسئلته من دولة ديموقراطية لأخرى استبدادية، حيث تعتمد أسئلة هذه الأخيرة على دور مراكز القوى والدور الإقليمي لدول الجوار وأصحاب المصالح أكثر ما تعتمد على برامج وشخصيات المرشحين المنافسين.
ليس لدينا في مصر ميراث سياسي أو دستوري من الانتخابات الرئاسية. كان الاستفتاء الشكلي سيد الموقف. ولم نشهد أية تجربة انتخابات رئاسية حقيقية سوى مرة واحدة عام ٢٠١٢ وهي فترة انتقالية غير مستقرة لم يمكث الرئيس فيها سوى عام واحد في الحكم ذهب بعدها للسجن مباشرة. ولا يستطيع أن يرى محاميه أو أولاده منذ ذلك الحين قبل أربع سنوات وحتى الآن. ولأننا ليس لدينا رجال دولة مارسوا الحكم ويمثلون تيارات سياسية حقيقة كما في دول العالم المحترمة يدخلون في المنافسة مع بعضهم البعض، فإن الانتخابات إذن في أحسن صورها الحرة والنزيهة هي تمرين وتدريب على أن نكون دولة ديموقراطية لديها ممارسة سياسية.
مؤخرا، بدأت السياسة نذر مرحلة الاستشفاء مبكرا مع الجدل المحتدم حول الانتخابات الرئاسية التي لا يزال يفصلنا عنها أكثر من عام. فالغريق يتعلق بقشة والمحاصر يحلم بفرجة ولو ضيقة والسجين السياسي يحلم بالمستشفى. والسياسي المتمرس يعرف كيف يقفز فوق مرحلة السجن كما فعل الرئيس المخلوع مبارك ليبقى في المستشفى بضع سنين قبل أن يخرج للحياة مرة أخرى. أما سياستنا المسكينة فلا تزال تحلم بالمستشفى رغم أنها لعبة مفتوحة دائما وخياراتها متعددة ولا تحتاج سوى المهارة وأدوات التأثير ولكن فتش عن اللاعبين.