في مديح سيف الإسلام
خديجة جعفر
في مديح سيف الإسلام
شاء القدر للسياسي والحقوقي أحمد سيف الإسلام أن يشهد الثورة، وأن يشهد "مظاهرات" 30 يونيو الممهدة للانقلاب العسكري، وأن يسجّل موقفه كأشجع ما يكون تميّز موقفُه، ليس فقط، بالشجاعة إزاء قوى الدولة التي صنعت أحداث 30 يونيو وما تلاها، وإنّما تميز بالشجاعة إزاء مجموعات من المعارضة شاركت في 30 يونيو وساهمت في الحشد لها. هو موقف، إذًا، يعني أنّ صاحبه لا ينحاز سوى للحق، وللعقلانية.
العقلانية في اتّخاذ قرار الفعل السياسي، هو أبرز ما يميّز المحامي والحقوقي والسياسي أحمد سيف. وهو بهذا يفترق عن النشطاء السياسيين الذي يلجأون للشارع مباشرة دون إدراك للفروق بين حدثٍ وآخر، على اعتبار أنّ النزول للشارع والتظاهر هو وصفة ناجعة لتغيير كلّ وأيّ شيء نعترض عليه في السياسة. لم يكن هذا موقفَ أحمد سيف، حيث لا يرى أنّ النّزول للشارع وصفة مناسبة لكل تغيير مطلوب.
بكلّ وضوح وصلابة، أوضح أحمد سيف الإسلام منطقه في عدم المشاركة التامّة في مشهد 30 يونيو، بما سبقها وما تلاها من أحداث، وعدم سعادته بكلّ ما أسفرت عنه من نتائج. يقول مجيبًا على سؤال صحفي "مصر العربية" الذي وجّهه إليه في 4 إبريل 2014، أي بعد أحداث يونيو 2013 بأقل من عام:
"أنا لم أدعُ إطلاقًا للنزول إلى 30/ 6 و لم أشارك في 30/ 6 ...ولم أمضِ استمارة تمرد لأني كنت متخوف بشدّة من نتائج 30/6، 30/ 6 بالنسبالي هي ايه؟...عندي أول رئيس مدني منتخب اللي هو الدكتور محمد مرسي، فلمّا يتمّ الإطاحة به بهذا الطريق، معناها إنه زي ما هو أول رئيس مدني منتخب، دة آخر رئيس مدني منتخب.
إن أي رئيس لا يرضي هوى القيادات العسكرية سوف يطاح به. ليه؟ لأن مرسي يستند إلى تنظيم كبيرله جماهيرية، ومنتشر في كل الجمهورية. إذا كانت الدولة العميقة تمكنت خلال سنة واحدة أن تتلاعب بهذا الرئيس المنتخب وبالتنظيم اللي وراه، فما بالك بأة بأي رئيس مدني آخر معندوش هذه المميزات؟ لا عنده تنظيم بحجم الإخوان، ولا عنده انتشار. معناه إننا سنبقى رهائن في أيدي البشوات، إذا رضوا عننا هيخلوا الرئيس المنتخب يستمر، وإذا مرضوش عننا هيشيلوه تاني يوم. القصة محتاجة ايه منهم؟ محتاجة إعلام على شوية عناصر سياسية تغطي الموضوع...فأنا لم أشارك في 30/6 على الإطلاق، ولست سعيدًا بنتائجها."
لا أظنّ أنّ موقف أحمد سيف الإسلام نابعٌ من الحكمة التي تأتي من التجربة والخبرة فقط، بل نابعٌ كذلك من فهم السياسة المصرية بكلّ العناصر اللاعبة فيها، ونابعٌ من تحييد المشاعر والعواطف وفصلها عن القرار السياسي والفعل السياسي، وما أقصده هنا هو القرار والفعل الخاصّ بالمواطن الفاعل.
المنطق الذي فكّر به أحمد سيف، والذي وجّه فعله السياسي إزاء 30 يونيو هو ما يمكن أن نصفه "بالفعل السياسي العقلاني" الذي يستند لمنطق ورؤية وتصور، ولا يستند لردود أفعال وقتية جدًا ولا يمكن أن تؤسس لرؤية. فقد كان لأحمد سيف بالفعل رؤية لكيفية الانتقال بمصر من حكم عسكري لحكم مدني، وقد كانت هذه الرؤية واجبة لكي يكون مستقبلُ دولةٍ مدنيةٍ في مصر ممكنًا. فمعارضة أحمد سيف لمشهد 30 يونيو برمّته لا يُفهم منه مثلاً تأييد حكم جماعة الإخوان بالضرورة، وإنّما يفهم منه التسليم بفوزهم بانتخابات رئاسية، وضرورة استمرارهم في الحكم ليتاح بالتالي انتخابات أخرى نزيهة بعد أربع سنوات، يمكن من خلالها أن يفوز غيرهم من الأحزاب الفاعلة بالحكم.
موقف آخر ظهر فيه عقلانية الفعل السياسي لدى أحمد سيف وهو تفسيره لنتائج استفتاء 11 مارس 2011، ففي تدوينة له بتاريخ 21 مارس، كتب معلّقًا على هذا الحدث: "ال 18 مليون من الجماهير المصرية التى شاركت فى الاستفتاء ومن ضمنهم ال 14 مليون الموافقين على التعديلات لا يتبعون أية قوة سياسية أو دينية فأغلبيتهم الساحقة لأوّل مرة يشاركون فى استفتاء وهناك أكثر منهم لم يشارك والجميع متعطش لسماع وجهات النظر المختلفة...".
كما يؤكّد على أنّ هذه الجماهير بالفعل شاركت بمحض إرادتها دون دفع أو سيطرة من أي قوة، يقول الراحل: "يستحيل عقلاً ومنطقًا وواقعًا أن تسيطر قوة سياسية منظمة كالإخوان المسلمين على هذه الحشود والملايين مستحيل أن يسيطر عليهم رجال الأعمال أو فلول الحزب الوطنى."
كنت أتمنّى بالفعل أن يكون لأحمد سيف موقعٌ في الصّدارة بالفعل بعد الثورة يرشّد للثوّار فعلهم ويُعَقلِنه.
