رئيس التحرير: عادل صبري 06:42 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

حكايات الزيارات.. جنائيون مظلومون (9)

حكايات الزيارات.. جنائيون مظلومون (9)
26 يوليو 2017

حكايات الزيارات.. جنائيون مظلومون (9)

خديجة جعفر

حكايات الزيارات.. جنائيون مظلومون (9)

"هل في السجن جنائيون مظلومون؟" هكذا بادرني أحد الأصدقاء بهذا السؤال معتمدًا على واقع زياراتي الأسبوعية لمجمّع سجون طرة. أجبته دون تردّد: "نعم، هناك الكثير من المساجين المظلومين ذوي التهم الجنائية، وهو ممّا يؤسَف له. فلا أحد في الحقيقة يهتمّ بهؤلاء أو يقف بجانبهم، وربما لا أحد يتصور أنّ ظلمًا اجتماعيًّا شديدًا قد يلقي بأحدهم في غياهب السجن سنوات".

 

في إحدى زياراتي المبكّرة إلى السجن، قابلت امرأة بسيطة بصحبة ابنها ذي السنوات الخمسة في طابور الزيارة. جاءت المرأة، مثلما جئت تمامًا، لأجل زيارة زوجها في سجن "عنبر الزراعة".. كنت حينها جديدةً في الزيارات، فسألتها "منذ متى تأتين إلى هنا" قالت: "منذ خمس سنوات" وبدأت بحكي قصّتها دون أن أسأل، فأخبرتني أنّ شجارًا دبّ في المنطقة التي يسكنون بها، فقُتِل أحدهم خطأً في المشاجرة، وكان القاتل هو أخو زوجها، وكان طبيبًا، فقرّرت العائلة التضحية بزوجها العامل البسيط، لئلاّ يمكث أخوه في السّجن سنينًا. وأضافت أنّ هذه الحادثة وقعت منذ خمس سنوات في أعقاب ثورة يناير، وإن كان لا صلة بين الحادثين. ومنذ ذلك الوقت، يجدّد الحبس الاحتياطي لزوجها دون بتٍ و حكمٍ في القضيّة.. كانت قد وضعت وليدها للتوّ، وكبر الطفل وأبوه في السجن، وعاشت هي وطفلها في بيت أهل زوجها ينفقون عليها وعلى حفيدهم وعلى إعاشة ابنهم في السجن مقابل هذه التضحية.

 

ليست هذه هي القصّة الوحيدة التي تعرّفت عليها. امرأة أخرى بدا عليها الظلم والبؤس الشديد، كانت تجلس إلى جانبي في "الميكروباص" الذي غالبًا ما ينتظر الخارجين من الزيارة  أمام السجن. لاحظت بؤسها ولم أتكلّم معها، وحين وصلنا إلى محطة المترو سبقتها لأقطع تذكرتين، فتكلمنا وأخبرتني بأسى بالغ أنّ زوجها محبوس لسنوات ثلاثة في "وصل أمانة" بمبلغ عشرة آلاف جنيه. تعجبت لمقدار المبلغ في مقابل عدد سنوات السجن. ولمَ يستدين الناس من بعضهم بعضًا من الأساس؟ ثمّ يؤذون بعضهم بعد ذلك. شعرت بالحنق الشديد على قانون يقرّر العقوبات ويحرم الناس من قانون ينظّم مصارف الزكاة، ليعطي الغارمين حقّهم منها، قبل أن يقرّر عقوبتهم.

 

قصّة أخرى تكشف وجهًا آخر من وجوه الظّلم الاجتماعي عرفتها في زياراتي لسجن المزرعة. أسرة لأبٍ تاجر متيسرة الحال ومحافظة، وجدت نفسها فجأة ما بين المحاكم والسجون. رأتني الأم مرتين في الزيارة، فقرّرت أن تكلمني و"تفضفض" دون سببٍ واضح. حكت لي بمرارة بالغة ما الذي أتى بهم إلى السجن. قالت أنّ ابنها الذي كان في عمر العشرين تعرّف إلى فتاة لم تصل إلى سنّ الزواج القانونية، ولكنّ أمّ الفتاة قرّرن تزويجهم بعقد زواج عرفي دون علم أهل الفتى. وحين علموا بهذا قرروا إنهاء الأمر، ولكنّ أمّ الفتاة كانت مستعدّة برفع قضية "خطف واغتصاب" وأصدر القاضي أمرًا بحبس الفتى ست سنوات. يواصل الأب القصة بمرارة أشدّ من مرارة الأم، أنّ حياتهم بعد سجن ابنهم لم تعد هي حياتهم قبلها، وأنّه اضطر لغلق متجره ما يزيد على العام والنصف ليكرس وقته لقضية ابنه ومحاولة إخراجه. صورة أخرى من صور تظالم النّاس، واستخدامهم القانون لأكل حقوق بعضهم بعضًا، والتنكيل ببعضهم دون سبب مفهوم.

 

أتساءل كيف يكون القانون لعبة سهلة في أيدي النّاس بهذا الشكل، وكيف يكون القانون أعمى لهذه الدرجة؟ وإذا كانت القضايا السياسية ساحة للتنكيل، فكيف تكون القضايا الاجتماعية مساحة للتظالم بهذه الصورة؟

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية